رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكامنا المصريون



من مميزات «الربيع العربى» أنها كشفت عن المعدن الحقيقى للحكام المصريين، مهما اختلفنا معهم، ومهما وصفناهم بكل النعوت التى اخترعناها لإهانتهم، يظل الأثر الذى تركوه فى مصر شاهدًا على وطنيتهم وإخلاصهم لبلادهم، مقارنة بما حدث فى الدول التى ضربها «الربيع العربى» فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، التى لا تزال تعانى من وطأة تصرفات حكامها السابقين وتمسكهم بالسلطة، وإدخال بلادهم فى سلسلة من الحروب والنزاعات جلبت لهم المحتل الأجنبى.
وبعد مضى عشر سنوات على حوادث «الربيع العربى». نجد أنه لا يوجد تفسير منطقى لما حدث بتلك الدول إلا أن حكام تلك الدول تمسكوا بالسلطة، فدخلت شعوبهم فى متاهات من الاقتتال والحروب، وتدخلت دول عظمى ودول الجوار، وانبعثت النعرات القبلية والطائفية، وانقسمت البلاد إلى شيع وعشائر ومنظمات تتقاتل من أجل الوصول للسلطة.
عندها تذكرت حكام مصر السابقين الذين تنازلوا عن عروشهم بسهولة ويسر دون أن تُراق قطرة دم واحدة، وهو نفس ما فعله الرئيس حسنى مبارك عندما أجبرته ثورة يناير ٢٠١١ على التنازل عن حكم مصر للقوات المسلحة، وانتقل الحكم إلى المجلس العسكرى بسهولة دون أن تُراق قطرة دماء بسبب التمسك بالحكم.
وقد تذكرت نشطاء ثورة يناير ٢٠١١ الذين لوثوا حوائط مبانى القاهرة وشوارعها بالعبارات البذيئة، وقارنته بما كان فعله أجدادهم النشطاء فى عهد الملك فاروق.
كانت المظاهرات تسير فى الشوارع وتهتف بسقوط الملك فاروق وأمه العاهرة، وكان فاروق يختنق عندما ترد إليه هذا المعلومات عن المظاهرات.. ذكر الحارس الشخصى للملك أنه نقل إلى كبير الياوران طلبًا بطلاء الجانب الأيسر من سور القصر، من ناحية السيدة زينب، باللون الأصفر، وعندما قام كبير الياوران بإبلاغ الملك، نظر له الملك وضحك، وسأله: وما سبب طلاء السور؟، فقال: يا مولانا هناك بعض الصبية قاموا بكتابة بعض الألفاظ تخدش الحياء، وتمس جلالتكم.
فقال الملك: لا داعى لطلائها قبل أن أراها بنفسى.
وقال الحارس: وانطلقنا بالسيارات إلى قصر عابدين، ووقفت سيارة الملك، وهبط منها ووضع يديه داخل جيوبه، ونظر باشمئزاز وحسرة إلى العبارات المكتوبة، وساد الوجوم بيننا، فقد كانت الألفاظ أبشع مما وصفه لى الضابط النوبتجى، فنظر الملك إلينا، وبعد أن ضحك ضحكة عالية حاول بها إظهار عدم المبالاة قال: هما جابوا إيه من عندهم؟
وأمر الملك بطلاء سور القصر فورًا.
والمعروف أن مصر الحديثة منذ عهد محمد على كان حكامها يتوارثون الحكم بموجب فرمان تركى من عاصمة الخلافة فى ذلك الوقت.
وكان الخديو إسماعيل، الذى تولى فى يونيو ١٨٦٧ إلى يونيو ١٨٧٩، أكثر انفتاحًا على الطابع الغربى، واشتهر بافتتاحه قناة السويس، بالإضافة لإعادة بناء مناطق فى القاهرة على الطراز المعمارى الأوروبى، وقد أدت سياسته السخية فى الاحتفالات وتطوير القاهرة على الطراز الأوروبى إلى جلب الديون على مصر.
ومع ذلك فقد تم إجبار الخديو إسماعيل على التنازل عن الحكم لصالح ابنه، الخديو توفيق، كما أجبرت بريطانيا الخديو عباس حلمى الثانى على التنازل عن العرش فى ديسمبر ١٩١٤، وسافر إلى جنيف بسويسرا ليقضى بقية حياته بها.
وهو ما فعله حفيده وآخر ملوك مصر من أسرة محمد على، الملك فاروق الأول، عندما وافق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد، عندما أجبره رجال ثورة يوليو ١٩٥٢ على التنازل عن الحكم فى يوليو ١٩٥٢، دون إراقة قطرة دماء واحدة، وكان طلبه الوحيد هو أن يخرج بأسرته معززًا مكرمًا، وكان فى وداعه بعض رجال الثورة الذى تآمروا عليه.
تحية لحكامنا السابقين الذين حافظوا على بلادهم.