رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: كيف أصبح أسامة هيكل طابورًا خامسًا داخل الحكومة؟

جريدة الدستور

بعد تعيين أسامة هيكل وزيرًا قال لى أحد أصدقائه: لا بد أن ندعمه، فقلت له: المهم أن يدعم هو نفسه
خرج من وزارة الإعلام للمرة الأولى لإخفاقه لكنه يروّج الآن إلى أنه كان ضحية للإخوان دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك

عمل مستشارًا لشركة «نايل سات».. وظل يحصل على راتبه لأربعة أشهر بعد رئاسته مدينة الإنتاج لولا تدخل الجهات الرقابية

أسامة خان القسم الذى أداه أمام الرئيس.. فلم يحترم القانون والدستور عندما تحرش سياسيًا بالهيئات الإعلامية وأساء إليها

اختفى تمامًا فى أزمة السفينة البنمية الجانحة فى قناة السويس وقام رئيس المجلس الأعلى للإعلام بدوره فى الإشراف على مؤتمرات رئيس الهيئة


جمعتنى فى اليوم الذى عُيِّن فيه أسامة هيكل وزيرًا للدولة للإعلام- ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩ - مائدة عشاء مع مجموعة من الأصدقاء، كان أحدهم متحمسًا بشدة لاختيار أسامة وزيرًا، قال وهو يوجه كلامه لى: لا بد أن ندعم أسامة هيكل، فهو يمكن أن يغيِّر وجه الإعلام المصرى.
ولما كنتُ غير متفائلٍ بوجود أسامة فى منصبه، لم أرد على محدثى، لكنه ألح علىَّ، وكأنه يطلب منى اعترافًا باستحقاق هيكل منصبه، وضرورة أن ندعمه، فقلت له: المهم أن يدعم أسامة هيكل نفسه، فما أعرفه عنه أنه مغرور ومتعالٍ وعنيد.. وهى كلها صفات تجعل منه عدوًا لنفسه، ولن تمر أيام إلا وسنكتشف أنه لن يعمل إلا من أجل مصالحه ومجده الشخصى.
نظر إلىّ محدثى- وأعتقد أنه يتذكر كلامى الآن- باستغراب وتركنى وانصرف، فهو فيما يبدو كان مقتنعًا بقدرات هيكل، التى لم تكن لها كرامة فيما سبق له من أعمال، سواء عندما كان صحفيًا فى جريدة الوفد، ولا عندما كان يدير صالون الأوبرا، ولا عندما أصبح وزيرًا للإعلام للمرة الأولى، فقد كنا نجمع أشلاءه على صفحات صحفنا، ولا عندما أصبح مستشارًا لشركة «نايل سات»، ولا عندما تولى رئاسة مدينة الإنتاج الإعلامى، فما الذى يجعلنا ننتظر منه كرامة وهو ليس وليًا.
ظللتُ شهورًا طويلة أتابع أداء أسامة هيكل فى وزارة الدولة للإعلام، فأمسكت بما جرى، فلم يكن الرجل، الذى لم تكتمل له أى تجربة إعلامية أو إدارية خاضها، إضافة إلى منظومة الإعلام المصرى بل كان خصمًا منها، هذا رغم أنه حصل على كل الدعم من الحكومة التى ينتمى إليها، بما فيها احتفاظه بمنصبه كرئيس لمدينة الإنتاج الإعلامى إلى جوار منصبه كوزير للدولة للإعلام، وهذه قصة أخرى سنأتى عليها.
لا يمكننى أن أصدق أسامة هيكل عندما يتحدث عن وطنيته وإخلاصه، فهو لا يعمل إلّا من أجل مصلحته الشخصية، لا ينظر إلّا إلى دخله الشهرى، حساباته كلها مادية.
عندما خرج من وزارة الإعلام فى المرة الأولى- نحن الآن فى انتظار خروجه الثانى- لم يخرج إلّا لإخفاقه الشديد فى إدارة المنظومة الإعلامية، وإحراج الدولة ووضعها فى مأزق ومنزلق خطر.
لكنه الآن يحاول أن يجعل من إخفاقه بطولة، ففى حواره مع مجلة «المجلة» السعودية، الذى أجراه فى ١٩ يناير ٢٠٢١، سأله محاوره: ما سبب رحيلك عن وزارة الإعلام عام ٢٠١١؟
فأجاب: لم أترك وزارة الإعلام باختيارى، وموقفى من الإخوان واضح، لم أقبل تواجدهم ولم ولن أتفق معهم فكريًا، وعندما تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الحكومة، خلفًا للدكتور عصام شرف، رشحنى لتولى حقيبة الإعلام فى حكومته، ولكن فى ذلك التوقيت كان تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية شوكة بدأت تقوى، وسيطر على مجريات الأمور فى الشارع المصرى، فبدأ بإرسال رسائل التهديد بأنه فى حال حلفى اليمين الدستورية كوزير للإعلام فى حكومة الجنزورى سيشعل النار فى مبنى الإذاعة والتليفزيون، فاضطررت لعدم حلف اليمين والرحيل.
هنا يتجاهل أسامة هيكل أن الشهود لا يزالون أحياء، والشهود العدول يعرفون أنه لم يكن فى يوم من الأيام خصمًا لجماعة الإخوان، ولم يمسك به أحد متلبسًا بمواجهتها أو الكتابة ضدها، بل لا يمكنك أن تعثر فى أرشيفه على مقال واحد هاجم فيه جماعة الإخوان صراحة، ولذلك فإن مسألة تهديد الإخوان بحرق ماسبيرو لو حلف اليمين فى الغالب ليست إلا أكذوبة يروّج لها، حتى يصنع لنفسه شرعية أنه من الذين وقفوا فى وجه جماعة الإخوان الإرهابية.
بعد أن خرج أسامة هيكل من وزارة الإعلام لعب دور الضحية، قال إنه ترك عمله فى الصحافة وقبل وزارة الإعلام، والآن هو بلا عمل، ولا بد أن تقف الدولة إلى جواره، ساعتها بحثوا له عن عمل، ووقتها أرسلوه ليعمل مستشارًا فى شركة «نايل سات» مقابل ٢٠ ألف جنيه فى الشهر، وكانت تحت أمره سيارة خاصة يتحرك بها أينما شاء، وظل محتفظًا بها عدة أشهر رغم انتقاله لمدينة الإنتاج.
وهنا لا بد أن نمسك بما يمكننا اعتباره مفارقة، فبعد تعيينه رئيسًا لمدينة الإنتاج الإعلامى ظل لأربعة أشهر يحصل على راتبه من شركة «نايل سات»، ولما رصدت الجهات الرقابية هذه المخالفة، فهو يحصل على أجر من جهتين، ترك راتب «نايل سات» واكتفى براتب مدينة الإنتاج، وهو نفس ما حدث عندما تم ترشيحه لوزارة الدولة للإعلام حيث أصر على أن يجمع بين راتبها وراتب مدينة الإنتاج، وإلى الآن يحصل على راتبين، راتبه من المدينة وراتبه من الوزارة، ولا يجد فى ذلك غضاضة، بل يدافع عن الأمر، مستندًا إلى أن هناك من سمح بذلك، ولم يقف أمامه من البداية، دون أن يلتفت إلى أن الحكومة لو كانت أخطأت فى البداية، فلا بد أن تقوم بتصحيح هذا الخطأ.
كان هناك من يعتقد أن أسامة هيكل، وبسابق خبرته فى وزارة الإعلام، يمكن أن يكون قيمة مضافة إلى منظومة الإعلام فى مواجهة المعارك الكبرى التى تخوضها مصر، لكن التجربة أثبتت عكس ذلك تمامًا، وبعد عثرات وزير الدولة للإعلام فى مهمته الجديدة، بدا للجميع أنه كان نتاجًا لفترة فوضى كان فيها وزيرًا، وأنه لا يمكن أن ينتظم فى عمل مؤسسى له قواعد.
لقد اهتم أسامة هيكل، بعد أن أصبح وزيرًا للدولة للإعلام، بكل شىء، إلا المهمة التى جاء من أجلها.
من اليوم الأول بحث عن المقر الذى سيعمل منه، والمكتب الذى سيباشر منه مهمته، والسيارات التى سيتحرك بها، والوجاهة التى لا بد أن تتوافر له، فقد دخل الوزارة بمنطق عصر مبارك، وهو العصر الذى كان فيه الوزراء كائنات خرافية فوق البشر، لا يسألهم أحد عمَّا يفعلون، ولم يلتفت إلى أن الزمن تغير، وأن الوزير يتولى منصبه ليعمل فقط، ثم يبحث بعد ذلك عن مقره ومكتبه وسياراته ووجاهته وفخامة منصبه، هذا إذا وجد وقتًا لذلك من الأساس.
تحول أسامة هيكل مع الأيام إلى شوكة فى ظهر الحكومة، وشوكة فى ظهر الإعلام كله، بعد أن اعتقد أنه الحاكم بأمره، ولا بد أن ينفذ الجميع ما يقوله، متجاهلًا أنه جاء ليعمل من خلال منظومة كبيرة فيها هيئات إعلامية منحها الدستور استقلاليتها.
ولأن أسامة هيكل من الأساس ليس رجل دولة، فقد ضرب عرض الحائط بالدستور، وقرر أن يسطو على صلاحيات رؤساء الهيئات الإعلامية.
لقد حاول أسامة هيكل أن يوحى للجميع بأنه هو من يقوم باختيار رؤساء الهيئات الإعلامية الجديدة، وعندما تراجع تصريحاته فى الفترة التى سبقت اختيار القيادات الجديدة فى يوليو ٢٠٢٠، ستجده يتحدث كثيرًا عن معايير اختيار هذه القيادات، وأنه لن تكون هناك مجاملات أو محسوبيات فى الاختيار، وأنه يعمل مع الأجهزة المعنية للانتهاء من الاختيار، دون أن يلتفت إلى أن استقلالية الهيئات عن وزارته لا تمنحه الحق فى الاختيار، لكنه ركن إلى ذلك موحيًا بأن رؤساء الهيئات تحت قيادته.
أعتقد أن هذه الحالة الكاذبة استفزت رؤساء الهيئات قبل أن يدخلوا مكاتبهم، فأسامة يلوح للجميع بأنه من اختار، ولذلك كانت الهزيمة الأولى التى مُنىَ بها أسامة عندما ذهب إلى مجلس النواب، ليفرض نفسه على مشهد حلف القيادات الجديدة اليمين الدستورية، فوضعه رئيس مجلس النواب فى حجمه وحذره من الوقوع فى المحظور.
حاول أسامة هيكل أن يصطنع حالة من الود بينه وبين قيادات الهيئات الإعلامية، لكنها كانت حالة زائفة تمامًا، فالشىء الحقيقى الوحيد الذى كان يعرفه الجميع هو أن أسامة لا يطيق وجودهم، لأنهم من اللحظة الأولى قرروا أن يحافظوا على استقلاليتهم، وأن يعملوا طبقًا للقوانين وما نص عليه الدستور، وهو ما لم يعجبه، فبدأ على الفور فى التحرش بهم من خلال التصريحات الإعلامية التى كانت كلها ضد الإعلام، بل ذهب أسامة إلى الحط من شأن الإعلام المصرى، والإساءة البالغة إليه، للدرجة التى كنت تعتقد معها أن أسامة ليس وزيرًا فى الحكومة بل معارض متحمس فى هدم المعبد على رءوس الجميع.
يمكنك أن تراجع مرة أخرى اختصاصات وزير الإعلام، أحدثك بالضبط عن مسألة التنسيق بينه وبين رؤساء الهيئات الإعلامية، لتنفيذ سياسة الدولة الإعلامية.
ما حدث فعلًا أن أسامة هيكل داس على مسألة التنسيق هذه بقدميه، وقرر أن يكيد لرؤساء الهيئات، ويتحدث بما لا يليق عن الإعلام المصرى، فتارة يهاجمه، وتارة يسخر منه، وتارة يقلل من تأثيره، وفى أحيان كثيرة منح المنصات المعادية لمصر المادة الخام الجاهزة لهذا الهجوم.
لن أرهقكم كثيرًا.. فما فعله أسامة هيكل يضعه بالنسبة لى فى خانة «الطابور الخامس».
دون فذلكة، يحاول من يحرصون على الظهور كمثقفين أن يأتوا إلينا بمواقف وكلمات مأثورة يحفظها طلاب المدارس الذين يشاركون فى مسابقات الوعى القديمة، يمكننا أن نبحث معًا عن أصل وفصل مصطلح «الطابور الخامس».
ظهر مصطلح «الطابور الخامس» لأول مرة خلال الحرب الأهلية فى إسبانيا، وهى الحرب التى امتدت ما بين العامين ١٩٣٦ و١٩٣٩، وقتها تكوّنت القوات المتوجهة نحو مدريد من أربعة طوابير، بينما كان هناك طابور خامس مرسل لأداء مهمات لصالح العدو.
على الأرض كان الجنرال «فرانسيسكو فرانكو» والجنرال «إيميلو مولا» يقومان على قيادة الوطنيين، حيث تمكنا من السيطرة على منطقة الأندلس، وبدآ بالتقدم نحو مدريد التى يقوم على قيادتها الجمهوريون، وأثناء التوجه إلى مدريد توزعت قوات الوطنيين على أربعة طوابير، وحاول الجنرال «مولا» زعزعة صفوف الجمهوريين، فأثار خبرًا عن وجود طابور خامس ينتشر بصورة غير ملحوظة داخل شوارع وأزقة العاصمة الإسبانية، وأنه فى انتظار وصول قوات الوطنيين ليقوموا بتنفيذ الأعمال المتفق عليها، التى تهدف إلى تمزيق صفوف الجمهوريين.
بعد أن أعلن الجنرال «مولا» وجود طابور خامس داخل العاصمة مدريد بدأت حملة واسعة من التشكيك والاتهامات والتخوين بين صفوف الجمهوريين، ما تسبب فى فتح باب الاغتيال لمجرد الشك فى الانتماء للطابور الخامس، ورغم ما أحدثه خبر «مولا» من زعزعة للوضع السياسى بمدريد، فإن الوطنيين لم يتمكنوا من دخول العاصمة بسهولة، فلم يتمكنوا من دخولها إلا بعد ثلاث سنوات.
عندما بدأت الحرب العالمية الثانية فى العام ١٩٣٩، حيث كانت الأقطاب المتحاربة تسعى إلى استقطاب حلفاء لهم لنيل الدعم والمساعدة، كان كل طرف يسعى تحديدًا إلى التواصل مع سياسيين وإعلاميين لإظهار الدعم وإضعاف الطرف الآخر.
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها أصبح المصطلح راسخًا فى الأدبيات السياسية، ومن يومها وهو يطلق على المتهمين بالعمالة ومروجى الشائعات.
عندما ترسم صورة لما قام به أسامة هيكل منذ حط برحاله على وزارة الدولة للإعلام، وتفكر فى الإطار المناسب لهذه الصورة، فلن تجد إلا إطار «الطابو الخامس».
فهو رسميًا وزير دولة للإعلام فى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى.
وهو رسميًا له اختصاصات صدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
وهو رسميًا أقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية، وهو قسم طبقًا للمادة ١٦٥ من الدستور نصه: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
خلع أسامة هيكل نفسه من كل هذه الانتماءات، وألقى بكل هذه الولاءات على الأرض، متجاهلًا إياها، وكأنها لم تكن.
فقد خان منصبه كوزير دولة للإعلام، عندما زرع الفوضى فى مجلس الوزراء وحاول أن يتصدر الصورة وحده، وعندما رغب أن يكون متحدثًا وحده، بينما يصمت الآخرون، ولولا التدخل الحاسم من رئيس مجلس الوزراء، لأصبح هيكل يطاردنا فى كل مكان نذهب إليه.
وهو خان اختصاصاته، ويمكننا أن نراجع فقط ما حدث أثناء الأزمة التى واجهتها مصر على هامش جنوح السفينة البنمية فى المجرى الملاحى لقناة السويس، اختفى هيكل تمامًا أثناء الأزمة، وكأنه لم يتابع ما كان يقوله الإعلام الدولى عما يحدث، أو أنه تابع لكنه ظل كامنًا فى مكتبه لا يقدر على فعل شىء.
كان من المفروض أن يتواصل أسامة هيكل مع الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، ليشرف على تنظيم المؤتمرات الصحفية التى يعقدها ليتحدث من خلالها إلى العالم، لكنه لم يفعل، واكتفى فقط بأن نشر على صفحة الوزارة أخبارًا عن المؤتمرات التى أعلن عن عقدها الفريق من الهيئة.
ومن باب إثبات الحضور، أو ذر الرماد فى العيون، نشر هيكل على صفحته خبرًا كان نصه: «أرسل أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، برقية تهنئة للفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بمناسبة نجاح أطقم الهيئة فى إنهاء أزمة السفينة البنمية العالقة منذ أيام»، وأكد «هيكل» أن فرق هيئة القناة أدارت الأزمة بحكمة واقتدار رغم الضغوط التى تمت طوال فترة الأزمة، وقال «إن نجاح الهيئة فى تعويم سفينة بهذا الحجم يعد إنجازًا يستحق التقدير».
لقد اختار أسامة هيكل أن يجلس فى مقاعد المتفرجين، لا يقوم حتى بالدور الذى حددته اختصاصاته، ومنها قيامه بالإشراف على تنظيم المؤتمرات التى تستدعيها الأحداث الكبرى فى مصر.
يمكننا أن نقرأ البند السادس من قرار رئيس مجلس الوزراء الذى حدد لأسامة هيكل اختصاصاته، والذى يقول: المشاركة فى تنظيم المؤتمرات الصحفية لرئيس الجمهورية محليًا ودوليًا، والإعداد للتغطية الإعلامية لزيارات القيادة السياسية الخارجية واللقاءات التليفزيونية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات وغيرها من الجهات المعنية.
ما يقال عن المشاركة فى تنظيم المؤتمرات الصحفية لرئيس الجمهورية، يمكن أن ينصرف إلى المؤتمرات الصحفية التى عقدها رئيس هيئة قناة السويس، فقد كان الظرف حاكمًا وحرجًا، لكن هيكل اختفى تمامًا وراء صفحة وزارته البائسة على «فيسبوك».
المفاجأة التى لا بد أن تزعج أسامة هيكل فى مخبئه أن رئيس المجلس الأعلى للإعلام، كرم جبر، كان موجودًا فى هيئة قناة السويس أثناء المؤتمر الصحفى الذى عقده الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، ليعلن على العالم تفاصيل نجاح رجال الهيئة فى تعويم السفينة البنمية، وشارك فى تنظيم المؤتمر الذى خرج على أفضل صورة.
الفرق بين أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، وكرم جبر، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أن الأول يريد أن يتصدر الصورة، لكن الثانى ذهب ونسق ونظم وأشرف على المؤتمر دون أن يشعر بوجوده أحد، فلم يظهر فى الصورة، لأن الإنجاز كان إنجاز رئيس الهيئة الذى من حقه أن يكون فى الصورة بمفرده، ويعرف الجميع أن كرم جبر اختار أن يظل فى مكتب قريب من مكان انعقاد المؤتمر ليتابع وقائعه، ويطمئن على أن كل شىء يسير بشكل طبيعى.
خان أسامة هيكل كذلك القسم الذى أداه أمام رئيس الجمهورية، فهو لم يحترم الدستور الذى نص على استقلالية الهيئات الإعلامية، بل بدأ التحرش السياسى والإعلامى بها من اليوم الأول له فى الوزارة، فى محاولة لتطويعها وجعلها تابعة له.
وخان القسم كذلك عندما لم يحافظ على استقرار الوطن وسلامة أراضيه.
لا تعوزنى هنا أمثلة كثيرة، فقط سأتوقف عند البيان الذى أصدره أسامة هيكل ونشره على صفحة وزارته بعد قرار تركيا بتقليم أظافر القنوات الإخوانية المعادية التى تنطلق من أراضيها، وإلزامها بسياسة تحريرية فيما يخص الشأن المصرى.
التزمت الدولة المصرية بكل مؤسساتها، وإعلامها بكل توجهاته، بالصمت فى مواجهة هذا الموقف باعتباره شأنًا داخليًا لدولة أخرى، ولا يستوجب التعليق عليه، ثم إننا كنا نراقب ما يحدث فى انتظار ما تسفر عنه الأحداث، وهل سيكون هناك التزام بهذا القرار، أم أن القنوات ستعود إلى سيرتها الأولى؟
لم يصدر تعليق رسمى واحد عن الدولة المصرية التى قررت ألا تعلق على شئون الدول الأخرى، لكن وحده أسامة هيكل خرق هذا الصمت، ونشر على صفحته بيانًا رحب فيه بالخطوة التركية، باعتبارها بادرة طيبة من الجانب التركى، تخلق مناخًا ملائمًا لبحث الملفات محل الخلافات بين الدولتين على مدار السنوات الماضية.
قبل أن أقول لكم ما الذى يعنيه هذا البيان، ولا ما الذى ترتب عليه من مهازل- هى بالفعل كذلك- سأقول لكم ما الذى حدث، فقد نشر هذا البيان على صفحة مجلس الوزراء الرسمية، على اعتبار أنه بيان من وزارة الدولة للإعلام، وتنشر لها بياناتها على الصفحة كما تنشر بيانات الوزارات الأخرى، لكن بعد دقائق قليلة حذفت صفحة مجلس الوزراء البيان، وتم إلزام أسامة هيكل بحذفه من على صفحة وزارته.
الآن يمكن أن نقرأ هذه الواقعة من زوايا مختلفة.
أولًا: يعيش أسامة هيكل منعزلًا تمامًا، لا يعرف موقف الدولة الرسمى، ولذلك فهو لا يعبر عنه ولكن يعبر عن نفسه، ولو كان ينسق مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للاستعلامات لعرف الموقف الرسمى من قرار تركيا، لكنه يسبح وحده، ولذلك أصدر هذا البيان.
ثانيًا: يحاول أسامة هيكل أن يكسر العزلة التى يعيش فيها، ولذلك فهو يأتى بتصرفات فردية لتضعه فى دائرة الضوء، فبعد صدور البيان أبرزته وسائل إعلام دولية، واعتبرت أن هذا هو الموقف المصرى الرسمى، وهى معذورة تمامًا فى ذلك، فالذى يتحدث وزير فى الدولة، وليس أى وزير، ولكنه وزير الدولة للإعلام، رغم أن هذه الوسائل الإعلامية لو دققت النظر فستعرف أن الوزير لم يكن يُعبِّر إلا عن نفسه.
ثالثًا: منح أسامة هيكل ببيانه قنوات الإخوان والعاملين فيها والمتحدثين من خلالها قبلة الحياة، ويكفى أن نقرأ ما كتبه حسام الغمرى، القيادى الإخوانى الذى يعيش فى تركيا، فبعد بيان «هيكل» كتب يقول على حسابه الشخصى بتويتر: «تصريح أسامة هيكل هو اعتراف ضمنى بشرعية عملنا الإعلامى لأول مرة، مما يجعلنى أتساءل عن موقف النظام حال وجود مداخلات لضيوف من داخل مصر، هل ما زال يعتبر هذا عملًا مُجرَّمًا، أم سيُظهر النظام احترامًا هو الآخر لمواثيق الشرف الإعلامى».
هل تنتظر بعد كل ذلك لماذا أعتبر أسامة هيكل طابورًا خامسًا فى صفوف الحكومة؟
أعتقد أنك لو أعدت القراءة مرة أخرى فستجد الإجابة عن السؤال.. وحتمًا ستجد ما هو أكثر.