رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب عن الرجل الذي يجب أن يرحل: أسامة هيكل.. وزير الفتنة الإعلامية

د. محمد الباز - أسامة
د. محمد الباز - أسامة هيكل

- حاول منع الصحفيين من الحديث مع الوزراء وقال لهم: لا تتحدثوا إلّا معى أنا وحدى

- خالف قرار مجلس الوزراء بالتنسيق مع الهيئات الإعلامية ودخل معها فى معركة ومكرم محمد أحمد يعلن: ليست مباراة يا معالى الوزير

- نصَّب نفسه متحدثًا للحكومة متجاهلًا المتحدث الرسمى لمجلس الوزراء وينشر بيانات الوزارات على صفحة وزارته قبل نشرها على صفحة المجلس

- أعلن أن مهمته هى إدارة سمعة الدولة رغم أن ما فعله كان الإهانة الكاملة لسمعة الدولة وهيبتها

- تعالَى على مكرم محمد أحمد وأهان تاريخه وكان يدعم من شاركوا فى أحداث يناير وروج لعبدالرحمن يوسف فى الندوة التى كان يديرها فى صالون الأوبرا

- المجلس الأعلى للإعلام يشكوه لرئيس الوزراء ويطالبه بالتدخل للحفاظ على هيبة الدولة من تصرفات هيكل


لا تروق لى- كما لا تروق لكثيرين- الطريقة التى يدير بها أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، شئون وزارته، التى تولى مسئوليتها فى ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩، فبعد مرور ما يقرب من خمسة عشر شهرًا على مباشرته مهام وظيفته يبدو لى- كما يبدو لكثيرين- أن الوزارة لم تعد، كما أن الوزير لم يحضر، فقد سجل غيابًا تامًا وعامًا وكاملًا وشاملًا فى كل الملفات التى من المفروض أنها من اختصاصه.
كانت أمام أسامة هيكل فرصة ذهبية لأن يكون واحدًا من الوزراء العظام فى تاريخ مصر.
لكنه وببراعة كبيرة، لا بد أن نحسده عليها، أفلت من بين يديه كل فرصه مرة واحدة، وهى الفرص التى أعتقد أنه لن يستطيع تعويضها فيما تبقى من حياته- رغم أنه لا يزال فى السادسة والخمسين- بما يمكن أن يساعده على أن ينسج بدايات جديدة لحياته، لكن من يعمل مثله أعتقد أنه لا بد وأن يتعثر كلما سار فى طريق.
لقد كانت هناك رغبة حقيقية لأن تقوم وزارة الدولة للإعلام بدور كبير ومحورى فى دعم الإعلام المصرى فى معاركه التى يخوضها ضد أعداء الخارج والداخل، لكن أسامة هيكل خذل الجميع.. وأعتقد أنه لا بد أن يُحاسب حسابًا عسيرًا على ما أضاعه، ليس على نفسه ولكن علينا جميعًا.
لقد ظل أسامة هيكل تائهًا تمامًا بعد أن تولى الوزارة، لشهر كامل لا تعرف له اختصاصات.
ففى ٢٨ يناير ٢٠٢٠ أصدر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى قرارًا حدد به اختصاصات وزير الإعلام، والغريب أن هيكل ظل طوال هذا الشهر بلا عمل تقريبًا، رغم أنه كان صاحب تجربة فى وزارة الإعلام، التى تولاها فى الفترة من ٢١ يوليو ٢٠١١ إلى ١ ديسمبر ٢٠١١، والمفروض أن لديه خبرة تؤهله لأن يضع تصورًا من اللحظة الأولى التى تم تكليفه مرة أخرى بمهام منصبه، لكنه اختار الصمت بمنطق أن الدولة هى التى اختارته، وعليه فهى التى يجب أن تحدد ما الذى تريده منه.
يمكن أن تعترض طريقى- وهذا حقك تمامًا- وتقول لى أى خبرة تلك التى تتحدث عنها وكان يملكها هيكل من فترة عمله كوزير للإعلام فى ٢٠١١؟ فكل ما نذكره له أنه خرج بإخفاق هائل، عندما وضعنا جميعًا فى أزمة، بتصريحات غير مسئولة عن أحداث ماسبيرو، كادت أن تعصف باستقرار البلد ووحدته الوطنية، لولا تدخل عقلاء الأمة فى الوقت المناسب.
خرج أسامة هيكل من وزارة الإعلام وهو يحمل عاره المهنى على كتفيه.
مضت السنوات وتغيرت الأحوال، وكان هناك اعتقاد أن التجربة التى أخفق فيها قد تكون علمته شيئًا، وتأسيسًا على ذلك تم منحه فرصة أخرى، لكنه بدلًا من أن يستغلها لغسل عاره اعتقد أنه تمت الاستعانة به لعبقريته الفذة، وقدراته الخارقة، وإمكاناته التى لا يباريه فيها أحد.. فظل ساكنًا بمنطق أنكم من تريدون مواهبى، فقولوا لى ماذا تريدون حتى أنفذه.
كان من المفروض أن يُبادر أسامة هيكل، أن يتقدم منذ اللحظة الأولى، فما يحتاجه الإعلام فى ظل وجود هيئات إعلامية نص عليها الدستور مفهوم ولا يحتاج لقرار، ورغم أن قرار رئيس الوزراء كان واضحًا فى تحديد اختصاصات أسامة، فإنه لم يمارس أيًا منها، وذهب يبحث له عن دور آخر، حاول من خلاله «التكويش» على اختصاصات الآخرين ومزاحمتهم والطعن فيهم.. وهو ما جرّ علينا معارك كنا فى غنى كامل عنها.
لم يكن أسامة هيكل وزير دولة للإعلام، بل كان وزير فتنة.
ليست هذه جملة إنشائية عابرة، أحاول بها إدانة أسامة هيكل.. فما حدث فى الكواليس كثير ومخجل ومؤسف.
فى اختصاصات وزير الدولة للإعلام نقرأ: «التنسيق مع مختلف الوزارات لطرح وإبراز مجهودات الدولة ومشروعاتها القومية».
كان من المفروض أن يتفرغ أسامة هيكل لتنفيذ دوره فى التنسيق بين زملائه من الوزراء، أن يفكر معهم فى أساليب وآليات تقديم أعمالهم- تنفيذ برامج الحكومة- إعلاميًا، حتى يعرف الناس ما تقوم به الدولة، وهى المهمة التى كنا فى حاجة إليها، لمواجهة حرب الشائعات عن مشروعات الدولة القومية، وهى المشروعات التى حاولت المنصات الإعلامية المعادية تشويهها، وتفريغها من قيمتها الحقيقية، لنشر حالة من الإحباط لدى المواطنين، يتم استغلالها بعد ذلك لدفعهم إلى مواجهة الدولة ومعاداتها والخروج مرة أخرى إلى الشوارع.
الذى جرى فعليًا أن أسامة هيكل تفرغ، لكنه لم يتفرغ لمهمته.
بذل وزير الدولة للإعلام كل جهده ليمنع زملاءه من الكلام، مانحًا نفسه وحده حق الكلام عما يفعلونه، متجاهلًا أن دوره هو تقديم الوزراء لا حجبهم، تنظيم أدائهم الإعلامى لا منعهم من التواصل مع الإعلام، فمع تقديرنا الشديد للمتحدثين الإعلاميين فى الوزارات، فإن الوزير عندما يتحدث بنفسه يمنح الكلام ثقة وثقلًا، ويحظى بالاهتمام الأكبر من المتابعين، سواء كانوا مشاهدين أو قراء.
يذكر أسامة هيكل أول أزمة تسبب فيها فى مجلس الوزراء، وتخيلوا أن هذه الأزمة كانت مع الصحفيين الذين يمثلون صحفهم فى مجلس الوزراء، يحصلون على تصريحات خاصة من الوزراء، يتناقشون معهم ويحاورونهم ويعرفون منهم مباشرة ما يحدث، حيث كان يطاردهم فى طرقات المجلس، محذرًا لهم من أن يتحدثوا مع الوزراء أو يحصلوا على تصريحاتهم مباشرة، قائلًا لهم: لا تتعاملوا مع أحد غيرى فى المجلس.
كان ما طلبه هيكل غريبًا ومريبًا، وكانت هذه أول هزيمة تحاصره، فلم يلتفت له أحد من مندوبى الصحف، تعاملوا مع كلامه وكأنه لم يكن، ولا أعلم كيف كان أسامة هيكل ينظر إلى نفسه فى المرآة وقتها، وهو يرى المحررين الصغار يضربون عرض الحائط به وبكلامه، وكأنه ليس موجودًا أمامهم من الأساس، وكانت هذه هى ضربة البداية فى إفقاد المنصب الذى يتولاه هيبته وقيمته ومعناه.
لم يعجب ما فعله أسامة هيكل زملاءه من الوزراء، لكنهم صمتوا احترامًا له، وربما لأنهم رأوا أن هذه معركة تافهة، ليس من المفروض أن يخوضوها معه، فتركوها للمحررين الصغار ليخلصوا عليه، وهو ما حدث، فعندما وجدهم لا يسمعون لما قاله، ويتعاملون مع وزرائهم صمت تمامًا، وابتلع الهزيمة فى صمت مذل.
وجد أسامة هيكل نفسه وحيدًا، ففكر فى أن يجد له دورًا آخر بعيدًا عن المحررين الذين تمسكوا بحقهم فى أن يمارسوا عملهم كما تقتضى المهنة، لا كما يريد الوزير، الذى- رغم عمله بالصحافة لسنوات عديدة- بدا أنه لا يعرف شيئًا لا عن المهنة ولا عن المهنية.
حام وزير الدولة للإعلام هذه المرة حول المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء، واستغل علاقاته بمقدمى البرامج التليفزيونية، وبدأ يجرى مداخلات تليفزيونية مطولة، متجاهلًا بذلك المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء، ولأنه لم يكن ملمًا بكل التفاصيل فقد أوقع الحكومة فى أكثر من أزمة، ولم يتوقف عن ممارساته غير المهنية والخارجة عن اللياقة إلا بعد أن وجهت له ملاحظات واضحة ومحددة، وبعد أن تسبب أداؤه فى أزمة، كانت مكتومة صحيح لكن كل من يعرف ما يدور فى المجلس كان يلحظها.
لم يكن أسامة هيكل محترفًا فى أدائه، ففى الوقت الذى كان من المفروض أن يعمل على إبراز عمل الوزراء زملائه فى المجلس، صادر لنفسه حق الكلام عما يقومون به، فبدا، على غير الحقيقة والواقع، وكأنه هو الوحيد الذى يعمل، رغم أنه لم يكن يعمل أى شىء.
كانت المهزلة الكبرى التى اصطنعها أسامة هيكل هى ما فعله بالصفحة التى أنشأها على الـ«فيسبوك».
كان مفروضًا من البداية أن يؤسس أسامة هيكل هذه الصفحة من اليوم الأول الذى يدخل فيه الوزارة، لكنه تأخر كثيرًا فأسسها فى ١٣ مارس ٢٠٢٠، أى بعد نحو ثلاثة أشهر.
فى البداية كان اسمها «الصفحة الرسمية لوزارة الدولة للإعلام»، وفى ١٠ فبراير ٢٠٢١ ودون مبرر سياسى أو مهنى غير اسمها لـ«وزارة الدولة للإعلام».
دعك من أن الصفحة التى مر عليها ما يقرب من أكثر من عام فشل أسامة هيكل فى أن يستقطب لها إلا ٩٤ ألف متابع رغم تمويلها المستمر، وتأمل فقط ما فعله عندما غير اسم الصفحة إلى «وزارة الدولة للإعلام»، فهو يعترف أن وزارته ليست إلا صفحة على الـ«فيسبوك»، وهو اعتراف لو يعرف دلالته لأغلقها تمامًا، لكنه للأسف الشديد معجب بكل ما يفعله حتى لو كان هزيلًا وبلا قيمة.
هذه الصفحة تحديدًا وضعت الحكومة فى حرج أكثر من مرة، فوزير الدولة للإعلام، الذى لا نعرف له وظيفة حقيقية، استغل صفحته فى نشر بيانات الحكومة عليها قبل أن تُنشر على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء، ولا يوجد سبب لذلك إلا أن أسامة كان يريد أن يثبت للبعض أنه عالم ببواطن الأمور، أو أنه مثلًا يعرف القرارات قبل رئيس الوزراء شخصيًا.
حدث هذا أكثر من مرة، والأمثلة حاضرة، وأعتقد أن المتابعين جيدًا لنشاط مجلس الوزراء يعرفونها، كما يعرفها هيكل، كما يعرف أيضًا أنه تم توبيخه أكثر من مرة بسبب هذا السلوك الذى وصفه البعض بأنه صبيانى، ولا يليق بمن يفترض فيه أن يكون رجل دولة.
المفارقة الكبرى التى يمكن أن نضع أيدينا عليها أن أسامة هيكل حدد مهامه، فتحت عنوان «الأهداف الاستراتيجية لوزارة الدولة للإعلام حتى ٢٠٣٠» كتب: إدارة الإعلام، إدارة سمعة الدولة، تعزيز الهوية، دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من بين هذه الأهداف توقفت عند «إدارة سمعة الدولة».. لأن ما فعله هيكل خلال الشهور التى تولى فيها مهام منصبه لم يكن إلا إساءة كاملة لسمعة الدولة.
يمكننا أن نعود، مرة ثانية، إلى اختصاصاته ومنها: «اقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع السيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والتنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام فى تنفيذ هذه السياسة».
ومنها أيضًا: «الإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة، من خلال إتاحة مساحات أكبر للرأى والرأى الآخر، وتطوير المحتوى الدرامى وزيادة المنافسة بين القنوات المختلفة، وذلك كله دون الإخلال باختصاص الهيئة الوطنية للإعلام».
الكلام واضح ولا يحتمل تأويلًا أو تفسيرًا، لكن أسامة هيكل اختار أن يفسره على هواه وطبقًا لمزاجه الخاص، فرغم أن الدستور نص على استقلالية الهيئات الإعلامية وأنها ليست تابعة لوزارة الدولة للإعلام، إلا أن أسامة قرر أن يتعامل مع رؤساء هذه الهيئات على أنهم تابعون له، وليس عليهم إلا أن ينفذوا كلامه.. وكلامه وحده.
فى فبراير ٢٠٢٠، وبعد شهرين فقط، كشف مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام السابق، عن خطيئة وزير الدولة للإعلام الكبرى، فهو لا يسعى إلى التنسيق بل إلى التكويش، وهو لا يعمل بمبدأ التنسيق، بل بفلسفة السيطرة على كل شىء.
كان مكرم محمد أحمد يتحدث إلى أحد البرامج التليفزيونية، وقال إنه لا يوجد أى تنسيق مع وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل بعد تعيينه فى التعديل الوزارى الأخير، قال نصًا: «مفيش أى تنسيق، ولازم يعرف وزير الدولة للإعلام إن العملية مش مباراة، ولكن عمل جماعى، ومفيش حد يقدر يلغى دور حد، ولا ينبغى أن تكون السلطة التنفيذية هى فقط التى ترسم الطريق وتعطى الأوامر».
كلمات مكرم محمد أحمد القليلة كانت تعنى الكثير، فبدلًا من أن يلتزم أسامة هيكل بحدود اختصاصاته بدأ يتجاوزها، وبدلًا من الاقتراح- والاقتراح فقط- لسياسة الدولة الإعلامية بدأ يصدر الأوامر ويطالب الآخرين بأن ينفذوها دون نقاش، وبدلًا من التنسيق بدأ يدخل فى صدام، حتى تحول الأمر إلى معركة، قرر أن يكون فيها هو المنتصر، دون أن تكون لديه أدوات أو فى يده صلاحيات لذلك.
لقد تعالى أسامة هيكل- هو بطبعه متعال على كل من حوله- على الأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد، ضاربًا عرض الحائط بقيمة مكرم وتاريخه المهنى، فتاريخ أسامة هيكل فى العمل الصحفى بجريدة الوفد، الذى بدأ فى العام ١٩٨٧ بعد تخرجه فى كلية العلوم جامعة عين شمس، لا يساوى معركة صحفية واحدة خاضها مكرم محمد أحمد، الذى نعتبره واحدًا من شيوخ المهنة وأحد رجالاتها الذين خاضوا حروبًا متواصلة ضد الجماعات الإرهابية.
ففى الوقت الذى بدأ مكرم محمد أحمد معركة جديدة مع جماعة الإخوان الإرهابية بعد يناير ٢٠١١، وهى المعركة التى جعلت محمد مرسى يهاجمه فى خطاب علنى، كان أسامة هيكل يتماهى مع شباب يناير ورموزها، ربما طمعًا فى أن ينال من رضاهم جانبًا، وتخيل أنه عندما كان مسئولًا عن إدارة صالون الأوبرا استضاف عبدالرحمن يوسف، ابن يوسف القرضاوى، وهلل لذلك وهش وبش، وكتب على صفحته الشخصية بـ«فيسبوك» فى ٧ أبريل ٢٠١١: أمسية «شعر الثورة.. وثورة الشعر» للشاعر عبدالرحمن يوسف فى المسرح الصغير بدار الأوبرا، يوم الإثنين ١١ أبريل الساعة ٧ مساء، الدعوة عامة.
رغم أن الفارق شاسع بينهما، إلا أن أسامة هيكل تعمد أن يبعث برسالة إلى مكرم محمد أحمد بأنه الأعلى منه مكانًا ومكانة، وقدرًا وقدرة، فرغم أن مكرم أحرج هيكل عندما أعلن أنه غير متعاون ولا يريد التنسيق ويكتفى بأن يصدر الأوامر ويطالب الآخرين بتنفيذه، إلا أن هيكل لم يسع إلى مكرم، على الأقل فى محاولة لنزع فتيل الأزمة المكتومة، ظل فى مكتبه ولم يتحرك ولو من باب أنه الأصغر سنًا ومقامًا من أحد أساتذة الصحافة الكبار.
ولأن مكرم محمد أحمد رجل دولة بحق، ويعرف قيمة أن يكون واحدًا من المسئولين عن منظومة الإعلام فى مصر، تنازل عن صغائر الأمور، وذهب إلى أسامة هيكل فى مكتبه.
حدث هذا بعد نحو شهر من تصريح مكرم عن هيكل، ووصف ما يفعله بأنه مجرد مباراة يسعى وزير الدولة للإعلام للفوز بها بأى ثمن، ففى ١٥ مارس زاره مكرم ومعه أعضاء المجلس الأعلى للإعلام.
ورغم أن هيكل فى اجتماعه بمكرم أكد أن المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام جهات مستقلة بنص الدستور، وأن وزارة الدولة للإعلام تقوم بمهمة سياسية هدفها رسم السياسة الإعلامية للدولة والتنسيق بين المجلس والهيئتين.
ورغم أنه قال إن العلاقة بين الوزارة والمجلس والهيئتين علاقة تنسيقية.
ورغم أنه أكد متانة العلاقات مع أعضاء المجلس والهيئات، وعلى رأسهم الكاتب الكبير، الذى ما زال يتعامل بمنطق الصحفى المحترف الشاب، الذى يبحث عن المعلومة ويتفوق على كثيرين بخبرته الصحفية الطويلة.
إلا أن هذا الكلام ذهب أدراج الرياح، ولم تتبق منه غير صورة تجمع أسامة هيكل مع أعضاء المجلس الأعلى للإعلام، فقد تحدث هيكل من وراء قلبه وعقله، وأثبتت الحوادث أنه ماضٍ فيما يريده، مُصرٌ على أن يفتعل المشاكل والأزمات.
ففى ٢٢ يونيو ٢٠٢٠، وطبقًا لتقارير صحفية منشورة ومنتشرة، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إعداد مذكرة للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بشأن ما سماه الاعتداء الذى قام به موظفو الدولة للإعلام على مكاتب وقاعات المجلس بالاستعانة بـ١٨ من موظفى الأمن بالوزارة، يتقدمهم مدير أمن الوزارة، ووكيل أول الوزارة، ومدير مكتب وزير الدولة للإعلام، وأكد المجلس فى مذكرته أن العمل توقف تمامًا بسبب هذه الاعتداءات واقتحام الغرف والقاعات وتغيير مفاتيحها والاستيلاء على مكاتبها وما بداخلها.
كان ما جرى مخجلًا، لا يليق بوزير، فرغم أن المجلس شكى موظفى وزارة الدولة للإعلام، إلا أن الوزير نفسه كان وراء ما جرى، فقد رفض تنفيذ قرار رئيس الوزراء رقم ٤٤٢ لسنة ٢٠٢٠، الذى كان يقضى بنقل ٦١ من العاملين بالمجلس إلى ديوان عام الوزارة، فى الوقت الذى التزم فيه المجلس بقرار مجلس الوزراء، حيث تم إخلاء طرف الموظفين جميعًا من المجلس، إلا أن الوزارة قامت بتشغيل ٤٠ فقط منهم وطردت الباقين دون أسباب، وقد فوجئ المجلس بقدوم الـ١٨ موظفًا الذين تم تعيينهم بالوزارة ليعملوا من مكاتب المجلس لصالح الوزارة.
تعامل المجلس الأعلى للإعلام باحترافية شديدة، فقد وصف ما حدث من جانب موظفى وزارة الإعلام بأنه يسىء للدولة المصرية ويهدد استقلالية المجلس، وطالب رئيس الوزراء بالتدخل الفورى حفاظًا على هيبة الدولة.
عن أى سمعة للدولة يتحدث أسامة هيكل إذن؟ وهو بتصرفاته الصغيرة مَنْ «مرَّغ» سمعة الدولة فى التراب، فقد كانت هذه الواقعة محل حديث متواصل من المنصات الإعلامية المعادية للدولة، حيث قدم لها وزير الدولة للإعلام مادة خصبة وسخية يطعنون الدولة بها.
كان الجميع يعرف جيدًا ما يريده وزير الدولة للإعلام، فبعد اختيار قيادات جديدة للهيئات الإعلامية، وفى ٥ يوليو ٢٠٢٠، عندما ذهبوا إلى مجلس النواب لأداء اليمين الدستورية، طلب أسامة هيكل الكلمة، لكن رئيس المجلس وقتها، الدكتور على عبدالعال، حذر أسامة هيكل قبل أن يتحدث، يومها قال له: «كلمة وزير الإعلام لا تعنى التدخل فى شئون الهيئات الإعلامية، حتى لا يتم الوقوع فى المحظور، وإنما هى تأتى فى إطار الملف المتكامل والتهنئة فقط.. والتهنئة فقط».
كان تحذير رئيس مجلس النواب حاسمًا، وعندما تحدث أسامة هيكل قال: أود تقديم التهنئة لرؤساء الهيئات، وكل من صدر لهم التشكيل فى القرار الجمهورى، وباسمى كوزير للإعلام أؤكد أن الوزارة تمد أيديها للتعاون مع رؤساء الهيئات الجدد، لنصل فى النهاية لبر الأمان، وهذا التعاون المطلوب هو ما نصبو إليه لنقدم شيئًا فى هذا الملف.
خرج أسامة هيكل من البرلمان يومها دون أن يصافح رؤساء الهيئات، ودون أن يصافح أحدًا على الإطلاق، فقد قال ما قاله.. وظل ما فى القلب فى القلب.. ولم تكن إلا أيام حتى تجددت الصراعات والخلافات من جديد.