رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدو الخفي.. أسرار منظومة الأمن السيبرانى فى إسرائيل

جريدة الدستور

خلال الأيام القليلة الماضية، تزايد الحديث فى إسرائيل عن استعدادات تل أبيب للحروب الإلكترونية، التى يمكن شنها على جهات حكومية وأمنية عبر الفضاء الإلكترونى، وذلك بعد التقديرات الاستخباراتية بأن الرد الإيرانى على عملية اغتيال العالم النووى، محسن فخرى زاده، قد يكون على شكل هجمة سيبرانية.
وازدادت المخاوف من تلقى هجمة سيبرانية قوية بعد قرصنة ملفات شركة التأمين الإسرائيلية «شيربيت»، مطلع الشهر الجارى، وطلب فدية ٤ ملايين دولار، مع تعرض ٤٠ شركة أخرى، الأحد الماضى، لهجمات سيبرانية، من بينها شركة الخدمات اللوجستية والإرساليات «أوريان»، التى أفادت بأنها تضررت من هجوم سيبرانى، وكذلك٣ شركات تنقل لقاحات كورونا إلى إسرائيل، ومع ترجيحات خبراء فى الأمن السيبرانى أن يكون منفذو الهجمات هم قراصنة إيرانيون، رفعت القيادة الإسرائيلية درجة الاستعداد، وكلفت بمراجعة استعدادات المنظومة الأمنية فى إسرائيل لمواجهة الهجمة السيبرانية المنتظرة، والتصدى لعمليات القرصنة عبر الإنترنت، وما يمكن أن تتسبب به من أضرار.
«الدستور» تستعرض فى السطور التالية تاريخ المنظومة السيبرانية فى إسرائيل، وأسباب تأسيسها فى خمسينيات القرن الماضى، ومخططات عملها، والجهات المسئولة عنها، بالإضافة إلى قدرات المنظومة على التصدى للهجمات المحتملة عبر الإنترنت.


تأسست فى خمسينيات القرن الماضى لتأمين المواقع الحكومية والعسكرية والاختراق المضاد

«إذا كنا فى الماضى نستطيع أن نحدد هوية من يهددنا، فإن الفضاء الإلكترونى القائم اليوم بات واسعًا، بعدما تغيرت كل قوانين اللعبة، فالتهديدات التى تواجهها إسرائيل فى هذا المجال تبدأ من محاولات أفراد قرصنة الإنترنت، وتنتهى بمحاولات منظمات كاملة لشن هجمات ضد إسرائيل».. بهذا علق نداف أرجمان، رئيس جهاز الأمن العام فى إسرائيل «شاباك»، قبل سنوات، على احتمالات تعرض تل أبيب لحروب سيبرانية.
ويعود اهتمام إسرائيل بتطوير قدراتها المعلوماتية والتكنولوجية إلى أواخر خمسينيات القرن الماضى، واستمر الاهتمام طيلة العقود التالية، خاصة فى العقود الأخيرة، وبعد تولى عاموس يادلين، رئاسة الاستخبارات فى الجيش الإسرائيلى، تزامنًا مع تولى مائير داجان رئاسة جهاز الاستخبارات الخارجية «الموساد».
وشهد العقد الأخير تأسيس الوحدة ٨٢٠٠، التى تعد العمود الفقرى فى جهود جمع المعلومات والتجسس التكنولوجى، عن طريق التنصت والتشويش على البث وتحليل الشفرات.
وحتى عام ٢٠٠٢، كانت مسئولية الدفاع عن شبكات الاتصال والحواسيب ضمن اختصاص «شاباك»، إلى أن أنشأت إسرائيل هيئة حكومية لحماية المعلومات، حملت اسم «هيئة السايبر القومية»، كما أنشأت فى عام ٢٠١٥ دائرة السايبر فى النيابة العامة.
وقالت الحكومة الإسرائيلية وقتها إن تأسيس الدائرة الجديدة يأتى فى ضوء الحاجة لتركيز الجهود فى مواجهة هجمات الإنترنت، مع العمل على جمع معلومات إلكترونية، بما فيها من مسائل تتعلق بمخالفات الكمبيوتر والبيانات الرقمية والتنصت وبيانات الاتصال، واتخاذ خطوات لمنع الأضرار الناجمة عن الأعمال المحظورة فى الفضاء الإلكترونى، بما فيها إزالة المواد الضارة وتصفيتها من نتائج البحث، واستبعاد مستخدمى الإنترنت الذين يمارسون أعمالًا محظورة، واتخاذ وسائل الحماية القانونية ضدهم.
وتكلفت الدائرة السيبرانية فى النيابة العامة الإسرائيلية بالعمل مع عدد من الهيئات، من بينها الشرطة والأجهزة الأمنية، وديوان رئيس الحكومة، وسلطة القضاء والتكنولوجيا والمعلومات، وقسم الاستشارة والتشريع فى وزارة القضاء، ولجان البرلمان، وشركات تزويد خدمات الإنترنت، والهيئات الموازية فى العالم، والمنظمات العالمية العاملة فى المجال.
وبالتوازى مع ذلك، أنشأت إسرائيل عدة وحدات للتصدى للحرب الإلكترونية، منها وحدة «متسوف»، وهى وحدة التحكم والسيطرة والإدارة، التى تعد بمثابة ذراع إسرائيل للحرب الإلكترونية، والمسئولة عن تنفيذ معظم الهجمات الإلكترونية التى يشنّها الجيش الإسرائيلى، كما أنشأت وحدة ٨٢٠٠، وهى وحدة سرية تُصنف ضمن مجموعة من أفضل ٦ أجهزة على مستوى العالم فى المبادرة بالهجمات الإلكترونية.

تعمل بتنسيق بين الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية.. وتضم نخبة الهاكرز حول العالم
بعيدًا عن مواجهة الهجمات الإلكترونية، تعمل الأجهزة والأذرع السيبرانية فى إسرائيل على مواجهة الأخطار الأمنية والتعاون الوثيق بين الجيش و«الموساد» و«شاباك»، وتبادل المعلومات مع أجهزة ووكالات استخبارات عالمية وأجنبية، مع تشديد الرقابة على كل الاتصالات الإلكترونية الواردة إلى إسرائيل، ومنها الجهات الخارجية، لمنع الوصول إلى المواقع والمعلومات الإسرائيلية.
وقال نداف أرجمان، رئيس «شاباك»، لصحيفة «إسرائيل اليوم»، إن جهاز الأمن العام فى إسرائيل، وبالتعاون مع باقى أذرع الأمن فى شعب الاستخبارات، يبذلون جهودًا مشتركة لمواجهة التحديات فى المجال السيبرانى.
وأشار إلى أن الجهاز يبذل جهودًا كبيرة لتجنيد قراصنة حواسيب وتوفير الحماية لهم، لإقامة منظومة تساعد المقاتلين الإسرائيليين على الأرض، لافتًا إلى أن المواجهة فى هذا المجال ليست ضد الحواسيب، وإنما ضد من يقوم بتشغيلها. وحسب كتاب «حرب السايبر والأمن القومى الإسرائيلى»، لمؤلفه الجنرال احتياط جابى سيبونى، والذى نشره معهد أبحاث الأمن القومى فى تل أبيب عام ٢٠١٤، فإن الجيش الإسرائيلى يعمل سنويًا على تأهيل مئات الجنود والضباط للعمل فى مجال الحرب الإلكترونية، وذلك فى إطار الدوائر الاستخباراتية والتنصت.
وقال «سيبونى»، فى كتابه، إن إسرائيل، رغم قدراتها فى مجال حرب المعلومات، تواجه مشكلتين تقنيتين، إحداهما أن كل شىء يُدار بواسطة الشبكات الإلكترونية، مثل الكهرباء والبنوك والبورصة والطيران، ما يعنى أن إلحاق الضرر بإحداها يعنى خسائر هائلة، والأخرى أن كل الشبكات تعتمد على التواصل مع الخارج، ما يعنى صعوبة حمايتها.
وأضاف أن ذلك هو ما يدعو الجيش لأخذ مسألة الأمن السيبرانى على محمل الجد، من خلال شعبة تكنولوجيا المعلومات، المسئولة مباشرة عن توفير سبل الحماية من الاختراق، كما يفسر ما مرت به شبكة الحواسيب العسكرية من تطوير كبير فى السنوات الأخيرة.
وأشار «سيبونى» إلى أن هذه الأهمية هى ما دفعت الجيش الإسرائيلى إلى جمع فرق النخبة من «هاكرز» الكمبيوتر لمواجهة الحرب الإلكترونية وعمليات القرصنة، وتجنيد أكثر من ٣٠٠ خبير حاسوب لتعزيز قدراته فى مجال الحرب الجديدة، فى خطة متعددة السنوات. وكشف الكتاب عن إنشاء الحكومة الإسرائيلية وحدة خاصة مسئولة عن تحسين الدفاعات التقنية وتنسيق وتطوير البرمجيات، وتعزيز العلاقات بين الدفاعات المحلية فى الجيش والشركات التكنولوجية.
كما كشف عن اهتمام الجيش الإسرائيلى بالبحث عن شباب يهودى يعيش فى الخارج من ذوى الخبرات والمؤهلات فى المجال الإلكترونى، من أجل إقناعهم بالهجرة إلى إسرائيل، واستيعابهم فى سلاح الأمن الإلكترونى.
كما ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن الجيش يشن حملة دعائية فى عدة دول، تتواجد بها نسبة كبيرة من الشباب اليهود، من أجل التأثير عليهم ومحاولة إقناعهم بالهجرة والتطوع فى الخدمة فى سلاح الأمن السيبرانى.

صادرات الأمن التقنى تدر ذهبًا للدولة العبرية.. وتمثل 11% من ناتجها المحلى

عن استفادة إسرائيل من قدراتها فى مجال الأمن الإلكترونى، وصفت صحيفة «كالكيلست» العبرية، فى أحد تقاريرها، التقنيات المتقدمة فى مجال الأمن السيبرانى بأنها أصبحت مثل «الدجاجة التى تبيض ذهبًا لإسرائيل».
ونقلت عن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قوله إن على إسرائيل أن توظف صناعة التقنيات المتقدمة فى تعزيز علاقاتها مع دول العالم، خاصة دول آسيا، مطلقًا على ذلك وصف «دبلوماسية التكنولوجيا».
وأشارت الصحيفة إلى أن صناعة التقنيات المتقدمة تمثل ١١٪ من الناتج المحلى الإجمالى لإسرائيل، وتشغل ٩٪ من الموظفين لديها.
وحول قدرات إسرائيل فى هذا المجال، قال تقرير صادر عن مؤتمر «سايبرتيك»، الذى يعد ثالث أهم مؤتمر عالمى يناقش القضايا المتعلقة بالحرب الإلكترونية، وانعقد عام ٢٠١٧ فى تل أبيب، إن الجيش الإسرائيلى يعد المصدر الرئيسى للقوى البشرية التى تستعين بها الشركات الإسرائيلية المتخصصة فى مجال الفضاء الإلكترونى والتقنيات المتقدمة.
وأشار التقرير إلى أن الضباط والجنود، الذين يعملون فى الوحدات العسكرية المتخصصة فى مجال الحرب الإلكترونية، يتحولون بعد تسريحهم من الجيش إلى مصدر القوى البشرية العاملة فى مجال الأمن الإلكترونى.
ولفت إلى أن شركات التقنية والإلكترونيات الإسرائيلية تحرص بشكل خاص على استيعاب الضباط الذين تم تسريحهم من «وحدة ٨٢٠٠»، المسئولة عن التجسس الإلكترونى فى شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، وذلك بسبب خبراتهم الكبيرة التى اكتسبوها أثناء خدمتهم العسكرية.