رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختراق شبكة بيع كراسات شروط الإسكان الاجتماعى خارج المنافذ الرسمية

جريدة الدستور


بالتوازى مع إعلان وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية طرح وحدات سكنية جديدة، ضمن المبادرة الرئاسية لتوفير شقق كاملة التشطيبات للمواطنين، ظهرت سوق سوداء جديدة، تشهد بيع كراسات الشروط المخصصة للتقدم للحصول على هذه الوحدات، التى ينص القانون على بيعها داخل مكاتب البريد فقط.
واستغل مجموعة من «السماسرة» إقبال المواطنين على الحصول على كراسات الشروط تلك، وكونوا ما يشبه «الشبكات» لبيعها بأسعار مضاعفة، خارج منافذ بيعها الرسمية، وكان للتزاحم الشديد أمام مكاتب البريد عامل كبير فى جذب عدد كبير من المواطنين إليهم.
«الدستور» تقصت حول مكاتب البريد، لمحاولة اختراق «شبكة السماسرة» تلك، ومعرفة المصدر الذى يحصلون من خلاله على كراسات الشروط، وكيف يوزعونها على المواطنين، إلى جانب تسعيرة البيع.


سماسرة يعترفون: نحصل عليها من موظفى بريد مقابل «نسبة ربح».. والسعر يصل لـ250 جنيهًا

البداية كانت لدى «سمسار» يتواجد أمام مكتب بريد رمسيس، الذى عرض علينا شراء كراسة الشروط بـ٢٠٠ جنيه، مع إمكانية توفير أى عدد مطلوب منها، على الرغم من أن سعر الكراسة داخل مكتب البريد ١٣٠ جنيهًا، ولا يحق لأى مواطن سحب أكثر من واحدة وفقًا للقانون.
وكشف «السمسار»، الذى تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، عن أن لديه عددًا من الأصدقاء الموظفين داخل مكتب البريد يمكنهم توفير العديد من الكراسات دون أى شروط، سوى الحصول على نسبة من الربح، المتمثل فى الفارق بين السعر الأصلى الذى سيتم البيع به، قائلًا: «معارفنا كتير جوه، وأقدر أجيب لكم العدد اللى انتوا عايزينه، بس هما بياخدوا نسبة من المكسب».
وبعد مفاوضات على المبلغ ومطالبتنا بتخفيضه، وافق «السمسار» على بيع الكراسة الواحدة بـ١٧٠ جنيهًا، وطلب تجهيز صور البطاقات الشخصية بعدد الكراسات المطلوبة، مرفقة مع المبلغ المحدد لإجمالى قيمة هذه الكراسات، مبينًا أن التسلم سيكون فى نفس اليوم، لكن مساءً بعد انتهاء مواقيت عمل مكتب البريد.
ومن رمسيس إلى مكتب بريد العتبة، حيث التقينا «سمسارًا» آخر، وكانت هذه المرة سيدة، التى قالت إنها تبيع الكراسة الواحدة بـ٢٥٠ جنيهًا للواحدة، أى بفارق ١٢٠ جنيهًا عن سعرها الأصلى فى مكاتب البريد.
وبعد عدة مفاوضات على السعر، لم تتنازل «السمسارة» عن بيع الكراسة بـ٢٠٠ جنيه للواحدة، مبررة ذلك بصعوبة الحصول على هذه الكراسات من داخل مكتب البريد، خاصة أن الأمر يتطلب «دفع أموال لبعض الموظفين داخل المكتب لتسهيل تسريبها»، على حد قولها.
وأضافت: «هوفر عليكم الوقفة فى الطوابير.. وأقدر أوفر لكم أى عدد طالبينه»، محذرة إيانا من أن الكراسات «معرضة للنفاد داخل مكتب البريد، بسبب زيادة السحب عليها وقلة أعدادها».
وشددت على ضرورة شراء هذه الكراسات قبل اقتراب مدة انتهاء طرحها، قائلة: «كل لما الوقت بيعدى ممكن يبقى صعب أجيبها، فمهمة الحصول على الكراسات من داخل مكاتب البريد لبيعها ليست بالأمر السهل».
واختلف سعر كراسة الشروط لدى سمسار ثالث، فى منطقة العاشر من رمضان، الذى عرض علينا شراء الكراسة الواحدة بـ٢٢٠ جنيهًا، واصفًا ذلك بأنه «أقل سعر فى السوق السوداء».
وقال «يوسف»: «بشترى كراسة الشروط من وسطاء مقابل ٢٠٠ جنيه.. أنا عندى وسطاء كتير هما بيتصرفوا ويعرفوا يجيبوا كميات كبيرة، معرفش إزاى، لكن أكيد هما كمان ليهم وسطاء، علشان كده سعر الكراسة بيوصل لضعف تمنها داخل مكتب البريد، لأن كل وسيط لا بد يحدد لنفسه مكسب من ورائها حتى تصل إلى المشترى النهائى بضعف ثمنها».
وأضاف: «هناك إقبال كبير على شراء الكراسات من السوق السوداء، على الرغم من ارتفاع ثمنها عن الكراسات التى تُباع فى مكاتب البريد، التى لا تتوافر فيها الكراسات فى بعض الأحيان، لأن المكتب بيبيع كراسة واحدة لكل مواطن، لكن لدينا يستطيع أى فرد شراء الأعداد التى يرغب فيها».


«جروبات» لبيعها على «واتساب» و«فيسبوك» وإتاحة «مفردات راتب» مزيفة بمقابل مالى

على إحدى المجموعات المغلقة على موقع «فيسبوك» يحمل اسم «شروط شقق الإسكان الاجتماعى»، عرض «سماسرة» توفير كراسات الشروط اللازمة للحصول على شقق الإسكان الاجتماعى.
أحد هؤلاء «السماسرة» يدعى وليد أحمد، قال: «يمكننى أن أوفر لكم ٢٠ كراسة شروط، بسعر ١٧٠ جنيهًا للواحدة»، زاعمًا أن هناك «جروبات» أخرى تبيع الواحدة بـ٣٠٠ جنيه.
وطلب السمسار منا إرسال صور البطاقة الشخصية، على رقمه بتطبيق «واتساب»، كما طلب تجهيز مستند «مفردات الراتب» المطلوب إرفاقه مع الملف، باعتباره أحد الشروط الأساسية لقبول طلبات المتقدمبن للحصول على الشقق.
وزعم أن معظم الطلبات المرفوضة سببها عدم توافر مستند «مفردات الراتب»، مضيفًا: «أستطيع توفير أوراق مفردات الراتب من مكاتب محاسبين، مقابل ٢٥٠ جنيهًا للطلب الواحد».
ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى أحد سماسرة بيع كراسات الشروط اللازمة للحصول على شقق وزارة الإسكان فى منطقة العاشر من رمضان، وإن كان قد ادعى انتماء «المجموعة» على «فيسبوك»، التى يروج من خلالها لبيعه هذه الكراسات، لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
وقال «السمسار»: «كل مكتب بريد يكون به ٥٠ كراسة شروط فقط، وأستطيع توفير أى عدد منها حسب عدد الطلبات التى تأتينى»، موضحًا أن هناك «أعدادًا كبيرة تطلب منى الكراسات، حتى إنى أبيع ما يصل إلى ٨٠ كراسة فى اليوم الواحد، علمًا بأن كل مكتب بريد يبيع كراسة واحدة لكل مواطن ويرفض بيع أكثر من ذلك».
وأضاف: «ثمن الكراسة يصل إلى ٢٥٠ جنيهًا، فأنا أشتريها من الوسيط مقابل ٢٢٠ جنيهًا، وأحصل على فرق ٣٠ جنيهًا فقط، لذلك لا أستطيع تخفيض السعر أكثر من ذلك».
وعن الخطوات المطلوبة، قال «السمسار»: «كل المطلوب من الراغب فى التقدم لتسلم شقة هو إرسال صورة البطاقة عبر (واتساب)، ثم إرسال الأموال بعد ذلك عبر البريد، ويكون التسلم بعدها بيوم واحد، فى مقر مكتبى بمنطقة العاشر من رمضان».
واختتم: «الأمر لا يقتصر على شراء كراسة الشروط، لكن أستطيع تجهيز أوراق مفردات الراتب المطلوب إرفاقها مع الملف لغير الموظفين والمؤمن عليهم».
ولتفاصيل أكثر عن شهادة الدخل هذه أو ما يطلق عليه «مفردات الراتب»، التى تعتبر من شروط التقدم للحصول على شقة إسكان اجتماعى، التقينا «سمسارًا» آخر، فقال: «كثير من المتقدمين يعملون فى وظائف يومية أو ظائف لا توفر لهم تأمينًا اجتماعيًا، ورغم أنهم الفئة الأكثر احتياجًا لهذه الشقق، تُرفض طلبات غالبيتهم، لأن ورقة الدخل لا يتم اعتمادها تحت مسمى (عدم الاستدلال)، لذلك أوفر شهادة دخل تقبلها وزارة الإسكان وأى بنك فى مصر».
وأضاف: «أبيع شهادة الدخل بـ٣ أسعار، بداية من ١٥٠ لـ٣٥٠ جنيهًا»، زاعمًا أن «الشهادة الرخيصة» تُعد داخل مكاتب استشارية عادية لا يُستدل على عنوانها، وتُرفض أوراق المتقدم بها، أما «الشهادة الغالية» فتُعد داخل مكتب استشارى معتمد، وتكتب فيها مهنة ثابتة والدخل المطلوب.


مكاتب محاسبة تتورط فى النشاط غير المشروع

لم يقتصر الأمر على «السماسرة» أمام مكاتب البريد، و«المجموعات» المغلقة على مواقع التواصل الاجتماعى، وانتشرت على تلك المواقع «إعلانات» لـ«مكاتب محاسبة» تدعى قدرتها على توفير كراسات الشروط، وتجهيز الأوراق المطلوبة للتقديم، ورفع البيانات على البوابة الإلكترونية لصندوق الإسكان الاجتماعى.
هذه المكاتب أعلنت عن خدماتها وتسهيلاتها بعبارات مثل: «نتولى تجهيز جميع الأوراق المطلوبة للتقديم بوحدات الإسكان الاجتماعى»، مصحوبة بأرقام هواتف للتواصل.
تواصلنا مع أحد هذه المكاتب، الذى ادعى أصحابه قدرتهم على «تجهيز أوراق مفردات الراتب المطلوب إرفاقها مع الملف لغير الموظفين والمؤمن عليهم».
وقال صاحب المكتب إن وجود راتب ثابت من شروط «الإسكان» لقبول طلبات المتقدمين للحصول على الشقق، وغالبية الشباب يتم رفضهم بسبب هذا الشرط، ولذلك يعمل على تدبير أوراق «مفردات الراتب» مقابل ٢٥٠ جنيهًا للطلب الواحد.
مركز آخر اشترط أيضًا دفع ٢٥٠ جنيهًا نظير المساعدة فى تقديم الأوراق المطلوبة إلى وزارة الإسكان، مثل «مفردات الراتب» وشهادات الميلاد، وقال أصحابه: «يمكننا توفير شهادات إثبات دخل للمواطنين من غير المؤمن عليهم»، زاعمين أن المكتب معتمد لدى وزارة الإسكان.
وللوقوف على الوضع داخل مكاتب البريد ومدى توافر كراسات الشروط بها، أجرينا جولة بداخل عدد منها، وتبين لنا أن بعضها يعانى من وجود عدد محدود وقليل من الكراسات، وسط وجود تزاحم كبير للحصول عليها.
ففى مكتب بريد مصر القديمة وبعد فترة انتظار وجيزة، تم الإعلان عن نفاد الكراسات، وقال لنا أحد موظفى المكتب: «الأعداد محدودة جدًا»، لتظهر شكاوى العديد من المواطنين داخل المكتب من هذا النقص، خاصة مع الإقبال الشديد عليها، وهو ما عبر عنه أحدهم بقوله: «دايمًا بيقولوا معندناش».

«الإسكان»: الأوراق مسجلة باسم المستفيد عبر بطاقة الرقم القومى.. وبيعها فارغة للمواطنين «خداع»

رأى عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أن ما يتم تداوله حول وجود سوق سوداء موازية لمكاتب البريد تعمل على بيع كراسات الشروط اللازمة للحصول على وحدات الإسكان الاجتماعى التى تطرحها الوزارة غير صحيح.
وقال «خطاب»: «كراسات الشروط الخاصة بوحدات الإسكان الاجتماعى يتم تسجيلها على أجهزة مكتب البريد باسم المستفيد، عبر بطاقة الرقم القومى الخاصة به، ويُسلم وصل مختوم بذلك من هيئة البريد، عبر موظف الشباك».
وأضاف: «لذلك لا يمكن لأى شخص شراء كراسات فارغة ثم بيعها إلى المواطنين، لأن لكل كراسة شروطًا ورقمًا خاصًا بها، ويربط برقم الطلب ورقم بطاقة المواطن ورقم هاتفه».
ودعا المواطنين إلى شراء كراسات الشروط عبر المنافذ الرسمية فقط، وعدم التعاون مع أى شخص يبيع «أوراقًا يدعى أنها رسمية»، لأنهم قد يتعرضون لعمليات نصب، مضيفًا: «قد يسلمهم هؤلاء الأشخاص أوراقًا مزورة، وبالتالى تذهب أموال المواطنين هباءً».
وشدد المتحدث باسم وزارة الإسكان على أنه «لا داعى للقلق حول الحصول على كراسات الشروط الخاصة بوحدات الإسكان الاجتماعى لمحدودى ومتوسطى الدخل، أو التزاحم على مكاتب البريد، لأن هذه الكراسات متوافرة حتى ٧ ديسمبر الجارى لوحدات محدودى الدخل، و٢١ ديسمبر لوحدات متوسطى الدخل، ليتمكن كل مواطن من الحصول عليها قبل انتهاء الموعد المحدد للتقديم».
وأعلنت «الإسكان» عن طرح كراسات الشروط الخاصة بالتقدم لحجز شقق فى عدد من المشروعات السكنية، من بينها وحدات الإسكان الاجتماعى لمحدودى الدخل، بمساحات ٧٥ مترًا «غرفتين وصالة»، و٩٠ مترًا «٣ غرف وصالة»، إلى جانب وحدات إسكان متوسط، بمساحات ١٠٠ و١١٠ و١٢٠ مترًا «٣ غرف وصالة».
وبدأ فتح الباب لشراء كراسات الشروط فى ١ نوفمبر الماضى، لمتحدى الإعاقة، وفى ٨ نوفمبر، لجميع المواطنين.
وتتضمن خطوات الحصول على وحدات الإسكان الاجتماعى: شراء كراسة الشروط، وسداد مبالغ جدية الحجز، التى تبدأ من ١٢.٥ ألف جنيه للوحدة بمساحة ٧٥ مترًا، و١٥.٥ ألف للوحدة بمساحة ٩٠ مترًا، وذلك فى مكاتب البريد بالمحافظات التى تتواجد بها هذه الوحدات.
وتضمن الطرح شقق الإسكان الاجتماعى فى مدن بدر «حدائق العاصمة»، وحدائق أكتوبر، وأكتوبر الجديدة «منطقة غرب المطار»، و١٥ مايو، والعاشر من رمضان، والعبور الجديدة، والسادات، والمنيا الجديدة، وملوى الجديدة، وأسوان الجديدة، وقنا الجديدة، وسوهاج الجديدة.
وبلغ عدد كراسات الشروط المُباعة ضمن مبادرة رئيس الجمهورية «سكن لكل المصريين» فى المشروعات السكنية المطروحة لمُنخفضى ومتوسطى الدخل ما يزيد على ٣٩٠ ألف ‎كراسة، حتى أمس الأول، كما بلغ عدد المواطنين المُسددين لمُقدمات جدية الحجز ما يزيد على ٢٣٠ ألف مواطن، وسجل طلبات على الموقع الإلكترونى لصندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى حوالى ١٥٠ ألف مواطن.