أخطر فيلم في مهرجان "القاهرة": كيف تدفع ابنك إلى الانتحار؟!
تنقسم معظم أفلام المهرجانات، ومنها مهرجان القاهرة، إلى برامج يتعين على المتابع لها أن ينتبه و"يذاكر" هذه البرامج وأفلامها، قبل أن يستقل الأتوبيس أو التوكتوك الذي سيتوجه به للمهرجان. والتوكتوك ليس مزحة، ففي مهرجان "الجونة" يتحرك الحاضرون عادة داخل المنتج/ المدينة بالتوكتوك أو بتاكسي لندن الفاخر في مشهد سيريالي ظريف في الحالتين!
هذه البرامج التي يتضمنها المهرجان تهدف إلى تغطية ( والأصح أن نقول كشف) مساحات مختلفة من المشهد السينمائي العالمي، وتلبية احتياجات وأذواق المتابعين له. كما أنها يجب أن تكون واضحة للجمهور وهو يتصفح برنامج العروض لاختيار الأفلام التي يشاهدها.
مهرجان القاهرة، مثلا، كان لسنوات طويلة يتضمن ثلاثة برامج رئيسية: مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. قسم مهرجان المهرجانات الذي يضم أفلاما شاركت، وفازت غالبا، بجوائز مهرجانات أخرى سابقة، وقسم البانوراما الذي يتضمن أي شىء آخر، من تمثيلات جغرافية لبعض الدول، إلى أفلام جيدة لم تستطع دخول المسابقة، إلى أفلام للمكرمين، إلى مجاملات لبعض اللحوحين..إلى آخره.
"كان" أو لا "كان"..هذه هي المشكلة!
لكن المهرجان غير برامجه منذ عام 2014، على يد الناقد الراحل سمير فريد، الذي أعاد صياغته على شاكلة مهرجان "كان"، فأضاف قسما اسمه "القسم الرسمي خارج المسابقة" وقسما اسمه "أسبوع النقاد"يضم سبعة أفلام على سبعة أيام، وقسما اسمه "سينما الغد" يضم أفلاما قصيرة للشباب، بجانب قسم آخرلا يوجد في "كان" اسمه "آفاق السينما العربية" للأفلام العربية الجديدة، على أن يكون لكل واحد من هذه الأقسام ميزانية محددة، ومدير فني مستقل يمكنه أن يعمل على زيادة هذه الميزانية بمفرده، عن طريق الرعاة والتبرعات والتذاكر.
لكن الأستاذ سمير سرعان ما غادر المهرجان بعد عام واحد، وجاءت الدكتورة ماجدة واصف والراحل يوسف شريف رزق الله. وحافظ الاثنان في البداية على المهرجان كما أعاد صياغته سمير فريد، لكن هذه الأقسام تحولت إلى عبء إضافي لأن المسئولين عنها لم يستطيعوا جلب دعم ولا ايرادات تغطي ميزانيتهم، فحاولت ماجدة واصف أن تتخلص منها وتعيد المهرجان لشكله المختصر المفيد القديم، وحدثت اعتراضات كثيرة أدت بها إلى التراجع وابقاء الحال على ما هو عليه.
وهكذا نصل إلى دورة هذا العام والبرامج التي تتضمنها: بجانب البرامج السابقة يوجد قسم اسمه "أفلام منتصف الليل" يضم سبعة أفلام رعب على سبعة أيام، تعرض بعد منتصف الليل، وهو قسم أضيف منذ عدة سنوات لجذب جمهور الشباب إلى المهرجان وتحقيق بعض الايرادات.
هناك برنامج اسمه "عروض خاصة" وبرنامج اسمه "البانوراما الدولية" وبرنامج أفلام المكرمين الثلاثة كريستوفر هامبتون ووحيد حامد ومنى زكي وبرنامج "مئوية فلليني" وبرنامج أخير اسمه "أفلام ألكسندر سوكورف" ( رئيس لجنة التحكيم).
هذه المجموعة متداخلة المعالم بالنسبة لمرتادي العروض، سواء الجمهور العادي أو النقاد والسينمائيين، وليس واضحا الفارق بين الأقسام الثلاثة: "القسم الرسمي خارج المسابقة" و"عروض خاصة" و"البانوراما الدولية"، خاصة أن ترتيبها بهذا الشكل يشير إلى أنها مرتبة وفقا لمستواها الفني، وليس وفقا لأنواعها وفئاتها، وبالتالي يمكن أن يقوم المشاهد الذي يرتب أولوياته باستبعاد بعضها.
هناك مفهومان مختلفان وراء هذه البرامج: المفهوم الذي وضعه سمير فريد على نهج مهرجان "كان"، وهو تقسيم المهرجان إلى إدارات شبه مستقلة تتكامل ولكن تتنافس فيما بينها على جذب المشاهدين. وهؤلاء المشاهدين في "كان" كثيرين ومتنوعين جدا، ولذلك يحاول المسئولون عنه توسيع حدوده لأقصى درجة ممكنة لاستيعاب عشرات الآلاف من المشاهدين، ومصالح وأذواق وميول هؤلاء المشاهدين. وفوق كل هذه البرامج وغيرها يوجد في "كان" و"برلين" مثلا برنامج ضخم جدا اسمه السوق، حيث يتبارى المنتجون والموزعون بأعمالهم الجديدة، ولا مثيل له في مهرجانات مصر لأنه لا يوجد سوق ولا يحزنون.
المفهوم الثاني هو مركزية الادارة بحيث توضع كل الأفلام تحت مظلة رئيسية قوية وتحتها مظلات أو فروع أصغر، وهو مفهوم يناسب المهرجانات الصغيرة، حجما لا قيمة، ذات الجمهور المحدود. "الجونة"، مثلا، أغنى من "القاهرة" ولكنه يعتمد هذا المفهوم.
الذي يحدد مفهوم أي مهرجان عن نفسه يجب أن يكون طبيعة جمهوره ومرتاديه وليس هوى المنظمين له، بمعنى أنه لا ينفع أن أقيم مهرجانا عملاقا في قرية صغيرة، أو بلد ليس به جمهور سينما، ومصير "دبي" و"أبو ظبي" ماثل فى الأذهان، وحتى اختيار الأفلام التي توضع في هذه البرامج يجب أن يلبي احتياجات الجمهور ( احتياجاته وليس رغباته، والفارق يجب أن يكون واضحا، فالجمهور غير المثقف يحتاج إلى جرعة ثقافة حتى لو لم يكن راغبا فيها).
في مهرجان "القاهرة" نلاحظ أن المفهومين يتداخلان، وهذا طبيعي نظرا لعمر المهرجان الطويل وحجمه وسمعته، ولكن أتصور أن يقوم المسئولون عن المهرجان باعادة النظر في شكله الحالي، وفقا لطبيعة جمهوره التي تنمو وتتغير عاما بعد آخر.
آفاق السينما العربية..إلى أين؟
أحد البرامج التي وضعها سمير فريد هو "آفاق السينما العربية"، وقبل ذلك كانت لجنة التحكيم تختار جائزة أفضل فيلم عربي من بين كل الأفلام العربية المعروضة في المهرجان، وهناك مهرجانات عربية أخرى تمنح جائزة لأفضل فيلم عربي في كل مسابقة على حدة، مثل "الجونة"، وبشكل عام هناك مشكلة تتعلق بهذه الجائزة تحديدا في معظم المهرجانات.
قسم "آفاق السينما العربية" يضم هذا العام ستة أفلام، ولكن هناك أفلام عربية أخرى تشارك في المسابقة الدولية وأسبوع النقاد، وهذه الأفلام قد تكون، وغالبا تكون، أفضل من الأفلام التي تشارك في قسم "آفاق السينما العربية" ولكنها محرومة من جائزة أفضل فيلم عربي!
معنى ذلك أن الفيلم الفلسطيني "غزة مونامور" أو الفيلم المصري "عاش يا كابتن" المشاركان في المسابقة الدولية يمكن أن يحصلا على الجائزة الدولية، ولكنهما لا يستطيعان الحصول على الجائزة العربية (الأصغر)، وفي حالة خروجهما من الجوائز الدولية بلا جوائز، فهما سيخرجان من المولد "بلا حمص" بينما تحصل أفلام "أضعف" على الجوائز العربية، وهذا أمر غريب وظالم.
أخطر فيلم في المهرجان
من أفلام المسابقة المهمة في دورة هذا العام الفيلم المكسيكي "50 أو حوتان يجتمعان على الشاطىء" للمخرج الشاب خورخي كوتشي، الذي يتناول واحدة من أخطر مظاهر عصرنا، وهي ألعاب الفيديو والانترنت وتأثيرها الضار على الأطفال والمراهقين، وبالتحديد أخطر لعبة ظهرت حتى الآن وهي "الحوت الأزرق" Blue Whale، التي اخترعها صبي روسي معتوه اسمه فيليب بوديكين لم يخف نيته الأصلية من تصميم اللعبة وهي دفع لاعبيها إلى الانتحار، وبالفعل تسببت اللعبة في انتحار عشرات المراهقين في عدد كبير من البلاد منها روسيا وفرنسا والمكسيك وفي بلاد عربية منها المغرب والسعودية ومصر، التي انتحر فيها ابن النائب البرلماني حمدي الفخراني منذ عامين. وقد تسببت هذه الحوادث في كثير من الضجة واعادة النظر في القوانين ووسائل التربية في هذه البلاد وغيرها.
يروي فيلم "50 أو حوتان يجتمعان على الشاطىء" القصة الحقيقية لاثنين من المراهقين المكسيكيين، ولد وفتاة، أدمنا ممارسة اللعبة على هاتفيهما المحمول، وعبر المهام الخمسين التي تتضمنها اللعبة وتزداد خطورة مهمة بعد أخرى، وصولا إلى الانتحار.
يشكو بعض الناس من ثقل وقتامة بعض الأفلام التي يشاهدونها في المهرجانات، ولكن أحد الوظائف الأساسية للفن، بجانب الترفيه والتنفيس، هو التنبيه واحداث الصدمة للمشاهد الغافل، الذي يريد أن يظل غافلا، عن رؤية شرور وقبح العالم حوله. ومن المؤكد أن تاثير فيلم مثل "50 أو حوتان.." أكثر تأثيرا من عشرات المقالات والبرامج الباردة التي سرعان ما ينساها المرء.
هذا فيلم يحذر من عواقب التساهل والتسيب التربوي ومن التأثير القاتل لمواقع التواصل وألعاب الانترنت التي يمكن أن تدفع أبنائنا إلى الانتحار أو جرائم أسوأ حتى من الانتحار!