رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف قتل الإخوان السادات؟.. الأنصاري يكشف جرائم الجماعة في «صفحات مجهولة»

قتل السادات
قتل السادات

تولى طلال الأنصاري إمارة جماعة الفنية العسكرية وكان العمل يتم بشكل انفصالي وضمن جماعات محدودة من الأعضاء (40 عضوًا)، وكانت تمثل اتجاهًا محدد الهدف يرمي للاستيلاء على السلطة بأي أسلوب، وزاد عدد أعضاء الجماعة من طلاب الجامعة والمدارس الثانوية حتى 1974.

كانت المجموعة قد انضمت في أعوام 1971 - 1973 إلى الإخوان وبمجرد إفراج السادات عن قيادات الجماعة المعتقلين والمسجونين انتقلت المجموعة كلها في بداية سنة 1973 من الإخوان إلى صالح سريّة التي تسلم الإمارة.

حكى الأنصاري في مذكراته المنشورة بعنوان صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة.. من النكسة إلى المشنقة"، إن علاقته بالإخوان في البداية كانت قوية من خلال دروس محمد إبراهيم سالم ومحاضراته في أماكن مغلقة، لكن هذه العلاقة لم تستمر طويلًا، بسبب خلاف وقع بينهم في الرؤى، فالأنصاري كان يؤيد فكرة الصدام مع النظام، والإخوان المسلمين يرون أن الظروف لا تناسب أي صدام مع النظام، ولا بد من تأجيل هذه الخطوة.

شكى الأنصاري وجماعته لحسن الهضيبي مرشد الجماعة آنذاك، لكنه اكتشف أن الأوضاع الداخلية للجماعة ممزقة ومًتدهورة، ولم يستقروا على سياسة معينة، وفي النهاية انصاع الأنصاري لسياسة جماعة البنا ومنهجهم في رفض الصدام مع النظام.

كان لزينب الغزالي، إحدى القيادات النسائية في جماعة الإخوان دور في توطيد العلاقة بين جماعة طلال الأنصاري وصالح سرية ورتبت بينهم لقاءً في منزلها، وتم الاتفاق في اللقاء الأول على الانضمام والعمل تحت قيادة سرية، لكن بعدما انتهى الاجتماع والاتفاق، طلب سرية من الأنصاري ألا يخبر أو يعلم زينب الغزالي بكل ما تم بينهم.

توترت العلاقة بين تنظيم الأنصاري وبين جماعة الإخوان وساءت العلاقة بينهما، فتم تنصيب صالح سرية أميرًا للجماعة وتسلم قيادتها، يقول الأنصاري:"فلم أكن أعتبر نفسي قط زعيمًا أو قياديًا فقط مسؤول حركي يتولّى القيادة لحين تسليمها لمن يقودها إلى هدفها المطلوب، وكنا نلتقي وسرية في الأماكن العامة بالقاهرة، وتم الاتفاق مع صالح سرية على تقسيم الجماعة إلى ثلاثة هياكل تنظيمية كان كارم الأناضولي مسؤولًا عن جماعة الكلية الفنية العسكرية وحسن الملاوي مسؤولًا عن جماعة القاهرة والجيزة وأنا مسؤول عن جماعة الإسكندرية أمام صالح سرية".

زينب الغزالي حلقة الوصل

كانت زينب الغزالي تقوم بترتيب اللقاءات بين العناصر التنظيمية وبعضها البعض، لم يكن لها أية سلطة تنفيذية، يعترف الأنصاري:"قامت بترتيب لقاء بيني وبين صالح سرية في مسكنها أوائل 1973، حيث كنا التنظيم الوحيد في مصر في أعقاب حرب 1967، ولم يكن لنا اسم محدد، فقط، عرفنا باسم الجماعة الإسلامية في الجامعة حتى خرجت أول دفعة من الإخوان من المعتقلات أيام السادات، وبدأت العلاقات تتوثق بيننا وبينهم حتى تمت البيعة بمنزل الهضيبي بمنيل الروضة، وزينب الغزالي لم تكن تتصل في المسائل الكبيرة الحساسة من تلقاء نفسها، وكان يعرف عنها انضباطها والتزامها بلوائح الجماعة وبناء على تفويض من الهضيبي".

مشاعر وتحركات عضو الجماعة تحت إمرتنا

كان لـ جماعة الفنية العسكرية فلسفة في اختيار الفرد وانضمامه للجماعة، في أنهم يضعون مشاعره وتحركاته كلها تحت سيطرة الجماعة، يشكلون حياته كلها من خلال هذه الفلسفة، من خلال بعض الأوامر والتحركات التي تطلب منه، بدافع نزع الخوف من داخله من أجهزة الأمن، فيكلّفون مثلًا أحد الأعضاء بعمل مبسط، يقوم من خلال برسم كروكي مبسط لميدان من ميادين الإسكندرية، أو تقديم رسم كروكي لكوبري من كباري الإسكندرية، أو مبنى من المباني، وفي نفس الوقت يتم تكليف مجموعة أخرى بنفس المهمة ويتم المقارنة بين عمل الفريقين.

إذا نجح العضو في اتمام مهمته، يتم تكليفه بمهمة أخرى بأن يقوم بنقل حقيبة من مكان إلى آخر، أو يسلمها لشخص معين، أو يضعها أمام مراكز أمنية وسط حراسات أمنية مشددة، أو مباني أجهزة الأمن، ويتم توصيته والتنبيه عليه، بأن الحقيبة تحتوي على أشياء على درجة بالغة الأهمية للجماعة، وفي نفس الوقت يتم مراقبته من عضو آخر، إضافة إلى العضو الذي يتسلم منه الحقيبة، وشخص ثالث يراقبهم.

يعترف الأنصاري في كتابه بأن بعض الأشخاص كانوا يفاجئون بهذه المهمات، فمنهم من كان ينهار، ومن من كان يعرض عن القيام بمثل هذه المهمات، ومنهم من كان يتمها بإتقان منقطع النظير.

ليلة القبض على التنظيم

كشف طلال الأنصاري في مذكراته عن واقعة اغتيال السادات:"كان من المفترض أن تتم في هدوء ودون إطلاق رصاصة حيث كانت المعركة الرئيسية ستدور في اجتماع "السادات" بالقيادات السياسية والشعبية بمقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي صبيحة اليوم التالي، عاد جميع الأعضاء من مجموعة الإسكندرية الذين كانوا على أبواب الكلية إلى الإسكندرية والبعض من مجموعة القاهرة إلى مخابئهم وقد تمت محاصرة من قاموا باقتحام الفنية العسكرية وعددهم يقرب من 40 عضوًا".

عثر على كشف كامل بأسماء مجموعة الفنية العسكرية وألقى القبض عليهم، في الوقت الذي كان النظام يجهل كل المعلومات عن هذا التنظيم، في الوقت الذي كان فيه الأنصاري يقضي مساء الأربعاء والخميس بالإسكندرية، يرتب أوراق الجماعة ويعرفهم بأسرارها، ويبلغهم الخطط البديلة ويعترف أن هذا كان تصرفًا خاطئًا منه، لأنه مكث في البيت في انتظار القبض عليه، والذي تم فجر الجمعة 19 إبريل 1974، واكتشف في مباحث أمن الدولة أن 80% من أعضاء التنظيم تم اعتقالهم، إضافة إلى العضو الذي كلفه الأنصاري بإمارة الجماعة من بعده في الإسكندرية.

كانت خطة جماعة الإخوان أن ينكر المتهمين كل ما ينسب إليهم، ويخفّوا تمامًا علاقتهم بالجماعة، مقابل أن تقوم بالدفاع عنهم من خلال تنظيم حملات إعلامية وقانونية كبرى.

وتولى محامون أوكلت لهم جماعة الإخوان مهمة الدفاع عن المتهمين، وكان الدكتور عبد الله رشوان أشهر هؤلاء المحامين، وألزم من ناحيته بقية المحامين بالاعتماد في دفاعهم على محورين، الأول في الوقائع والموضوع، والثاني: سياسي، المحور الأول يعملون فيه على إنكار التهمة ونفي محاولة الانقلاب وتصوير المسألة على أنها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة، وكل ما في الأمر أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانوا يقيمون ندوات دينية داخل مسجد الكلية ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون، والمتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم.