فقه بني إسرائيل (7).. أسرار التناخ.. ما هي نصوص الكتاب المُقدس اليهودي؟
تقول التقاليد اليهودية أن موسى (عليه السلام) تلقى توراتين على جبل سيناء. الأول هي التوراة المكتوبة، والثانية هي التوراة الشفوية المتوارثة من جيل إلى جيل. لكن ليس فقط هذا هو الكتاب المقدس اليهودي؛ فالتناخ أو الكتاب المقدس يحتوي على ثلاثة أجزاء هم التوراة والأنبياء والمكتوبات، وفعلياً يتكون من مجموعة نصوص مقدسة يبلغ عددها 24 نصاً.
كلمة تناخ هي الاختصار العبري للأجزاء الثلاثة المختلفة: التوراة والأنبياء والمكتوبات.
1- التوراة: أسفار موسى الخمسة
تقول التقاليد اليهودية أن موسى (عليه السلام) تلقى التوراة على جبل سيناء، وهي التوراة المكتوبة والتي يطلق عليها أسفار موسى الخمسة، والثانية هي التوراة الشفوية المتوارثة من جيل إلى جيل والتي تم تجميعها لاحقاً في التلمود والمدراش.
تبدأ التوراة من بداية خلق الله للعالم، حتى بدايات بني إسرائيل، ودخولهم مصر، وإعطاء التوراة لموسى على جبل سيناء، وتنتهي بموت موسى، قبل عبور بني إسرائيل إلى أرض كعنان أو (الأرض الموعودة) بحسب الرؤية اليهودية.
تتكون التوراة من أسفار موسى الخمسة، الأول هو سفر التكوين، ويتكون من قسمين التاريخ البدائي (الفصول 1-11)، وتاريخ الأجداد (الفصول 12-50). يحدد التاريخ البدائي مفاهيم عن طبيعة الإله وعلاقة الجنس البشري مع خالقه، بينما يتناول تاريخ الأجداد عصور ما قبل التاريخ لإسرائيل، بدءاً من سفر إبراهيم إلى أرض كنعان، ثم عهد ابنه اسحاق وحفيده يعقوب الذي يتم تغيير اسمه إلى إسرائيل، ثم نزول بنو إسرائيل إلى مصر، وينتهي سفر التكوين بانتظار مجيء موسى.
الجزء الثاني، هو سفر الخروج، ويتناول كيف ترك الإسرائيليون القدماء العبودية في مصر بقوة الرب، وكيف ألحق الله أذى بفرعون، وخروج بني إسرائيل مع النبي موسى إلى جبل سيناء، حيث وعدهم الرب بأرض كنعان (أرض الموعد)، ثم يعطيهم الله الشرائع والتعليمات في خيمة الاجتماع.
الجزء الثالث، هو سفر اللاويين، ويتناول تعليمات لبني إسرائيل حول كيفية استخدام خيمة الاجتماع، التي بنوها للتو (لاويين 1-10). ويتبع ذلك قواعد الطهارة والنجس (لاويين 11-15) ، والتي تتضمن قوانين الذبح والحيوانات المسموح أكلها، ويوم الغفران (لاويين 16)، ومختلف القوانين الأخلاقية والطقسية، حيث يقدم سفر اللاويين 26 قائمة مفصلة بمكافآت اتباع وصايا الله، وقائمة مفصلة بالعقوبات في حال عدم اتباعها.
الجزء الرابع، هو سفر العدد، ولهذا الجزء تاريخ طويل ومُعقد، يأتي اسم السفر من التعدادين اللذين أجريا لبني إسرائيل. التعداد الأول عل جبل سيناء ، حيث حصل الإسرائيليون على شرائعهم وعهدهم من الله، والمهمة التي أمامهم هي الإستيلاء على أرض الموعد، حيث تم عد الناس والاستعدادات لإستئناف مسيرتهم التي دُمر خلالها ما يقرب من 15000 منهم بوسائل مختلفة، حتى وصلوا إلى حدود كنعان وأرسلوا جاسوسي إلى ارض كنعان، وعند سماع رواية الجاسوسين المخيفة عن الأوضاع رفض الإسرائيليون دخولها، حتى يحكم عليهم الله بالموت في سيناء، حتى يكبر جيل جديد ويقوم بالمهمة. ، وينتهي السفر مع الجيل الجديد من الإسرائيليين في سهل موآب المستعدين لعبور نهر الأردن.
الجزء الخامس، هو سفر التثنية، ويتكون من ثلاث خطب ألقاها موسى للإسرائيليين في سهول موآب ، قبل دخولهم أرض كنعان بوقت قصير، حيث تروي الخطبة الأولى تفاصيل أربعين عامًا من التجوال في سيناء التي أدت إلى تلك اللحظة، وتنتهي بنصائح لمراعاة الشريعة (أو التعاليم)، والتي تمت الإشارة إليها فيما بعد باسم شريعة موسى؛ والثانية يذًكر بني إسرائيل بالحاجة إلى اتباع الرب والقوانين (أو التعاليم) التي أعطاها لهم، والثالثة يقدم فيها الحلول لبني إسرائيل في حال فقدانهم الأرض، فبالتوبة يمكنهم استعادة كل شيء، فيما يحتوي الجزء الأخيرعلى نشيد الأنشاد ، وبركة موسى، وروايات تروي انتقال عباءة القيادة من موسى إلى يشوع، وأخيراً موت موسى على جبل نيبو .
2- النيفيئيم: أسفار الأنبياء.
الجزء الثاني من التناخ (الكتاب المقدس) يسمى "النيفيئيم" أو أسفار الأنبياء، ويشمل هذا التقسيم الأسفار التي تغطي الوقت منذ دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان، حتى السبي البابلي ليهوذا ( "فترة النبوة" )، وسردها ليس ترتيبًا زمنيًا، ولكنه موضوعياً، ويُقسم لجزأين، الأول هو الأنبياء المتقدمين وهم (يشوع، القضاة، صموئيل الأول والثاني، الملوك)، والثاني هم الأنبياء المتأخرين وهم (إشعياء، أرميا، حزقئيل) ثم أسفار الأنبياء الاثني عشروالتي تعتبر كتاب واحد"هوشع، عاموس، عوبديا، يونا، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخي.
3- كتوفيم: المكتوبات
الجزء الثالث من التناخ يسمى (الكتوفيم) أو المكتوبات، ويحتوى على 11 كتاباً، وتكوينه كالتالي: الكتب الشعرية الثلاثة (مزامير، كتاب الأمثال، وسفر ايوب)، ثم الخمس لفائف: الكتب الخمسة القصيرة نسبيًا وهي: نشيد الأنشاد، وروث، وكتاب المراثي، والجامعة، وكتاب إستير والتي تُعرف مجتمعة باسم شمش ميجيلوت (خمسة ميجيلوت ). ثم باقي أسفار المكتوبات هي دانيال، عزرا، نحميا، وأخبار الأيام الأول والثاني، والتي تتناول الأحداث المتأخرة نسبيًا (أي السبي البابلي وما تلاه من استعادة صهيون).
التلمود: التوراة الشفوية
يقول التقليد الحاخامي أن موسى تعلم التوراة بأكملها أثناء إقامته على جبل سيناء لمدة 40 يومًا وليلة، وتم نقل كل من التوراة الشفوية والمكتوبة بالتوازي مع بعضها البعض، بينما كتبت التوراة المكتوبة، كانت التوراة الشفوية تتوارث من جيل إلى جيل، ولكن بعد فترة طويلة بدا أن التوراة الشفوية غير مُحددة وهناك أمور غير واضحة، وأحياناً تذكر القوانين بدون شرح، مما كان يتيعين على القاريء أن يبحث في مصادر متعددة ليصل إلى تفسير القانون، وهو ما دفع علماء الكتاب المقدس إلى اتخاذ قرار بكتابة "التوراة الشفوية" لضمان الحفاظ على القانون الشفوي.
بعد سنوات عديدة، تم تدوينها من قبل الحاخامات حوالي عام 200 م من قبل الحاخام يهوذا حناسي، الذي تولى تجميع نسخة مكتوبة اسميا للقانون فيما يعرف بـ"المشناه"، في ستة أقسام هم (الزراعة، المواسم ويتعلق السبت والأعياد، النساء ويتعلق بالزواج والطلاق وقانون الأسرة، والتعويضات يتعلق بالقوانين المدنية والجنائية، والمقدسات يتعلق بالعبادة القربانية وقوانين النظام الغذائي، والطهارة ويتعلق بطقوس تدنيس وتنقية). ثم تم تسجيل التقاليد الشفوية الأخرى في "المدراش".
مع مرور الزمان، تزايد المحاضرات والدروس والتعاليم، توسعت المشناه، وأصبحت آلاف الصفحات وأطلق عليها اسم "الجمارا"، كُتبت باللغة الآرامية، وقد جمعت في بابل، وسمي الميشناه والجمارا معًا باسم التلمود.
الكتاب المقدس: إشكالية التدوين
لا يوجد إجماع بين العلماء حول الوقت الذي تم فيه تطوير وتدوين الكتاب المقدس العبري، فبعض المراجع تقول أن التجميع تم من قبل سلالة الحشمونئيم ، بينما يجادل آخرون بأنه لم يتم تحديده حتى القرن الثاني الميلادي أو حتى بعده، بينما يرى آخرون أنه تم في فترة الهيكل الثاني.
وفقًا للتلمود، قام رجال التجمع العظيم بقيادة عذرا (زعيم الجالية اليهودية عن عودتها من بابل) بتجميع الكثير من التناخ، وهي مهمة اكتملت في عام 450 قبل الميلاد، وظلت دون تغيير منذ ذلك الحين. فيما يرفض الإجماع العلمي الحديث هذه الرؤية، ويؤكد أن للتوراة مؤلفين متعددين وأن تكوينها قد تم على مدى قرون. لكن العملية الدقيقة التي تم بها تأليف التوراة، وعدد المؤلفين المعنيين ، وتاريخ كل مؤلف لا تزال محل نزاع حاد.
يُنظر إلى التوراة حالياً في المجتمعات اليهودية على أنها نتاج الفترة الفارسية (539-333 قبل الميلاد، على الأرجح 450-350 قبل الميلاد)، وترجع بعض المصادر أن تدوين التوراة تم من خلال التفويض الإمبراطوري الفارسي، الذي قدمه بيتر فري في عام 1985، ينص على أن السلطات الفارسية طلبت من يهود القدس تقديم مجموعة واحدة من القوانين كثمن للحكم الذاتي المحلي. ووفقًا لإشكينازي ، فإن نظرية فراي "تم تفكيكها بشكل منهجي" في ندوة متعددة التخصصات عُقدت في عام 2000 ، ولا توجد حتى اليوم إجابة واضحة ومحددة عن تدوين وتجميع الكتاب المقدس اليهودي.