القلمون.. قلعة التاريخ الفرعونى القديم بالوادى الجديد
عاشت واحات صحراء مصر الغربية عصورًا طويلة من الازدهار طوال العصور الفرعونية، مرورًا بالفرس والبطالمة والرومان، حيث استغلت خلال هذه العصور اقتصاديات هذه الواحات من خلال التوسع في الزراعة، وكذلك الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز، ومن ثم شهدت هذه الواحات رواجًا تجاريًا وحرفيًا مهمًا رغم كونها منطقة طرد لعزلتها وصعوبة مسالكها وقسوة ظروف الحياة.
ويعد تاريخ قرية القلمون، التابعة لمركز الداخلة بالوادي الجديد عظيمًا بكل ما تحتويه الكلمة من معاني لما عاصرته من عهود فرعونية كثيرة، حيث كان يطلق على هذه القرية قديمًا "القلامون" حيث كانت تحتوي هذه القرية أو المدينة كما هو مكتوب بالوثائق القديمة على محكمة شرعية، فكان أكثر سكانها قلامون أي كُتاب.
تعتبر القلمون من القرى التي ورد ذكرها في العديد من المصادر التاريخية، منها مثلًا صورة الأرض لابن حوقل (ت 367 هـ) فذكرها قبل بلدة القصر، كما ورد ذكرها بعد ذلك في المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب" للبكري (ت 487 هـ) بأنها حصن يتصل بحصن القصر، وذكرها ابن مماتي (ت 606 هـ) في قوانين الدواوين باسم حيز القلمون، وذكرها الوطواط (ت 718 هـ) في مباهج الفكر ومناهج العبر بأنها من توابع الحيز البحري، أي أنها من توابع بلدة القصر، كما ذكرها بن دقماق (ت 809 هـ) ضمن البلدان التي ذكرها في واحة الداخلة، وقال عنها إنها بلد كبير كلها كروم وبها كنيسة للنصاري، كما ذكرها القلقشندي (811 هـ) قبل قرية القصر.
من هنا يتضح لنا الأهمية التاريخية لمدينة القلمون وموقعها الجغرافي من خلال ما ذكرته المصادر التاريخية عن اسمها، حيث ذكر أن اسمها مشتق من حصن أو قلعة آمون، حيث كانت العبادة السائدة بالواحات وهى عبادة الإله آمون، وهناك روايات أخرى حول تفسير دلالة اسم القلمون أنه اشتق من الاسم العربي الفرشات "أقلام" من البوص ينمو على طول الطريق المؤدي للبلدة، ومنها أيضًا أن هذا الاسم يعني المكان الذي فقد فيه الكهنة أقلامهم.
وذاع صيت وشهرة عائلات القلمون باعتبارها كانت مقرًا للقضاء الشرعى بالواحات فى العصر الاسلامى وحتى عام 1883، ومن أهم العائلات الرئيسية فى القلمون، عائلة القطورى الحنفى، وكان منها أقضى قضاة الإسلام محمد أفندى الشهير بعبدالكريم القطورى الحنفى، والقاضى عبدالقادر ابن المرحوم القاضى عبداللطيف، والقاضى إسماعيل ابن المرحوم حسام الدين.
من ضمن هذه العائلات عائلة الكاشف التى كان يعين منها نائب شرع يسمى كاشفًا فى عصر المماليك، مختص بتحصيل الضرائب الأميرية، وحفظ الأمن العام، وكشف القتيل، وعائلة الشاهد التى كانت تختص بتسجيل عقود ملكية الآبار، وكشوف بتفريد وتوزيع فى جميع أنحاء الداخلة وعائلات تركية منها: عائلات طنبور، الباشا، وغيطاس، ومنها العائلات التى انحدرت منها عمودية القلمون في العصر المملوكي، حيث خضعت الواحات لسيطرة الحكومة المركزية بالقاهرة.
كانت مدينة القصر مقرًا لحكم الواحات منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية العصر المملوكي، ثم انتقل مقر الحكم بعد ذلك إلي مدينة القلمون، فانتقل إليها تبعًا لذلك مجلس الشرع الشريف، أقام بها النواب المشرفون علي الواحات حيث كان يعين بها نائبًا للشرع (قاضي) ونائبًا عن المماليك يسمي كاشفًا كان يختار من بين الأمراء المماليك الذين ذهبوا إلي القلمون واستقروا بها، كان من بين مهامه تحصيل الضرائب وحفظ الأمن العام للواحات، واستمرت القلمون تؤدي دورها كعاصمة إدارية للواحات حتى نهاية العصر العثماني.
كانت مدينة القلمون مركزًا عمرانيًا قديمًا بحكم موقعها الجغرافي علي طريق التجارة طوال العصور التاريخية وبدأ يذكر اسمها في المصادر التاريخية والإسلامية منذ القرن 4 هـ 10 م إلي أن هجرت في تسعينات القرن الماضي، تميزت المنازل بالقلمون بوجود الأعتاب الخشبية التي تعلو مداخلها حيث كتبت بخط الثلث، وكانت تتضمن اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء، وقد بلغ عدد الأعتاب الخشبية أعلي منازل القلمون ست عشر عتبًا خشبية، ونشرت هذه الأعتاب من قبل المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة.
ويرجع أقدم تاريخ مسجل علي أعتاب منازل القلمون عام 1108 ه 1697م، وهو خاص بتجديد أحد المنازل مما يعني ان تاريخ الإنشاء قبل هذا التاريخ.
ومن ضمن تاريخ قرية القلمون الاحتفاظ بالوثائق التي يرجع تاريخها للعهد العثماني ومختلفة التواريخ، وتتنوع الوثائق ما بين شجرة العائلة، والتي يرجع نسبها للرسول صلى الله عليه وسلم، ووثائق وقف ووثائق بيع وشراء متضمنة الأختام والتوقيعات بتوثيق في المجلس الشرعي الشريف التابع للمحكمة الشرعية، مؤكدًا أن هذه الوثائق مهمة للتعرف على تاريخ القلمون، موجهًا رسالة لدراسة هذه الوثائق للتعرف على التاريخ القديم بها.