مراجعة فيلم «the father».. عندما فقد «هوبكنز» عقله ليمتعنا
• سأله المحاور: هل الأمر يشبه متلازمة أسبرجر؟
- «لا يمكن أن أقارن هذا بذاك، ولكن هي فقط طريقة مختلفة لرؤية الأمور. حسنًا، تم تشخيص إصابتي بمرض أسبرجر، لكنني أفضل حالًا. الكثير من الأشخاص المصابين بمتلازمة أسبرجر يتمتعون بأداء وظيفي عال، لكنهم غير متسقين. لديهم عادات عصبية. أفراد أسبرجر يميلون إلى أن يكونوا مبدعين أو معاقين بشدة. لا أعرف ما إذا كان هذا صحيحًا بالنسبة لي، لكنني أعلم أنه لا يمكنني أن أشعر بالراحة أبدًا. أميل إلى تعدد المهام. أكون قد قررت أنني لن أرسم وبعد ذلك سأقضي 24 ساعة في الرسم».
• هل أدركت بشكل مبكر أن عقلك يعمل بشكل أفضل مع التمثيل والأعمال الفنية المتعلقة به أكثر من أمور التجارة؟
- «أعتقد ذلك، لم أكن أعرف بالأساس أن متلازمة أسبرجر لها وجود، أبي كان يعمل خبازا، لكن لم أكن متأكدا مما أكون؟ أدى هذا إلى سنوات من انعدام الشعور بالأمن وكذلك الفضول، لم يمكنني الاستقرار في مكان، كنت مضطربا وأسبب المتاعب، لقد نضجت الآن، وأصبحت أشعر بالسلام أكثر مع نفسي، ولكن مازال هذا السؤال يلح على عقلي.. هل من المفترض أن أفعل هذا؟ حسنا أنا الآن مقبل على عامي الـ79، لذا أعتقد أنني فعلت ما ينبغي، لا أعتقد أن هناك أي معنى في الحياة».
المقاطع السابقة من حوار النجم العالمي أنتوني هوبكنز، مع صحيفة «ديزرت صن» المحلية الأمريكية، قبل 3 سنوات، تحدث فيه عن طريقة تعامله مع الفن سواء كان تمثيل أو رسم أو موسيقى، وعن بدايات حياته وطفولته التي كان يعاني فيها من «عسر قراءة».
تكوين أنتوني هوبكنز جعله الممثل الفريد الذي نشاهده على الشاشات، ونستمتع بأعماله، جعله هو حتى يجيد أدواره بشكل رائع.
اتحد هذا التكوين النفسي والعقلي، مع رؤية الروائي والكاتب والمخرج المسرحي الفرنسي فلوريان زيلر، والذي يخوض تجربة الإخراج السينمائي لأول مرة من خلال فيلم the father والذي اختارته إدارة مهرجان القاهرة السينمائي في نسخته الـ42، ليكون فيلم الافتتاح، وهو العرض الأول له في إفريقيا والشرق الأوسط.
العمل مزج بين الفن الإنجليزي والطابع الفرنسي، وهذا كان بالطبع وراءه اشتراك الكاتب الإنجليزي كريستوفر هامبتون في كتابة السيناريو، الذي يحكي قصة مريض بـ ألزهايمر، وكيف هو شكل حياته.
يشارك أنتوني هوبكنز في بطولة الفيلم النجمة البريطانية أوليفيا كولمان، والنجم البريطاني روفوس سيويل.
من شدة تمسك المخرج الفرنسي بـ أنتوني هوبكنز لأداء الدور، أطلق اسم «أنتوني» على بطل العمل. نرى اتحاد الأسلوب المسرحي، مع نجم كان مصابا بعلة عقلية، يجسد دور مريض عقلي! نحن أمام قطعة فنية غنية ومشبعة بكل ما يحتاجه محبو السينما للاستمتاع.
• قصة الفيلم
«لن تشعر بما يمر به الآخرين حتى تمر به».. هذه هي الطريقة التي اختارها المخرج الفرنسي لعرض الفكرة، هو لم يدع لك مجالا لتتخيل كيف يرى مريض ألزهايمر الحياة، بل صنع لك الخيال، صنع العالم نفسه الذي يسكن عقل مرضى هذا النوع من الخرف.
الفيلم يحكي قصة أب (أنتوني) يعيش مع ابنته الوحيدة (آن)، بينما كان هناك ابنة ثانية وهي الصغرى (لورا)، وقد توفيت في حادث، الأحداث تدور في مسارين، أحدهما أن ابنته متزوجة منذ سنوات، والأب يعيش معهما، ولكن الزوج يريد أن يدخله دار مخصصة لرعاية حالته، والمسار الآخر، يرى ابنته على علاقة بشاب فرنسي (بول)، وتريد أن تأتي له بممرضة لرعايته خلال تواجده في المنزل، بينما يسعى حبيبها لدفعها لإداع والدها في المشفي لحاجته للرعاية، وكلا المسارين يؤديان لنفس النتيجة، أن هذا الآخر الذي يرافق ابنته يريد أن يبعده.
خلال الأحداث نرى البطل أنتوني، يعيش مواقف معينة، وبعد ذلك يظهر من يخبره أن هذا لم يحدث، ثم يعود ليمسك بتفاصيل أخرى، ثم يتبين بعد ذلك أن ليس لها وجود، يبدأ في الشعور بنوع من العصبية، ويظن أن هناك مؤامرة تحاك ضده، في وقت من الأوقات ينهار البطل، لا يعرف ماذا يحدث معه، يتعرض للسرقة ثم يتبين له من خلال حوار آخر مع ابنته أنه لم يُسرق. يضع الحوار الذي في مخيلته على لسان أشخاص، ثم يراه مرة أخرى على لسان آخرين، ينتظر عودة ابنته المتوفاة من السفر ليراها. الأمر محير جدا في عقله، لا يمكنه أن يميز الحقيقة من الخيال، يظن أنه يعيش في منزله، ثم يخبره أحدهم أنه يعيش مع ابنته، وفي نهاية المطاف يظهر أمر مختلف!
طوال الفيلم استعان المخرج بـ«ساعة» تملكها الشخصية الرئيسية، للتعبير من خلالها عن بعض جوانب أعراض مرض ألزهايمر، مثل اعتقاده أكثر من مرة أن الساعة سرقت، وكذلك الأماكن التي يتركها فيها ولا يذكر وجودها، أو حتى الأماكن الغريبة لإخفاء الأشياء، ليحميها من الضياع، كما استعان المخرج بنفس الساعة ليخلق من خلالها مواقفا كوميدية.
واستعان المخرج بالنافذة ومنظر خارجي للشارع لكي يؤكد للمشاهد أن المكان واحد لم يتغير، لأن «أنتوني» بطل العمل في بعض الأوقات كان يعتقد أنه في منزله، ومرات أخرى في منزل زوج ابنته، ولذلك من خلال المنظر الخارجي كان يوضح أن الأماكن جميعها واحد لم ينتقل من مكان لآخر.
التجربة في الفيلم توضح مراحل تطور حالة مريض ألزهايمر وصولا للمرحلة التي يحتاج فيها لرعاية طبية، بالطبع هناك الكثير من الأحداث التي يذكرها بطل العمل قد وقعت بالفعل، وبعضها وهم من عقله، هو يمكنه أن يتذكر بعض الأشياء، وعقله ينكر بعضها، ولكن خلال مشاهدتك للعمل لن تستطيع التمييز بينها.
في أحد المشاهد سيظهر النجم روفوس سيويل الذي يؤدي شخصية «بول» وهو يضرب «أنتوني» الأب المريض، ستشعر بتعاطف كبير مع «أنتوني» ولكن مع ذلك أنت لم تفهم إن كان قد حدث بالفعل أم أنه فقط اختلقه من عقله.
• سحر المخرج والمؤلف
بالطريقة المسرحية والأسلوب المباشر، وضع المؤلفان خلال الأحداث كافة الأعراض التي يمر بها مريض ألزهايمر، وتلك المشاعر المتضاربة، وصولا للحظة تحول البطل لطفل يريد أمه حتى يشعر بالأمان، وهو ما نفذه أنتوني هوبكنز ببراعة شديدة.
• تلبس الدور
بتمكن شديد نجح أنتوني هوبكنز في تقديم الدور، الانتقال بالانفعالات من حالة لأخرى بشكل بسيط للغاية، لم يكن هناك أي افتعال، يُضحِك المشاهد ويبكيه، يسره ويحزنه، يجعلك تشعر أنت نفسك بالحيرة، والقلق، والهوس. هي محاولة ممتازة لوضعك في مكان الآخر.
• صعوبة التمييز بين الوهم والحقيقة
تجربة التعامل مع العقل، مزعجة جدا، لأن أصحاب الأمراض العقلية لديهم أزمة كبيرة في أن يستوعبوا أن العالم من حولهم مختلف عن الذي يعتقدوه، التجرية بطريقة أخرى ظهرت في فيلم take shelter الذي أطلق عام 2011، ويحكي قصة شخص خرَّب حياته كلها حرفيا، لأنه كان يعتقد أن هناك إعصار قوي قادم سيدمر مدينته بالكامل، وظل يحذر من حوله من ذلك، وقرر أن ينفق كل أمواله ويرهن منزله للحصول على مال لتجهيز ملجأ تحت الأرض ليحميه وأسرته من هذا الأمر. اعتقد الجميع أنه مريض نفسي، هو نفسه اعتقد ذلك، ومع توالي الأحداث يتبين العكس، كان يتنبأ.
• الاحتيال في «زهايمر»
الفكرة عرضت بطريقة أخرى بفيلم «زهايمر» للنجم عادل إمام، حيث حاول أبناؤه على دفعه للاعتقاد بأنه مريض بـ ألزهايمر حتى يحصلون على أمواله، وبالتالي افتعلوا أمورا كثيرة ليدفعوه للاعتقاد بأنه مريض بـ ألزهايمر، ولكن في الأخير فشلوا.
إجمالا الفيلم يقدم تجربة فنية مميزة، تناسب محبي السينما والفن والذين يغرقون في تفاصيل الشخصيات والأعمال، لكنها لا تناسب الباحثين عن التشويق والإثارة والأعمال الخفيفة.