من هنري بيرو لنجيب محفوظ.. هل الكتابة الإبداعية تكفي لسد احتياجات المعيشة؟
يبدو أن سؤال هل تضمن الكتابة للكاتب المبدع ظروفا مناسبة تنجيه من واقع الحياة المؤلم. سؤال قديم قدم وجود الكتابة واحترافها، يتجدد كل وقت، وهنا يجيب أدباء فرنسيون ومصريون عن هذا السؤال الذي جاء في بدايات القرن الفائت.
ونشرت مجلة الهلال في عدد أكتوبر من عام ١٩٢٤ تحت عنوان "ما الأفضل للأديب" جاءت آراء الكتاب الفرنسيين حول أسئلة هل كان اعتمادكم على الأدب في معاشكم كاف، وأي النصائح تقدمون للشباب، هل يجدر به أن يعتمد على الأدب وحده أم أن الأجدر أن يتخذ حرفة أخرى ولو إلى حين؟
• هنري بيرو: عملت في العديد من الحرف
من جانبه قال الكاتب الفرنسي "هنري بيرو" قبل أن أحوز على جائزة الغونكور احترقت حرفا مختلفة منها رسام على الحرير، كاتب محام، وموظف في شركة تأمين، مغني، ناقد أدبي، تاجر نبيذ، بائع تحف، خبير فني صحفي.. ولست أدعي أني كنت دائما أحصل على كفايتي من هذه الحرف ولكنها الآن ذات قيمة عظيمة في عيني.. لا أدري أي الحرف أحترف غدا إذ لاتزال هناك حرف لم أختبرها بعد. والأدب في نظري كالعجَوز الشمطاء لا يقدم علي الأقران به إلا من كان غبيا أو كفيفا.. نصيحتي للشبان أن يعيشوا ويكتبوا ويقرأوا بل إن يجيبوا عشرين ساعة في اليوم مادامت لهم القدرة على ذلك.
• نجيب محفوظ: كتابة السيناريو تكفي بالكاد لشراء ملابس جديدة للأولاد
بمرور الوقت كان هذا السؤال قائما، ومازال يركض في أرض الإبداع ويزهر قصصا تشغل المشهد الثقافي الراهن. من أبرز تلك القصص ما تتناقله الأجيال عن تقديس الروائي العالمي نجيب محفوظ للعمل. فقد عمل في بدايات حياته سكرتيرا برلمانيا في وزارة الأوقاف 1938 حتى عام 1945، ومن بعد مديرا لمكتب الإرشاد، ومديرا للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة، ومن ثم مديرا عاما للمؤسسة العامة للسينما. ملف وظيفي من العمل في مختلف القطاعات الحكومية إلى جانب ممارسته للكاتبة الإبداعية التي كانت سببا في تحصله على جائزة نوبل وعندما سئل عن عمله بكتابة السيناريو كان يرى فيها أن تكفي لشراء ملابس جديدة لأولاده.
• الكتاب وراء المشهد الثقافي
أغلب من يمارسون الكتابة الإبداعية في المشهد الثقافي الراهن، يعملون إلى جوارها أو من قبلها أعمالا أخرى، وغالبا ما تكون قريبه من مهنة الكتابة، فلاشك أن أغلب الكتاب الروائيين يشتغلون بالصحافة الثقافية في مختلف الوطن العربي هم من الشباب.
سنجد الروائي طارق إمام في مجلة الإذاعة والتليفزيون، أحمد مجدي همام في صحيفة الدستور، أحمد عبد اللطيف، وحسن عبد الموجود، وعزت القمحاوي بصحيفة أخبار الأدب.
وهناك قائمة طويلة بالعديد من الكتاب مصريين وعرب يشتغلون إلى جوار ممارسة الكتابة الإبداعية بمهن أخرى ما بين التدريس والقضاء والمحاماة.. إلخ
لتبقى الإجابة عن السؤال “هل الاشتغال بممارسة الأدب تكفي لسد حاجات الحياة؟” بالطبع لا؛ على كل مبدع احتراف مهنة أخرى إلى جوار الإبداع.