رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو استراتيجية أمنية مصرية جديدة




شهدت البلاد مؤخرًا افتتاحات مقار ولقاءات أمنية على أعلى المستويات لتؤكد للعالم أهمية الدور المحورى المصرى فى حماية الأمن القومى العربى، وأيضًا فى الاهتمام بتنمية قدرات قوات حفظ السلام الدولية، وبناء المقدرات الشرطية لتلك القوات ما يعطى دلالات مهمة تعكس رؤية مصر الأمنية لقوات حفظ السلام، وضرورة تطوير منظومة عملها، وذلك تأكيدًا على الدور المحورى للدولة المصرية، كإحدى الدول الفاعلة والمساهمة فى كل عمليات صون الأمن والسلم الدوليين.
كان اللقاء الأبرز هو «المنتدى العربى الاستخبارى» الذى شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال الجلسة الافتتاحية عبر تقنية الفيديو كونفرانس بمناسبة افتتاح مقر هذا المنتدى بالقاهرة. ولا شك أن إقامة هذا المنتدى فى القاهرة يعكس ذلك الاهتمام الذى توليه القيادة السياسية فى مصر لمقتضيات الأمن القومى العربى، وعلى رأسها قضايا الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والتدخلات الخارجية، وذلك لتوفير مظلة عربية مهمة لتحقيق التنسيق والتعاون بين أجهزة الاستخبارات العربية لمحاربة الإرهاب الذى يمثل سرطانًا فى الجسد العربى، وأدى إلى تداعيات خطيرة على المنطقة وعلى شعوبها ترتب عليها تدمير مقدرات الدول العربية، وتقويض مؤسساتها الشرعية لخدمة أهداف وأجندات سياسية خارجية، تستهدف هدم الدول العربية وزعزعة استقرارها وأمنها.
ولما كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يترأس أحد أهم أجهزة الاستخبارات المصرية فإنه على علم بكل التحديات والصعوبات التى تتعرض لها الدول العربية، ومن هنا فقد كانت كلمته تمثل خارطة طريق لقيادات أجهزة الاستخبارات العربية التى شاركت فى هذا المنتدى، خاصة فيما يتعلق بضرورة تقاسم الأدوار وتبادل الخبرات والتطوير والتحديث المستمر، لما يحققه ذلك من قيمة مضافة لكل تلك الأجهزة، بما يعزز من معادلات الأمن الوطنى لكل الدول العربية، وبما يشكل فى النهاية «مجمعة معادلة الأمن العربى».
ولعلنا نرى حاليًا ذلك التطور الخطير الذى شهدته الجرائم المنظمة، التى تضم تهريب المخدرات والمواد المستخدمة فى صناعة المتفجرات وغيرها من الجرائم عالية الخطورة لاستخدامها تقنيات العصر الحديث، ما جعلها جرائم دولية ترتكب فى عدة مناطق وفى دول العالم المختلفة، بحيث أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا للدول العربية.
وهذا يلقى على أجهزة الاستخبارات عبئًا ثقيلًا متمثلًا فى جمع المعلومات وتحليلها ورصد متغيراتها على مستوى العالم، لتحديد العصابات والمجموعات التى تقوم بالجريمة المنظمة، وكذا المنظمات الإرهابية، بل إنه من الضرورى أن تسبق تلك المنظمات بخطوات لكى تحقق نتائج إيجابية، وأن توجه ضرباتها القاصمة لكل ما يهدد الوطن قبل أن تصل نيران هذه الأخطار إلى مصر أو أى من الدول العربية الأخرى.
وهنا يجدر بنا الإشارة والإشادة بتلك النجاحات التى حققها جهاز المخابرات العامة المصرية مؤخرًا، تحت قيادة الوزير عباس كامل على الصعيدين الداخلى والخارجى.
لقد طرأ على مفهوم الأمن القومى العديد من التطورات الكبيرة، إذ لم يعد الأمر مجرد الدفاع عن الحدود أو مواجهة أعمال الإرهاب والتجسس وغيرها من معادلات الأمن التى شهدتها العهود السابقة، بل لقد أصبح يمتد إلى المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية وأيضًا الدينية، الأمر الذى يجعل مهام أجهزة الاستخبارات شديدة التعقيد والاتساع والشمولية.. ومن هنا جاءت أهمية هذا المنتدى الذى سوف يجعل هناك تضافرًا وتعاونًا فى الجهود بين تلك الأجهزة لتعزيز آليات العمل العربى الأمنى المشترك وتحقيق معادلة أمن حقيقية تستبق بها كل المهددات، بإمكانيات وآليات وأطر عمل تحقق الأمن والأمان والاستقرار لمصر ولكل الدول العربية الشقيقة.
على صعيد آخر، فقد تم فى التوقيت ذاته تقريبًا افتتاح «المركز المصرى لتدريب قوات حفظ السلام» الذى يعد الأول من نوعه فى المنطقة العربية بأكاديمية الشرطة، حيث يختص بإعداد وتدريب الكوادر الوطنية والدولية للعمل لبعثات حفظ السلام من خلال العديد من الدورات التدريبية، والبرامج المتخصصة والدراسات والأبحاث التى تؤهل الكوادر المشاركة فى بعثات حفظ السلام لأداء المهام المنوطة بها بفاعلية وتزويدها بالخبرات والقدرات التى تتوافق مع متطلبات عمليات حفظ السلام الحالية والمستقبلية.
وقد جاء ذلك انطلاقًا من الدور المحورى للدولة المصرية كإحدى الدول الفاعلة والمساهمة فى كل عمليات صون الأمن والسلم الدوليين، وفى إطار الخبرات المتراكمة لكوادر الشرطة المصرية فى مجال عمليات حفظ السلام والنجاحات التى تتحقق عبر المشاركات المتميزة فى البعثات الأممية، التى حازت على ثقة كل الدول المساهمة فى عمليات حفظ السلام، وحظيت بمكانة رفيعة على المستوى الدولى، حتى أصبحت تحتل المركز الثالث فى إحصائية منظمة الأمم المتحدة الخاصة بتصنيف الدول الأكثر مشاركة بقوات شرطية ببعثات حفظ السلام، كما تحتل مركزًا متميزًا ضمن العشر دول الكبرى الأولى المساهمة بقوات فى البعثات الأممية على المستوى الدولى.
وهو ما يؤكد أن مصر أصبحت لديها رؤية أمنية متكاملة تسعى من خلالها إلى حفظ السلم والأمن الدوليين والإقلميين، وهو ما يتجلى بشكل واضح فيما تطرحه من مبادرات عدة تستهدف حماية الأمن وصون الاستقرار الإقليمى والدولى.
هذه هى بلادى التى أصبحت واحة الأمان والاستقرار فى الشرق الأوسط، التى أصبحت قبلة تلجأ إليها الدول والأجهزة الأمنية المختلفة لتنهل من عملها وخبراتها ما يجعلها تحقق ذات القدر فى بلادها، وهو الأمر الذى يجعلنا نفخر بمصرنا الغالية وهى تقود المنطقة العربية والإقليمية للحفاظ على مصالحها القومية وحماية شعوبها لتعزيز التنمية والاستقرار بها.
ودائمًا تحيا مصر.