رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس والأمن الاجتماعى




يُمثل الأمن الاجتماعى أحد المحاور الرئيسية للمنظومة الأمنية بكل أبعادها، بل إنه يعد الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات الحديثة وعاملًا رئيسيًا لحمايتها، لأنه يوفر البيئة الآمنة للحياة والعمل والبناء، ويبعث الطمأنينة فى النفوس ويحافظ على النسيج المجتمعى فى إطار من القيم والمبادئ لتعزيز روح الانتماء للوطن، وهو الأمر الذى يؤدى، بلا شك، إلى القضاء على الجرائم بمختلف أنواعها، أو على الأقل تقليصها إلى أدنى معدلاتها، سواء كانت جرائم إرهابية أم جنائية وأيضًا جرائم تؤثر على الاقتصاد القومى للدولة.
الأمن الاجتماعى بهذا الشكل لا يتحقق بطبيعة الحال من خلال محور واحد من محاور الحياة كالتعليم مثلًا، بل إن ذلك يتطلب تحقيق التكامل فى جميع تلك المحاور مثل الصحة وتوفير المسكن الملائم والحياة الكريمة، وكذلك خلق فرص العمل المناسبة للقضاء على الآفات والأمراض التى تهدد الأمن الاجتماعى، كالانحراف الأخلاقى والدينى والسلوكى الذى يترتب عليه تدمير المجتمعات من الداخل، وهو ما تسعى إليه دائمًا قوى الشر التى لا تألو جهدًا لإفشال أى محاولات تقوم بها الدولة للنهوض بالمجتمعات الأكثر احتياجًا والقضاء على العشوائيات، حيث تسعى تلك القوى إلى إفساد العلاقات الاجتماعية والإنسانية من خلال نشر الفكر التكفيرى المتطرف لخلق كوادر حاقدة على المجتمع، وكذلك تسهيل تجارة المخدرات والاتجار بالأعضاء البشرية، وممارسة الرذيلة وغيرها من الجرائم التى من شأنها هدم أى مجتمع.. خاصة إذا كان المستهدف من ذلك هو شباب هذا المجتمع.
ومن هذا المنطلق، كان اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتوسع فى خلق مجتمعات سكنية جديدة تحل محل تلك المجتمعات التى وصلت فيها ظروف الحياة إلى حالة من الصعوبة، لا يتحقق من خلالها ذلك السلام والأمن المجتمعى الذى أشرنا إليه، ومن هنا فإنه يخطئ من يعتقد أن تلك الزيارة التى قام بها سيادته مؤخرًا إلى منطقة عزبة الهجانة بالقاهرة قد جاءت فى إطار روتينى غير مدروس.
فما شاهدناه خلال تلك الزيارة من وجود العديد من الوزراء والمختصين قد تم تحديدهم بكل دقة، حيث سوف يكون لكل منهم دور محدد للنهوض بتلك المنطقة، سواء فيما يتعلق بالطرق أو المساكن أو الكهرباء أو الصرف الصحى أو حتى الاهتمام بالجانب الإنسانى، وهو ما يؤكد أن هناك رؤية وزيارة ودراسة سابقة تمت بشكل أو بآخر لتلك المنطقة ترتب عليها تحديد المسئولين الذين سوف يصاحبون الرئيس عند قيامه بزيارة عزبة الهجانة بشكل معلن، حيث قام سيادته بتحديد وتكليف كل مسئول بالمهام المطلوبة منه على وجه الدقة لتطوير المنطقة، التى يبلغ تعداد سكانها ما يزيد على المليون مواطن من مختلف الأعمار.
لقد كشفت زيارة الرئيس لعزبة الهجانة عن وجود أزمات إنسانية عديدة يجب التعامل معها بكل شفافية وجدية، من خلال ضرورة وجود المسئولين، أيًا كان موقعهم، بين أهالى مثل تلك المناطق، للوقوف على احتياجاتهم الأساسية والعمل على تطوير معيشتهم بالشكل الذى يتناسب مع ما تشهده كل محافظات الجمهورية من أعمال تطوير وتحديث فى مختلف المجالات.
ولعل الحوار الذى دار بين الرئيس ومرافقيه يؤكد أن سيادته كان على إلمام كامل بما تعانيه تلك المنطقة، خاصة عندما قال لهم: «انزلوا وسط الناس شوفوا عايزين إيه.. بياكلوا إيه.. بيتعالجوا إزاى؟.. شايفين حياة الناس وصلت لأى مستويات.. اعملوا على حل مشاكلهم وراعوا قدراتهم الاقتصادية وقدموا إجابات عن تساؤلاتهم، واعتبروا الحوار معهم واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا».
أعتقد أن تلك الزيارة كانت تحمل بين طياتها رسائل مختلفة لأطراف الأزمة، فمن بين ما تحمله لأهالى تلك المناطق أنها رسالة طمأنة وتأكيد أن الدولة ليست غافلة عنهم وأنهم محل رعايتها واهتمامها على كل الأصعدة والمستويات.. وبالنسبة للمسئولين فإنها تقول لهم: لقد انتهى عهد الوجود بالمكاتب، وإدارة العمل من خلال الاتصالات الهاتفية.. فها هو رئيس الدولة نفسه رغم مشاغله العديدة والمتراكمة داخليًا وخارجيًا يتواجد بين أهالى المنطقة يبحث عن أسرع وأفضل الحلول للارتقاء بها والنهوض بشأنها.
لم تكن الرؤية الأمنية للرئيس غائبة وهو يتفقد تلك المنطقة وغيرها من المناطق العشوائية الأخرى.. فعلى الرغم من أن هناك أعدادًا كبيرة من شباب العشوائيات قد تمكنت من استكمال دراستها وممارسة حياتها عقب ذلك بشكل طبيعى فإنه يجب ألا ننكر أنه أيضًا قد خرج منها أعداد لا يستهان بها من محترفى الجرائم بمختلف أنواعها، بل أعداد من العناصر التى تم تجنيدها للانضمام للتنظيمات الإرهابية المختلفة.
ومن هذا المنطلق جاء تحرك الرئيس ليطلق صافرة تحذير وإنذار للمسئولين بضرورة العمل والتصدى لكل التحديات التى تقابل الشباب بصفة خاصة وأهالى تلك العشوائيات بصفة عامة، والاقتراب من مشاكلهم واحتوائهم لما يحققه ذلك من أمن وأمان المجتمع بأسره.. فمعيار الأمن منوط بقدرة مؤسسات الدولة على التصدى لسلبيات المجتمع التى قد تؤدى إلى تفشى الجرائم وتزايد معدلاتها، وبطبيعة الحال فإن نجاح تلك المؤسسات فى هذا التصدى سوف يؤدى إلى تراجع الجرائم واستقرار الأوضاع بين المواطنين وتحقيق السلام المجتمعى.
ويبقى السؤال: هل سوف ننتظر قيام الرئيس بتلك الجولات المفاجئة بين الحين والآخر حتى تتحرك الأجهزة التنفيذية المختلفة للقيام بواجبها المنوط إليها لتحقيق هذا السلام الاجتماعى والاهتمام بالإنسان والكيان؟
أتمنى أن تكون تلك الزيارة التى قام بها الرئيس مقدمة لزيارات أخرى يقوم بها المسئولون على مختلف تخصصاتهم، وعلى مستوى محافظات الجمهورية دون الانتظار إلى أن يطلب منهم ذلك، فجميعنا مسئولون أمام الله وأمام الشعب على الحفاظ على وطننا، والنهوض والارتقاء به إلى القدر الذى يستحقه هذا الشعب المصرى الأصيل من الاهتمام والاحترام والعطاء.
وتحيا مصر.