رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحالة ولصوص آثار


كثيرون من الرحالة الأجانب كتبوا عن مصر، ولكن وحده «بلزونى» يمتاز عن كل هؤلاء بدقته المتناهية بسرد كل الأخبار والتفاصيل والمكائد التى تعرض لها فى مصر. استفاد «بلزونى» من كتابات المغامرين السابقين، ومنهم دينون، أحد قواد الحملة الفرنسية، ورسوماتهم التى أبهرت العالم عن عظمة الآثار المصرية، ومستر هاملتون، والرحالة السويسرى جون لويس بيركهارت إلى حلب واتخذ لنفسه اسم الشيخ إبراهيم بن عبدالله التاجر المسلم، الذى تعرّف على لغة بعض القبائل النوبية والعربية.
بلزونى أُتيحت له الفرصة لدراسة تقاليد وعادات السكان الأصليين، وهو الوحيد الذى اندمج معهم وفهم لهجاتهم وعاداتهم، وتمكن من دراسة أحوالهم.
كان البحث عن الآثار هو شاغله الأكبر، لأجل هذا اضطر إلى مخالطة هؤلاء السكان ومعه أسلحته الشخصية، وقوته البدنية، وفرمانات من الوالى القوى فى القاهرة إلى عماله فى أقصى الجنوب، لتسهيل مهمته.
وهو أول من تعامل من الأوروبيين تعاملًا مباشرًا مع الشخصيات الحقيقية للأتراك والعرب والنوبيين والبدو وقبائل العبابدة فى مصر، وهو بذلك يختلف عن معظم الرحالة الآخرين الذين لا همّ لهم سوى تدوين مشاهداتهم من بعيد.
كانت مصر فى ذلك الوقت يتفشى فيها الجهل والخرافات..
كانت رحلته فى زمن محمد على، والى مصر، وهو الحاكم القوى الذى أسس مصر الحديثة، وأرسى دعائم حكومة قوية فرضت احترامها على القبائل العربية فى كل ربوع مصر.
كانت ورقة ممهورة بخاتم محمد على تجعل أى أجنبى أو رحالة يجوب البلاد شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا، ويحاول أن يكشف اللثام عن تلك الآثار التى لا يعرف المصريون شيئًا عنها، وكانوا يطلقون على تماثيلها اسم «المساخيط»، بعد أن نبهت الحملة الفرنسية إلى خطورة تلك الآثار وعظمتها.
يعتبر الإيطالى جيوفانى باتيستا بلزونى الرحالة المعروف واحدًا من أعظم الرحالة الأوروبيين، وأعظم لصوص الآثار، كما أنه قدّم أعظم الخدمات لعلوم الآثار المصرية، وإليه يرجع الفضل فى العديد من الاكتشافات الأثرية فى كل ربوع مصر، وحاول تكوين رؤية عن أصل الآثار المصرية، وأسلوب بنائها، ولعل الدارس المتخصص فى الآثار المصرية سينظر إلى آرائه الجريئة.
وصل مصر عام ١٨١٥ فى الوقت الذى كان فيه هنرى سولت القنصل العام البريطانى فى مصر، وصاحب الكلمة العليا فيها، أراد بلزونى أن يُرِىَ محمد على باشا آلة هيدروليكية من اختراعه لرفع مياه النيل، ورغم نجاح تجربة هذا المحرك إلا أن التصميم لم يُثِر اهتمام محمد على.
فعزم بلزونى على مواصلة ترحاله، وبناءً على توصية المستشرق يوهان لودفيج بيركهارت، بعثه هنرى سولت إلى معبد الرمسيوم فى طيبة، حيث نقل بمهارة فائقة- مستخدمًا أسلوب قدماء المصريين- التمثال النصفى لرمسيس الثانى، الذى كان يسمى «ممنون الصغير»، وشحنه إلى إنجلترا، ولا يزال التمثال من أبرز معروضات المتحف البريطانى.. ولم يكن محمد على واعيًا لقيمة تلك الآثار التى هُرِّبت خارج مصر.
قام بلزونى بحفائر فى معبد إنفو، وزار جزيرتى إلفنتين وفيلة، وقد دخل التاريخ من أوسع أبوبه عندما قام باكتشاف معبد أبوسمبل الذى كان مطمورًا تحت الرمال «١٨١٧»، وقام بحفريات فى الكرنك، وفتح مقبرة سيتى الأول «لا تزال تعرف أحيانًا بقبر بلزونى»، وكان أول من نقب فى الهرم الثانى بالجيزة، وأول أوروبى فى العصر الحديث يزور الواحات البحرية، كما قام باكتشاف وتحديد أطلال مدينة برنيس على البحر الأحمر، وعثر على عملات تعود إلى عصر بطليموس.
كانت له اكتشافات فى وادى الملوك، ودخل المقابر الملكية، وتمكن من سرقة تابوت الملك سيتى الأول وباعه إلى المتحف البريطانى.. كما قام بسرقة التمثال النصفى للملك رمسيس الثانى، الذى يزن أكثر من ٧ أطنان، ولا يزال معروضًا فى المتحف البريطانى.