من يحفظ تراث المؤرخ الموسيقى الراحل نبيل حنفي محمود؟
رحل قبل أيام، فجر الأربعاء، 5 مايو من العام الجاري، تاركًا خلفه العديد من الدراسات والكتب، التي حفظت التاريخ الموسيقي لمصر المعاصرة، حفظا منهجيا، وسجل المقربون منه سعيه الدائم، حتى آخر أيامه، لاستكمال مشروعه في التأريخ الموسيقي، متجاهلا آلام الشيخوخة، وهو المولود في الثالث من أغسطس 1949، ومخاوف جائحة كورونا التي ألزمت الجميع منازلهم، ربما لأن الراحل، المؤرخ الموسيقي، نبيل حنفي محمود، كان يدرك حقيقة الدور المهم الذي حمله على عاتقه طيلة عقود مضت، قبل رحيله المؤلم بداية الشهر الجاري.
رحل وفي رصيده 3 كتب لم تنشر، الأول عن أسمهان، والثاني عن محمود حسن إسماعيل، والثالث عن أئمة التصوف في القرن الأول الهجري، وبضعة مشاريع اشتغل عليها غير أنها ظلت في إطار الأفكار، مثل فكرة كتاب عن محمود الشريف، وآخر عن محمد فوزي.
رحل نبيل حنفي محمود وقد تفرقت كتبه بين المؤسسات الصحفية القومية، والتي انتهت حقوق طبع أغلب كتبه لديها، ولا نعرف لها ناشر آخر، فهل نستيقظ ذات يوم فنكتشف أن كتابات المؤرخ الكبير قد طواها النسيان.
المؤرخ الموسيقي، والناقد الفني، محمد دياب، يرى أن نبيل حنفي محمود أول مؤرخ موسيقي بشكل حقيقي، موضحا: "قبل نبيل حنفي محمود كانت عملية التأريخ تعتمد في المطلق على الحوارات المنشورة للمطربين، مجرد حكايات يتناقلها الكتاب والصحفيين".
يضيف محمد دياب لـ"الدستور": أحب محمود الفن والموسيقى والغناء، وسار في الاتجاه السليم للتأريخ للموسيقى والغناء، وهو الرجوع للأرشيف القديم دون الاعتماد على مجرد حكايات المطربين والموسيقيين عن أنفسهم في حوارات إذاعية أو تلفزيونية أو صحفية؛ لأنها تحتوي على أخطاء وسهو. عندما سئلت فيروز مثلا عن أولى أغنياتها قالت أغنية عتاب، التي أذيعت سنة 1953 علما أنها بدأت الغناء قبل ذلك بثلاث سنوات، عام 1950".
يستكمل محمد دياب في نفس السياق: "عبد الحليم حافظ ذكر أن أولى أغنياته لقاء، لكن بالبحث في الأرشيف سنجد أنها الأغنية الأربعين، لكنه اعتبرها أولى أغنياته لأن مؤلفها صلاح عبد الصبور، أيضا كانت الأغينة الأولى التي اختار كلماتها وملحنها، لكن قبل ذلك كانت الإذاعة تطلب منه غناء كلمات وألحان من اختيارها".
ويكشف محمد دياب أن بداية نبيل حنفي محمود مع عشق الموسيقى كانت نتيجة استماعه للقرآن المجود طفلا، والأغاني الكلاسيكية: "حكى لي محمود أنه استمع إلى أغنية أنا والعذاب وهواك وهو طالب في مرحلة التعليم الأساسي".
الكاتب الصحفي سعيد الشحات، كشف أن نبيل حنفي محمود، عانى في الفترة الأخيرة من مسألة النشر: "للراحل كتاب عن التصوف، وآخر عن أسمهان، وثالث عن محمود حسن إسماعيل، وعمل قبل رحيله على مشروع كتاب عن محمد فوزي، وجميع الكتب التي انتهى منها قبل وفاته لم تنشر حتى الأن".
ويضيف سعيد الشحات لـ "الدستور": يعتبر كتاب محمود حسن إسماعيل أكثر مشروع جاهز على النشر، وفوضني الراحل قبل وفاته للبحث عن ناشر، ولصعوبة النشر الخاص اقترحت عليه النشر في الثقافة الجماهيرية، إلى جانب كتابيه عن أسمهان، والتصوف، وقد شارف على إكمالهما بالفعل قبل وفاته".
يوضح سعيد الشحات أن الراحل كانت لديه فكرة كتاب عن محمود الشريف، وأخرى عن محمد فوزي، وأنه عمل على تجميع مادة عنها، ولديه العديد من الأفكار منها أيضا فكرة كتاب عبد الحليم، لكن ما انتهى منه من كتب بالفعل هو ما ذكره في مقدمة كلامه.
يشير سعيد الشحات إلى أن جميع كتب نبيل حنفي محمود مهمة، موضحا: "لأنها غاية في الدقة في مسألة التأريخ الفني، فقبل حنفي محمود كان التأريخ الفني معتمد على طريقة الحكي، وبعضهم كان يختلق المقالات الفنية، فعندما تأتي للبحث عن أصول الحكايات كتأريخ لا تجد لها مراجع، وهنا تظهر ميزة نبيل حنفي محمود، أنه كان يوثق كل كلمة كتبها، لذلك كان دائما مرجع أمين لأي باحث أو صحفي".
وعن معاناة الراحل من سرقة دراساته ومقالاته التي لم تتوقف حتى رحيله يقول الشحات: "عانى نبيل حنفي محمود في الفترة الأخيرة أن العديد من الكتاب والصحفيين كانوا يسرقون كتاباته وينشرونها دون الإشارة إليه، مستغلين أنه يعيش خارج القاهرة ومنشغل في تدريسه الأكاديمي بالجامعة ونبله الحقيقي في رفضه التجريح بأي كاتب أو باحث".
الناقد الفني، أشرف غريب، رئيس تحرير مجلة الكواكب السابق، يرى أن نبيل حنفي محمود امتاز بقدرته على تحويل مقالاته المنشورة إلى كتب، موضحا: "أخبرته بذلك، أنه يملك درجة كبيرة من الذكاء في فكرة التجميع، فهو شخص غزير البحث والكتابة، لكن في لحظة ما يعمل على جمع المتشابهات تحت عنوان كبير، أو حتى غير المتشابهات، مثل كتابه "الغناء المصري أصوات وقضايا"، ويجمع الأصوات تحت الفصل المناصب والقضايا تحت الفصل المناسب، وذلك من حسن حظنا؛ لأن قراءة الدوريات ليست متاحة للجميع، إلى جانب إمكانية تفويت قراءة بعض الموضوعات".
ويشير أشرف غريب لـ"الدستور"، إلى أن أغلب كتب نبيل حنفي محمود بدأت كمقالات في الكواكب، منها كتابه عن فريد الأطرش الذي بدأ بمقال نشره في الكواكب، أيضا فصول كتبه عن محمد فوزي أو بليغ حمدي، بدأت بمقالات نشرت في الكواكب، مضيفا:"كتابه عن محمود حسن إسماعيل بدأ بمقال في أخبار الأدب نشر عام 2016، وطور تلك المقالة إلى كتاب كبير وهو جاهز على النشر بالفعل، وتواصل معي منذ ثلاثة شهور في محاولة لنشر الكتاب في واحدة من المؤسسات الصحفية، لكن للأسف لم يتم النشر، حدثت نفس المسألة مع كتابه عن أسمهان، وسعينا لنشره في واحدة من دور النشر الخاصة الشهيرة لكن لم نستطع نشره".
سكرتير تحرير مجلة الهلال، مصطفى أبو عايد، كان أحد المقربين من الراحل، الذي احتوى أرشيف الهلال على أغلب كتاباته، أكد أن الراحل اعتكف في أيامة الأخيرة على كتاب عن التصوف.
ويوضح مصطفى أبو عايد لـ "الدستور": "نشر الراحل كتابه على حلقات متتابعة في مجلة التصوف التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي أحمد شامخ". مضيفا: "عنوان الكتاب أعلام التصوف في القرون الأولى، وفي كل حلقة تناول بشكل مستفيض عالم من علماء التصوف، وعمل آخر عامين على تنفيذ الكتاب، ولم ينشر ككتاب للأسف قبل وفاته".