رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عبدالعزيز يكتب: نهاية كل خائن

محمد عبدالعزيز
محمد عبدالعزيز



مؤيد الدين بن العلقمى هو وزير الخليفة العباسى المستعصم، الذى خطط للقضاء على الدولة العباسية، مستغلًا مكانته وضعف الخليفة لتنفيذ مؤامراته ضد دولة الخلافة، ولتنفيذ مؤامرته، عمل بن العلقمى على إضعاف الجيش بقطع أرزاق الجند وتقليل عددهم، كما أنه تعاون مع الأعداء من التتار فكشف لهم مكامن الضعف فى الدولة، أما المرحلة النهائية فى مسلسل تآمر بن العلقمى فقد كانت بأن أشار على الخليفة بالخروجِ إلى هولاكو قائد التتار، لمصالحته على نصف خراج العراق.
استجاب المستعصم للنصيحة، فخرج فى سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان، فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومن معه من قواد الأمة وطلائعها من دون أى جهد من التتار، ثم دخلوا بغداد فقتلوا جميع من قدروا عليه.
لا يعنينى كثيرًا الآن- وإن كان الأمر لا يخلو من دلالات مهمة- إلى أى مذهب كان ينتمى بن العلقمى، ولا ماذا كان هدفه من تدمير الدولة العباسية، ولكن ما أود توضيحه فى هذا السياق هو نهاية هذا الخائن.
فهذا هو ابن كثير يقول فى كتابه البداية والنهاية (ج١٣- ص ٢٠٠٥)، عن الوزير الخائن بن العلقمى: ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدى التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وقد رأته امرأة وهو فى الذل والهوان، وهو راكب فى أيام التتار برذونا- دابة شبيهة بالبغل- وهو مرسم عليه وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت المرأة إلى جانبه وقالت له: يا بن العلقمى أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟ فوقعت كلمتها فى قلبه وانقطع فى داره إلى أن مات كمدًا وغمًا وضيقًا وقلة وذلة، وقد سمع بأذنيه ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف.
تعرفون أيضًا قصة «يهوذا الإسخريوطى»، أحد تلامذة السيد المسيح الذى لم يحفظ العهد معه، فخانه بعد أن علمه- عليه السلام- تعاليم المسيحية، سلم يهوذا السيد المسيح مقابل ثلاثين قطعة فضية، حيث كان يهوذا يعرف أماكن اختلاء السيد المسيح بتلاميذه، فاستغل ذلك ليوشى به ويسلمه، بعدها شنق يهوذا نفسه فسقط وانسكبت أحشاؤه جزاء خيانته.
الكاتب الإنجليزى الأشهر ويليام شكسبير كتب فى مسرحيته الرائعة «يوليوس قيصر» تلك الجملة الشهيرة على لسان البطل حين اجتمعت أيادى المتآمرين لقتله وطعنوه بلا رحمة: «حتى أنت يا بروتوس»، وبروتوس هذا ليس إلا ابن أخت القيصر والمقرب إلى قلبه. فخاله القيصر نفسه هو من ضمه لمجلس الشيوخ الذى تآمر عليه، وكان واحدًا ممن أجهزوا على حياته، ثم تأتى نهاية المتآمر بروتوس مأساوية أيضًا، إذ أقدم على الانتحار بعد أن فشل فى معركته الثانية أمام الملك فيليب عام ٤٢ قبل الميلاد.
كثيرة هى القصص المشابهة للخونة ولنهاياتهم المأساوية، تتكرر القصص بأسماء مختلفة وبعض التفصيلات الصغيرة، غير أنها فى النهاية تبدو كسيناريو متكرر يدبره القدر لردع غيرهم ممن قد يوسوس لهم شيطانهم بخيانة أرضهم أو عرضهم أو أوطانهم.
كم أثرت الخيانات فى تاريخ الأمم، وكم أسقطت من ممالك وحضارات، وكم مات من الأبرياء بسبب خيانات بعض البشر، صحيح هذا، لكن القارئ للتاريخ والدارس لأحداثه ووقائعه يستطيع ببصيرته أن يدرك نهايات الخونة، وكيف ينتهى بهم الطريق نهايات بشعة تشفى غليل من تعرضوا لخياناتهم ونكرانهم، إنها رسالة من التاريخ- ليس أكثر- نهديها لكل من تسول له نفسه خيانة أمته ومحاولة إضعافها أو التفريط فى حقوقها.
قد نستهجن كل صور الخيانة، سواء أن يخون الفرد صديقًا أو قريبًا أو محبوبًا، لكن أبشع صور الخيانة وأكثرها استهجانًا هو أن يخون الفرد أمته، والأسوأ- فى وجهة نظرى المتواضعة- هو أن يخون المرء قناعاته، لينال منصبًا أو يستحوذ على مكانة أو أن يتربح ما ليس له.
نهاية كل خائن هى نفسها نهاية بن العلقمى، وإن اختلف شكل هذه النهاية بصورة أو بأخرى. فعلى من يغيرون اليوم قناعاتهم فى عالمنا أن يعوا درس بن العلقمى جيدًا، وأن يقبضوا على الجمر، حماية لمعتقداتهم وصونًا لترابهم الوطنى، وحرصًا على ألا يلعنهم التاريخ كما نلعن اليوم كل من خان أمته أو فرط فى حق وطنه.
إن أولئك الذين باعوا أهلهم وأوطانهم وذهبوا إلى حيث القنوات العميلة، أو إلى هذه الدولة المعادية أو تلك ليشوهوا وطنهم وليحاربوا رموزه هم بالقطع لم يعوا درس ابن العلقمى وأمثاله من الخونة.
فليس لهم إذن أن يندموا حين تدور عليهم الدوائر، وسيعرفون يومًا أنهم فرطوا فى حق وطنهم واستهانوا بمستقبل ذويهم من أجل حفنة دولارات، أو سعيًا وراء ظهور فى فضائيات، أو إيمانًا بقناعات مضللة سيعرف هؤلاء حتمًا أن لا شىء يساوى حفنة من تراب الوطن، وبالقطع سيكون ندمهم يوم لا ينفع الندم.

دوري ابطال اوروبا

365Scores.comمزود من

الدوري السعودي

365Scores.comمزود من

الدوري الانجليزي

365Scores.comمزود من

الدوري الاسباني

365Scores.comمزود من