«الصلاة سند لنا في المحنة».. طبيب بالعزل يروي حكاياته مع كورونا
لم يكن الشعار الذي يضعه المصريون على حساباتهم الشخصية بمواقع السوشيال ميديا لمساندة الأطباء «درع مصر الواقي» ضد فيروس كورونا، وهو جيش مصر الأبيض، من فراغ، والذي صادف إطلاقه يوم الطبيب المصري؛ ولكن نتاج بطولات رواها متعافي كورونا بعد خروجهم من الحجر الصحي فهم يستحقون أكثر من ذلك.
فقد أغلق الجمع الأبواب على أنفسهم وعائلتهم خوفا من فيروس مجهول يحصد الأرواح ولكن كان الأطباء المصريين هم من يقتربون منه بلاخوف أو تكاسل ليدافعوا عن كل المصريين؛فأستحقوا اللقب عن جدارة؛ وعلى الجانب الأخر أيضا حاول الكثير من المصريين دعم هؤلاء المحاربين وذويهم من خلال بعض المبادرات الداعمة نفسيا لهم.
بأقل الإمكانيات أستطاع الأطباء في التعامل مع جائحة كورونا التي أدت إلى انهيار العديد من الأنظمة العالمية؛ حيث ضرب الأطباء المصريين خير نموذج في العطاء والإنسانية مع الحالات اليومية من مصابي كورونا؛ حكايات بطولية تروى من مقربين لهم.
حاورت "الدستور" أحد أبطال الجيش الأبيض، فيكين فيكتور وديع، أخصائي الباطنة والحميات بمستشفى حميات أسوان 38 عاما؛ ليحكي تفاصيل تعامله مع فيروس كورونا، وتأثير وجوده في الحجر على ذويه، إلى نص الحوار:
بدأ الطبيب "فيكين فيكتور" بمستشفى حميات أسوان حديثه، قائلآ: كنت أول دفعة من الأطباء تم تكليفها لمواجهه فيروس كورونا بالمستشفيات؛ إلى جانب تدريب الأطباء بهذه المستشفيات على بروتوكولات العلاج وكيفية التعامل مع المصابين.
تلقيت التكليف صباحا أثناء عملي بمستشفى الصداقة بأسوان؛ جلست لأكثر من ساعة أفكر كيف أواجه عائلتي بهذا القرار؛ وما أن وصلت للمنزل جلست أنظر لأبنائي وزوجتي؛ إلى أن جمعت قواي وقررت إبلاغهم بالقرار؛ ليعم الهدوء أرجاء المنزل.
بدأت في طمئنتهم وأن وزارة الصحة أتخذت من الأجراءات الوقائية مايلزم لحماية الأطباء؛ بمشاعر ممزوجة بالألم والخوف من المجهول قالت عائلتي " ربنا معاك" ؛ لم يتبقى سوى يوم واحد فقط للذهاب لمستشفى العزل لمدة قد تزيد عن أسبوعين.
بنظرات تشجيعية يشوبها الخوف والقلق ودعت أبنائي لأصل مع الفريق الطبي المكلف من جانب وزارة الصحة والسكان لمستشفى حميات أسوان يوم 20 مارس 2020؛ وهناك واجهنا المجهول " كنا في وش المدفع" ولكن صلواتنا للرب ودعاء المصريين كانت تصلنا ونراه في معجزات تحدث للمصابين فلطف الله وقدره نراه كل حين خلال يومنا بالمستشفى.
- كان الوضع في البداية صعب وتعودنا سريعا عليه ومراعاة الحالة النفسية للمرضى كان أهم لتقوية المناعة ومواجهة الفيروس
بعد أول يوم في المستشفى تعودنا سريعًا على الوضع؛ فكنا مسئولين عن عدد كبير من المرضى؛ فأسوان هي أول محافظة ظهر فيها الفيروس بعد حادثة المركب السياحي المعروفة؛ فكان العمل يشكل مجهود جبار على عدد محدود من الأطباء مع فيروس مجهول قوته أو أسلحته أو حتى طرق القضاء عليه.
كنا نعمل نحو 16 ساعة وأكثر يوميا بين متابعة الحالات ومتابعة تعليمات وزارة الصحة فيما يتعلق ببروتوكولات العلاج؛ مع متابعة المواقع العالمية ومنظمة الصحة وتجارب أطباء أجانب في التعامل مع الجائحة.
وأستكمل فيكين حديثة للدستور: لم يكن العمل سهل للوهلة الأولى مع الفيروس بالرغم من أعراضه البسيطة التي تتشابة مع نزلة البرد العادية ولكن سرعته في التمحور مسببا الوفاة زاد من خوف الأطباء عند العامل معه؛ واصلنا الليل بالنهار لمتابعة الحالات والتخفيف من الأمهم.
مراعاة الحالة النفسية للمرضى كانت أهم بالنسبة لنا لرفع الروح المعنوية للقضاء على الفيروس؛ وبعد مرور ثلاثة أيام في مستشفى أسوان للعزل؛ كانت هناك قصص إنسانية يرويها المرضى المصابين بكورونا؛ فقد تعرفنا على كل حالة وبدأنا في الترفيه عنهم بالجلوس والأستماع لهم.
- أصعب الحالات كانت فتاة من ذوي القدرات الخاصة عند فراق والدتها.. وبركة الرب ظهرت في تعافي حالات سجلت إيجابي بعد نتيجة السلبي أكثر من مرة.
لم أتخيل يوما من الأيام أن يمر علي كطبيب مثل هذا الموقف الأنساني؛ والذي عجزت مع زملائي الأطباء من حله؛ وهي حالة إيجابية لفتاة من ذوي القدرات الخاصة جاءت للمستشفى مع والدتها المصابة ؛ وكان بروتوكول العلاج ينص على وجود الحالات فردية بالغرف ولكن لحالة الفتاة النفسية تم كسر هذه القاعدة ليكونوا بغرفة واحدة؛ وبعد ثماثل الأم للشفاء رفضت ترك أبنتها والخروج من المستشفى لتضرب أعظم مثال للأمومة والتضحية.
أيضا من المعجزات التي حدثت في الحجر الصحي هو إيجابية وسلبية حالة أكثر من مرة فبعد الأطمئنان لسلبية الحالة يكون الفحص التالي إيجابي وهكذا حتى تمام الشفاء وظهور سلبية المسحة لأخر ثلاث تحاليل.
وخلال مدة عملنا بالحجر الصحي كان هناك مئات القصص الأنسانية منها الذي يبث الأمل في النفوس ومنها من أصابه الأكتئاب؛ لما عانته هذه الحالات في حياتها أكثر من مواجهه فيروس كورونا.
- غرفة الاجتماعات كانت ملاذ الأطباء للترفية
لم نكن كأطباء بملاذ عن الأصابة بالأكتئاب أكثر من المرضى؛ ولكن سرعان ما عملنا على مواجهه هذا التحدي بالتجمعات والأنشطة الترفيهية بغرفة الإجتماعات المركزية بالمستشفى؛ لتبادل الأحاديث والأراء وأيضا سرد بعض القصص الأنسانية للمرضى والتشاور لحلها.
ساهمت بشكل كبير هذه التجمعات في التخفيف على الطاقم الطبي والمرضى نفسيا ومن ثم رفع الروح المعنوية وماهو ما كان له عظيم الأثر في تماثل العديد من الحالات للشفاء.
وعن كيفية التواصل مع عائلته في العزل يقول فيكين: لم يكن هناك وسيلة للتواصل سوى الموبايل والذي لم يكن يوميا أيضا لكثرة الحالات المسئولين عنها بالمستشفى وقلة أعدار الفريق الطبي وأيضا التمريض؛ فكان يومنا مقسم لمتابعة الحالات بإستمرار والتواصل مع وزارة الصحة لمتابعة الأجراءات ؛ وكذلك متابعة الأبحاث والبيروتوكولات العالمية لمواجهه الجائحة.
أول إتصال بعائلتي كان بعد أربعة أيام من العمل بعزل أسوان وهي مدة ليست بالقليلة في ظل هذه الظروف وكانت تحمل المكالمة الكثير من العتاب واللوم على عدم طمئمنتهم على حالتي الصحية وعدم إصابتي بالفيروس؛ خلال هذه المدة.
الاستماع لمرضى كورونا كان يسبب الكثير من الراحة النفسية لهم؛ وهو ما يخفف من الالأم الصحية جراء الفيروس وأعراضة المميتة؛ فكان هناك بروتوكول أخر وضعه الأطباء للتخفيف عن المرضى بعيدا عن وزارة الصحة وهو الأستماع والجلوس معهم.
- نظرة الفخر في عيون عائلتي أكبر وسام لي
مرت مدة العزل بمستشفى أسوان للحجر الصحي ببطء شديد؛ فالأيام جميعها متشابهه ومتكررة سوى الحالات الجديدة اليومية التي تأتي للمستشفى؛بأعراض جديد وقصص إنسانية جديدة؛ ولكن 14 يوم قد أنتهوا اليوم وسأعد حقيبتي لأرى عائلتي لينتابني نفس شعور الخوف من رؤياهم ممزوج بفرحة لرجوعي لأحضانهم.
بخطوات ثقيلة أقتربت للمنزل لم أبلغ أحد بقدومي لتكون مفاجئة لم أستعد لها أنا شخصيا؛ وبمجرد فتح الباب ورؤيتهم لي وبإندفاع نحوي كبير أوقفته بقلب الأب خوفا عليهم من العدوى؛ فلم أستطع أن أتقدم نحوهم خطوة واحدة؛ فكان البكاء هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الوحشة وفخرهم بعملي البطولي ورجوعي بالسلامة.
وفي هدوء شديد كان أول كلماتي لهم بعد رفضي لإحتضانهم؛ ترك المنزل لمدة 14 يوم كفترة عزل جديدة للتأكد من عدم إصابتي بالفيروس ومن ثم ممارسة الحياة معهم بشكل طبيعي؛ وبالفعل كان هناك إستجابة سريعة للطلب بالرغم من صعوبته.
وعن توقعات فيكين بالقادم في ظل فيروس كورونا يقول: أنا متفاءل باللي جاي؛ وأملي في ربنا كبير خاصة بعد إنحسار الفيروس وهو ما ظهر جليا في إنخفاض أعداد المصابين والوفيات في الفترة الأخيرة؛ وهو ما يؤكد إنتهاء فترة ذروة الفيروس؛ أيضا تخفيف حدة الأعراض على المصابين يبشر بالقضاء على الجائحة بالرغم من تصريحات منظمة الصحة العالمية باستمرارها في فصل الشتاء المقبل؛ وضرورة وضع الحكومات سيناريوهات للتعايش في السنوات المقبلة.
