حكاية الشاعر المسلم الذي تخفي في زي الرهبان وهرب إلى الدير
في كتابه "حكايات من مصر" يميط الصحفي الراحل صلاح عيسي اللثام عن شخصية غامضة في تاريخ الأدب المصري، لافتًا إلى أن ذكر هذه الشخصية جاءت في الجزء الأول من اعترافات "حافظ نجيب"، وهو مغامر مصري شهير مات ١٩٤٦ عرف بمغامراته، وفي فترة من فترات حياته، وقرر حافظ نجيب أن يختفي من مطاردة البوليس له وقرر لهذا السبب أن يدخل الدير ليترهبن علي الرغم من أنه كان مسلما.
يلفت صلاح عيسي إلي أن حافظ نجيب في اعترافاته يقول أنه عرض الأمر علي المشتغلين بالسياسة من منشئ الحركة الوطنية فحبذوا رأيه وقال له أحدهم: يجوز أن يكون الدير وسيلة لذهابك إلي الحبشة في منصب مطران الحبشة٬ وذلك البلد لا يزال مستقلا ومنصب المطران هناك٬ منصب عظيم جدا٬ واحترام الأحباش للجالس علي كرسي المطرانية أعظم من إجلالهم للجالس علي العرش.
وقال الثاني وهو علي فراش مرضه الأخير: وفي مقدور المطران المثقف ثقافة عالية أن ينشئ هناك جيشا٬ يعلم ضباطه في النمسا أو ألمانيا٬ فيصير في مقدوره اغتصاب السودان وإنقاذ مصر من المحتلين. وقال الأول : هذا سر خطير فاحتفظ به لنفسك٬ ولا تيسر لأي صديق معرفته. وكان واضحا أن الرجلين اللذين يتكلم عنهما حافظ نجيب في مذكراته هما الزعيمان مصطفي كامل ومحمد فريد٬ ذلك أنه حدث بعد ذلك بشهور أن مات مصطفي كامل٬ وكان حافظ نجيب وقتها قد دخل الدير٬ وتسمي باسم "غبريال إبراهيم" فهزته الفاجعة وكتب قصيدة يرثي فيها الزعيم الشاب٬ ورآها رئيس الدير فعرضها علي بعض أصدقائه معجبا بها٬ فاقترحوا عليه إرسالها إلي إحدي الصحف٬ وأثار نشرها ضجة كبري٬ إذ دارت مناقشات حول صحة تصرفه٬ فالرهبنة تقتضي اعتزال العالم٬ لذلك أدين تصرف الراهب غبريال إبراهيم٬ بينما رأي آخرون أن ذلك عمل طيب يقتضي إرسال الراهب إلي أثينا ليدرس اللاهوت.
وغضب البطريرك كيرلس الخامس بشدة وكان من رجال الكنيسة المتشددين٬ واستدعي الراهب غبريال إبراهيم٬ وبدلا من أن يتجه لمقابلته علي الفور ذهب إلي منزل الزعيم محمد فريد٬ فاستاء لقصده إليه٬ وأنبه في غضب بسبب نشر قصائده في الصحف وقال له: لقد ذهبت إلي الدير لتختفي ولتعتزل عن العالم وقتا طويلا لينساك الناس٬ ولتصل من الدير إلي الهدف الذي تهدف إليه. وطرده شر طردة.
ويستطرد صلاح عيسي متسائلاً عن الشاعر الغامض: الوقائع التي يرويها حافظ نجيب٬ لو صحت٬ لكشفت عن تفكير يستحق الدراسة والتأمل والبحث في تاريخ تلك المرحلة٬ فما أكثر علامات الاستفهام التي تطرحها قصته. إذ ما هي العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين مغامر مثل حافظ نجيب٬ اتهم في عشرات من قضايا النصب والتبديد٬ وبين زعيمين كمحمد فريد ومصطفي كامل؟
وما هو تحديدًا الدور الذي أراد له أن يقوم به من خلال تنكره في زي راهب؟ ولماذا يفكران بمناوأة إنجلترا في السودان عن طريق الحبشة؟ بعض علامات الاستفهام الغامضة التي يتركها التاريخ عادة معلقة.