«140 مليار دولار خارج أعين الدولة».. خبراء: «ظاهرة المستريح» بوابة لهدم الاقتصاد
كشفت ظاهرة "المستريح" التي ظهرت خلال الأونة الأخيرة من جديد- يعود تاريخها لشركات توظيف الأموال منذ الثمانينيات- عن العديد من الملاحظات المهمة والتي يجب على صناع القرار الانتباه لها واتخاذ مواقف رادعة للسيطرة عليها، والحد منها وبترها تمامًا من المجتمع.
"المستريح" هو باختصار شديد شخص يتصيّد الفريسة، يرى أنها ترغب في الثراء السريع ودون بذل أي مجهود، فيظهر في الوقت المناسب وأمام الشخص المناسب بوعود أهمها أنه يملك العصا السحرية التي تنقل الضحية من مستوى إلى مستوى آخر من الرغد والربح الوفير، ومن ثم تسلّمه الضحية أموالها عن طيب خاطر دون أن ترى الفخ المنصوب لها.
تغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم النصب
من جانبه، أكد الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه يرى قصة توظيف الأموال بوابة خفية لتدمير وتخريب الاقتصاد الوطني فربما يكون هذا الطرح صعبًا على مسامع البعض، نظرا لما يؤديه مفهوم توظيف الأموال، من عملية كساد الاقتصاد، وعملية ركون للمكسب السريع، الأمر الذي من شأنه أن يخلق حالة من الخمول للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تمولها هذه الأموال.
ويرى «الشافعي»، فى تصريحات لـ«الدستور»، أن فكرة انتشار توظيف الأموال ظهرت في البداية علي يد بعض النصابين، وتغلغلت في المجتمع خلال الفترة الأخيرة، لكنها تعود في المقام الأول إلى ما يسمي الارتكان إلى المكسب المضمون والسريع، وهي عبارة عن مجازفة كبيرة جداً، خاصة في ظل انتشار ظاهرة النصب تحت مسمى توظيف الأموال، وخلال العام الجاري تم ضبط عدد كبير جدًا من "المستريحين"، وصلت المبالغ التي جمعها بعض هؤلاء النصابين لملايين الجنيهات، وهي أرقام كبيرة لأنها أموال شبه معدومة بعد تعرض أصحابها للنصب.
وأضاف رئيس مركز العاصمة أن هذه الظاهرة لها إبعاد سلبية جدا، لأن كثيرين من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة صفوا مشاريعهم التي تعثرت بعض الشئ من أجل توظيف أموالها مع "مستريحين"، بحثا عن المكسب المضمون والسريع، لكنهم خسروا كل شيء، حتى أن الأهالي في الأرياف بدأوا الدخول في أزمة توظيف مدخراتهم، سواء مع أشخاص أو حتي شركات، الأمر الذى أثر سلبيًا على مشروعاتهم وأفكارهم للمشروعات الجديدة.
ومن هنا يري "الشافعي" أن أفضل طريقة لادخار الأموال، أو استثمارها، يكون من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والجديدة، فهي وسيلة جيدة لادخار الأموال وتنميتها، وكذلك هي أحد أهم الطرق التي يمكن من خلالها خلق اقتصاد قوى ومتنوع دون الاعتماد على فكرة ادخار الأموال، سواء في شركات توظيف الأموال، أو مع الأشخاص، أو حتى فى البنوك .
واختتم رئيس مركز العاصمة بأهمية التأكيد على فكرة تغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم النصب فى مسألة توظيف الأموال، لأنها بوابة لهدم الاقتصاد لكن بصورة غير مباشرة، ويشير إلى ضرورة التوعية بخطورة توظيف الأموال في غير قنواتها الشرعية.
بناء الثقة يشجع صغار المستثمرين على التعامل مع القنوات الرسمية
وعن ذلك يقول الدكتور إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد السياسي، إن فقدان الوعى الاقتصادي لدى المواطنين فى مصر، وأزمة استثمار الأموال بطرق آمنة وفعالة ومضمونة، كشفت عن كمية أموال مخزّنة تقدر بالمليارات، ولا تعلم عنها الدولة أي شيء، تحت ما يسمى اقتصاد خفي، غير رسمي.
وأكد "شاهين" فى تصريح لـ«الدستور » أن الاقتصاد غير الرسمى يصل إلى نحو 140 مليار دولار، أي بنسبة 30% من حجم الناتج القومي، بحسب بعض المؤشرات، باعتبار أن الناتج المحلى الإجمالى لمصر فى موازنة 2020/2021 نحو 450 مليار دولار.
وأوضح «شاهين»، فى تصريحات لـ«الدستور»، أن كل هذا يوفر بيئة خصبة للنصابين، لاستغلال طمع البعض وجهل آخرين، وخداع البعض الآخر، بخلاف لجوء عصابات إجرامية لغسيل الأموال، ومن ثم لا تدخل تلك الأموال في الاقتصاد الرسمي للدولة، مما يؤثر على الحصيلة الضريبية وحصيلة التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي والموازنة العامة للدولة .
وأضاف أن هناك تقارير أشارت إلى أن قيمة المشروعات غير المسجلة تصل لـنحو 400 مليار دولار، وهو تقدير أكبر من القيمة السوقية للشركات العاملة والمسجلة فى البورصة المصرية بأكثر من 30 مرة حتى 2018 .
وأشار أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية إلى أن إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بمصر، خلال عام 2020، تؤكد أن حجم المنشآت غير الرسمى بلغ 2 مليون منشأة، بما يمثل نحو 53% من المنشآت الاقتصادية، يعمل بها نحو 4 ملايين شخص، بينما بلغ حجم المبالغ المستثمرة فى هذا القطاع قرابة 69.3 مليار جنيه، تمثل نحو 5.1% من رأس المال المدفوع لإجمالي القطاع الاقتصادي فى مصر .
وهنا يلفت "شاهين" إلى أن الاقتصاد غير الرسمى يأكل ثمار التنمية ويضعف ما تبذله الدولة من مجهودات التنمية المستدامة، مؤكدًا أن لتلك الظاهرة تأثيرًا خطيرًا ينعكس على فجوة توزيع الدخول، وزيادة الفقر، وهروب الأموال إلى الخارج، وضعف الموازنة العامة للدولة، وعدم استثمار تلك الأموال بمشروعات إنتاجية مما يقلل سرعة دورانها واستثمارها، وعدم خلق قنوات جديدة استثمارية، تعمل على زيادة الانتعاش الاقتصادي والتشغيل والتوظف .
كيف يتم القضاء على ظاهرة المستريح؟
ويري الدكتور إسلام شاهين ، أن الحلول تكمن في ضرورة تشجيع صغار المستثمرين على التعامل مع القنوات الرسمية، بعد تعزيز وبناء الثقة في الاقتصاد الرسمي الحكومي، وتعامل الدولة مع القر المالية، ورفع سعر الفائدة بشكل يعود بالنفع على الدولة والأفراد .
كما أكد "شاهين" ضرورة مراقبة الشركات المعلنة، والمحتوى الدرامي الإعلامي، للحد من تلك الظاهرة، مشددًا على ضرورة التعامل الإلكتروني، والتحول الرقمي، والشمول المالي، لكافة المعاملات، وعدم ترك الأموال نقدية بيدي المواطنين قدر الإمكان، حتى يسهل تعقبها وحمايتها، إضافة إلى خلق بيئة معلومات كاملة عن الشركات والأفراد الذين يتعاملون في المجال المالي، وخلق قنوات بسيطة وآليات تصل لكافة شرائح المواطنين عن الاستثمار الآمن والفعال، فضلا عن خلق البدائل كالصناديق الاستثمارية الضخمة من المشروعات القومية.
ونوّه أستاذ الاقتصاد عن ضرورة تغيير سياسة البنوك العاملة في مصر، وتحولها من فكر تجاري إلى فكر استثماري، والعمل علي زيادة الوعي الاقتصادي والاستثماري الآمن لدى المواطنين، من خلال الإعلام والجامعات والمدارس والجمعيات الأهلية .
وأضاف أنه يجب تمكين المؤسسات متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، من الحصول على التمويل والاستثمار المناسب، دون إغفال دور علماء الاجتماع في خلق بيئة ثقافية، ودراسة دوافع المواطنين الذين يقعون بتلك السذاجة في فخ النصابين.
واختتم تصريحاته بأن الوعي والثقة وحد الكفاية والأمان الاقتصادي كلها مجتمعة تمثل كلمة السر للقضاء على تلك الظاهرة
ضرورة وجود ودائع ادخارية مناسبة
وفى السياق نفسه؛ رأي الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المطلب عبد النبي أن ظاهرة توظيف الأموال، أو النصب باستخدام أوهام الربح السريع، ليست جديدة على المجتمع المصري، ويرجع السبب فى ذلك إلى فشل الاقتصاد المصري فى إيجاد ودائع ادخارية تتناسب مع ثقافة وقبول عدد كبير من المصريين.
وأشار "عبد النبي" إلى أن عددًا كبيرًا ممن خرجوا على المعاش يحاولون إيجاد وسيلة استثمار توفر لهم دخلًا شهريًا ثابتًا ومناسبًا فى الوقت نفسه، لكن عدم وجود مثل هذه الوسيلة الاستثمارية يجعلهم فريسة سهلة للنصب باسم توظيف الأموال.
تنفيذ برامج توعية من حكومة ومجتمع مدنى
وعلى الصعيد نفسه؛ أكد الدكتور مصطفى أبو زيد، رئيس مركز مصر للدراسات الاقتصادية والسياسية، على انتشار ظاهرة "المستريح" خلال الفترة الأخيرة، ويرجع ذلك لعدم وجود وعى كامل بطرق الاستثمار الآمن من قبل المواطنين، مما يجعلهم فريسة سهلة لأى نصاب يستغل جهلهم بأدوات الاستثمار فتحدث المشكلة، ولذلك يشدد على أهمية وجود برامج توعية، خاصة فى الصعيد، بنوعية البرامج والأدوات التى يمكن الاستثمار فيها.
وأشار «أبو زيد» إلى ضرورة وجود استثمار مباشر من خلال إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة، أو استثمار غير مباشر فى الأسهم والسندات من خلال شركات معتمدة ومتخصصة، لضمان الأموال المستثمرة، ولابد من تنفيذ برامج التوعية بصيغة تشاركية من حكومة ومجتمع مدنى، حتى تكون لتلك الأموال المستثمرة مردود اقتصادي فى زيادة الإنتاج، وتوفير فرص عمل.
ورأى أن عدم التعامل بجدية تجاه تلك الظاهرة سيكون له أثر سلبي فى فقدان تلك الأموال، دون أن يكون لها قيمة مضافة على المستوى الاقتصادي.