رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإبداع بين الجامعة ورجالها




فى عام ١٩٨٨ ترجم الأديب الراحل الدكتور حامد أبوأحمد رواية «من قتل بالومينو موليرو» للكاتب ماريو بارجاس يوسا، وهى رواية بوليسية تتحرى عن قاتل، وليست أفضل أعمال الكاتب، وقد ترجمها المترجم الفلسطينى مرة أخرى عام ٢٠١١.
للأسف صودرت الرواية فى عهد مبارك، بعد أن نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب فى فبراير عام ١٩٨٨، والسبب، حسبما أشيع فى تقرير المصادرة، هو ورود كلمتين جنسيتين فى مشهد جنسى فى الرواية. كان ذلك سببًا فى عزوفه عن ترجمة الروايات كلها بعد ذلك بل عن الترجمة عمومًا.
وقتها كان الدكتور حامد أبوأحمد يعمل بجامعة الأزهر، وقد أحالته الجامعة لمجلس التأديب بالجامعة وتعرض لكثير من المضايقات. ربما كان السبب الحقيقى أن الشخصية الرئيسية فى الرواية كانت جنرالًا فى القوات المسلحة وطيارًا أيضًا، وربما كان هذا سببًا لإنزال العقاب على الدكتور حامد أبوأحمد، واعتبروه إسقاطًا على شخص الرئيس مبارك فى ذلك الوقت.
وبعد اثنين وثلاثين عامًا، وفى عام ٢٠٢٠ تكرر نفس الموقف مع الدكتور عبدالرحيم درويش، عضو الاتحاد، أستاذ الإعلام فى جامعة بنى سويف، فلا يعقل أن تحيل جامعة بنى سويف أستاذًا بها إلى مجلس تأديب ثم المحاكمة التأديبية لمجرد أنه قام بتأليف رواية.
ربما كانت هناك دوافع أخرى دفعت رئيس الجامعة إلى هذا القرار بتحويل الأستاذ إلى مجلس تأديب بصدد تأليف رواية، خلاف ما قيل بأن فيها بعض العبارات الجنسية، وبأنها تتماس مع الدولة، وتنحاز إلى أفكار الإخوان المسلمين، وهى أشياء حتى لو صحت فلا يمكن أن تؤدى بصاحبها إلى المثول أمام مجلس تأديب، ثم المحاكمة التأديبية، لأنها أشياء لا تزدرى العمل الأدبى كعمل خيالى يعتمد أكثر ما يعتمد على أفكار تدور فى ذهن الكاتب ويعبر عنها بطرق خيالية، تمامًا كما فعل الدكتور عبدالرحيم فى روايته، حيث تصور قيام النساء بالسيطرة على مقاليد البلاد فى عام ٢٦٦٦٦، وفى ذلك تقوم ثورة بقيادة رجل تعرض للظلم على يد النساء، وهى فكرة تداعب خيال الكتاب، وعبر عنها الكثير من الكتاب. وقد عانيت شخصيًا من تعسف جهة الإدارة فى تفسير بعض أحداث روايتى «يوميات ضابط فى الأرياف»، فنسبت الإدارة لى فى اتهاماتها أشياء مضحكة، ومنها الإساءة إلى ضباط الشرطة وإلى أمناء الشرطة، وإلى مفتشى الداخلية وإلى رجال النيابة. كانت الإدارة تريد أن تستعدى على شخصى كل الفئات التى جاء ذكرها فى روايتى، ونسيت الإدارة أن هذا عمل خيالى.
آن الأوان أن تتحرر الإدارة المصرية من أفكار محاكم التفتيش التى سادت فى غرب أوروبا فى أعقاب الحكم الإسلامى، للبحث عما يخفيه الشخص داخل قلبه، وأن تترك الكتَّاب والمبدعين لخيالهم، لعلهم يبدعون أدبًا يصير للعالمية كما فعل أديبنا الكبير نجيب محفوظ.
ولا شك أن الحرية التى وفرتها الدولة المصرية للكاتب والكتاب فى مصر، بأن منعت الرقابة عليه، تتعارض مع الأفكار التى لا تزال تتغلغل داخل عقول بعض قياداتها، خصوصًا رجال الجامعة.
الرواية التى نحن بصددها هى «اثنان وأربع ستات» وهو عنوان مخادع لا يشى بشىء إلا إذا أخبرنا الكاتب بأن الرواية تدور أحداثها فى عام ٢٦٦٦٦ والعصر الذى تدور فيه هذه القصة هو شهر ٦ عام ٢٦٦٦٦، وهنا ندرك معنى عنوان الرواية ٢٦٦٦٦ فهى اثنان وأربع ستات، وهذا العصر كما تخيله الدكتور درويش هو عصر المرأة فى مقابل عصر الرجل فى القرن العشرين الميلادى.
«اثنان وأربع ستات» ليست الرواية الأولى للكاتب الدكتور عبدالرحيم، فله عدة روايات أخرى منها: «الغيبوبة، نفوس متمردة، النزيل الجديد اسمى رباب، وثلاثية سارة والعسكر وأوهام النصر وأصداء الخيال»، وله مجموعتان قصصيتان هما «أميرة فى الخيال» و«صديقى الوزير».