رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منظمة غامضة وأهداف مريبة


رن التليفون الأرضى فى بيتى، وهو غالبًا لا يرن، وكانت المتحدثة تتحدث العربية بلهجة شمال إفريقيا، وطلبت أن تستأذن فى طرح بعض الأسئلة، سألتها عن هويتها فأخبرتنى بأنها تابعة لمعهد الدراسات والبحوث والاستطلاعات الموجود فى تونس، وهذا المعهد يتبع المعهد الألمانى للتنمية.
سألتها عن كيفية وصولها لرقمى، فقالت إن لديها أرقامًا عشوائية، تقوم بالاتصال من خلالها، وقالت إنها لا تعرف كيف وصلتهم تلك الأرقام المصرية، وبدأت تطرح الأسئلة، وهى أسئلة عديدة تشمل كل النواحى الاقتصادية والاجتماعية فى مصر.
بدأت بالسؤال عن شريحة دخلى، وسألتنى عن وظيفتى، ثم انتقلت إلى أسئلة عن الحياة الاجتماعية والحى الذى أعيش فيه، وعن المستوى الذى أعيش فيه، وعما إذا كانت هناك خدمات صرف صحى، وحالة الشوارع.
وكانت هناك أسئلة عن الممارسة الديمقراطية، وعما إذا كان البرلمان يمثل شرائح المجتمع، وعن حالة الرضا عن الممارسة الديمقراطية. ثم انتقلت إلى أسئلة عن الحكومة، وعما إذا كانت هناك حالة رضا عن الأداء الحكومى.
الأسئلة الأخطر كانت حول انتمائى الحزبى، أو أى جماعات عرقية، وسألتنى سؤالًا مباشرًا عن ديانتى. وعما إذا كنت راضيًا عن أداء القيادات الدينية من عدمه.
وسألت عن الانتماء الحزبى، والأحزاب الدينية، وحالة الرضا عن الأداء الحزبى، والأحزاب التى تتمتع بجماهيرية.
بالطبع، كلها أسئلة قد تبدو بريئة لدى البعض، ولكن بحاسة رجل الأمن أرى أنها أسئلة تجسسية.
الواقع أنها أسئلة تتغلغل وتتسلل داخل المجتمع المصرى بمختلف شرائحه، وإن كانت تنصب على تلك الشرائح البسيطة التى تستهويها الإجابة عن الأسئلة دون السؤال عن مغزاها.
وبالرجوع إلى المعهد التونسى الذى ذكرته الباحثة، فى محركات البحث، وجدت أنه عبارة عن مكتب «One to One» وهو مؤسسة مستقلة مقرها تونس متخصصة فى استطلاعات الرأى والمسوحات العلمية حول القضايا المحلية والدولية، تغطى نشاطاتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يضم «One to One» العديد من الباحثين والخبراء فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والمختصين فى التقنيات الكيفية والكمية والمعتمد عليها لإنجاز دراسات السوق واستطلاعات الرأى لفائدة شركاء من مختلف القارات.
كما أن مكتب «One to One» شريك فى عدد من مراكز البحث ومؤسسات استطلاع الرأى فى المنطقتين العربية والإفريقية على غرار الأفروباروميتر، الباروميتر العربى، والمؤشر العربى إلى جانب عدد من الجامعات والمنظمات العالمية. الغريب أنه توجد معاهد تجسسية أخرى منها: الباروميتر العربى، وهو شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية، تقدم نظرة ثاقبة عن الاتجاهات والقيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطنين العاديين فى العالم العربى، كما تقوم الشبكة بإجراء استطلاعات للرأى العام فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات مستوى عالٍ من الجودة والمصداقية منذ عام ٢٠٠٦.
ويقول المعهد عن نفسه: نحن أضخم مستودع للبيانات المتاحة فى متناول العامة حول آراء الرجال والنساء فى المنطقة، تمنح نتائج استطلاعاتنا فسحة للمواطنين العرب للتعبير عن احتياجاتهم واهتماماتهم.
وتشمل أسئلتنا عددًا كبيرًا من الموضوعات والقضايا، من أبرزها ما يلى:
- المؤسسات السياسية والسياسات الحكومية والمشاركة السياسية.
- التدين الشخصى والدور السياسى للدين وتفسير الشريعة الإسلامية.
- وضع المرأة وقضايا النوع الاجتماعى.
- الظروف الاقتصادية الشخصية والوطنية، فى الوقت الحاضر والتوقعات المستقبلية الراديكالية ومختلف الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
- الثقة بين الأشخاص، والثقة السياسية، والفعالية الشخصية.
- العادات والاستهلاك الإعلامى.
ويتم طرح معظم الأسئلة المتعلقة بهذه الموضوعات فى جميع البلدان التى تشملها الدراسة فى كل دورة، وتتيح المقارنات عبر الدورات إمكانية تقييم الاستمرارية والتغيير عبر مرور الزمن لبلدان محددة وكذلك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل أوسع.
وهى كما نرى معاهد لا تُخفى حقيقتها، بل تظهر بها، وتتحدث عنها. ولا ننسى أن بعض تلك المعاهد- وهو معهد بروكنجز الأمريكى، ومعهد بروكنجز الدوحة- لا يزال يقف فى حالة عداء مع مصر لصالح الجماعات الإرهابية.
تبقى الأسئلة الصعبة التالية.
لمصلحة مَنْ يجمع المعهد التونسى تلك المعلومات الحيوية عن مصر؟ وكيف تحصّل هذا المعهد على أرقام تليفونات المصريين، واختراق خصوصيتهم والاتصال بهم؟ وكيف نحمى مصر من تلك الأسئلة التجسسية؟