رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: الرئيس يقلب الطاولة على المتآمرين

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز

لم يكن هناك أى شىء يُشى بأن حديثًا فى السياسة سيقتحم الاحتفالية التى استمرت لما يقترب من خمس ساعات على أرض برج العرب بالإسكندرية.
الرئيس وعدد من الوزراء والمسئولين الكبار فى الدولة، السفير اليابانى فى القاهرة نوكى ماساكى، وأساتذة جامعيون يابانيون، يشهدون افتتاح عدد من المشروعات القومية التى تنفذها وزارة التعليم العالى من مقر الجامعة المصرية اليابانية للتكنولوجيا، ونحن مجموعة من الصحفيين والإعلاميين نرصد ما يجرى، ونسجل ما يدور حولنا، ولا يراه الكثيرون الذين يتابعون عبر شاشات التليفزيون وقائع ما يجرى.
عندما تقترب وتتخلى عن أفكارك السابقة، أو على الأقل تتجاهل ما يروجه الآخرون عن حالة البناء التى لا تنقطع منذ ست سنوات فى مصر، ستعرف أن ما يحدث على الأرض خارج لتوه من كتاب المعجزات السماوية التى لا تقبل تكذيبًا ولا تحتمل تأويلًا.
ما تراه أمامك هو ما يحدث فعلًا.. لا خداع بصرى ولا سباحة فى بحر أوهام.
أحد الجنود المجهولين- وهم كثيرون فى الحقيقة يقفون وراء كل إنجاز وكل بناء- قال لى من بين كثير قاله: تخيل أننا منذ حوالى ثلاث سنوات أو أكثر قليلًا جئنا هنا، وكانت هذه الأرض صحراء تمامًا، الآن ونحن ننظر إلى كل هذه المبانى التعليمية- مبنى للتميز العلمى، مبنى للإدارة، مكتبة ضخمة، ٤ كليات، مبنى للخدمات الطلابية، مدينة كاملة للخدمات من محطات تحلية ومعالجة- والمساحات الخضراء لا نصدق فعلًا أننا أنجزنا كل هذا.
أمسكت بطرف الخيط، وقبل أن أبحث عن حجم ما تم إنجازه بالفعل، وجدت الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، يقول فى كلمته إن الجامعة المصرية اليابانية كانت حلمًا تحقق بدعم كبير من الرئيس السيسى، فالـ٢٠٠ فدان التى أقيمت عليها الجامعة كانت صحراء، وتحولت إلى مؤسسة علمية ضخمة بتكلفة وصلت إلى ٦.٧ مليار جنيه.
لا أخفيكم سرًا.. فى كل مرة أقترب من هؤلاء الذين يعملون على الأرض فى مشروعاتنا القومية الكبيرة، يباشرون تنفيذ مشروع وهو مجرد عدم، فينفخون فيه من أرواحهم، أشعر أننا فى مصر أخرى غير التى عرفتها لعقود طويلة.
مصر التى رأيتها وأراها كثيرًا خلال هذه السنوات، هى مصر التى تعمل، منعت نفسها من الكلام فى المطلق، وأطلقت طاقاتها كلها من أجل البناء على الأرض دون صخب، وأراهنكم جميعًا أن هناك مشروعات كثيرة لم يكن يعرف الناس عنها شيئًا إلا فى اللحظة التى يتم افتتاحها فيها.

هناك فى برج العرب كنا مشغولين بحالة البناء فى البشر.
رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، ومن بعده الوزراء عمرو طلعت، وزير الاتصالات، وطارق شوقى، وزير التربية والتعليم، وخالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، يتحدثون عن انطلاقة فى التعليم كنا نحلم بها دون أن نملك يقينًا فى أننا يمكن أن نصل إليها يومًا من الأيام.
اليقين المراوغ تم ترويضه وتطويعه وأصبح واقعًا نلمسه بأيدينا.
أنهى الدكتور خالد عبدالغفار- وكان آخر المتكلمين- حديثه ومهمته فى افتتاح عدد من المشروعات عبر الشاشات، وهى جامعة القاهرة التكنولوجية الجديدة فى القاهرة الجديدة، والجامعة الكندية بالعاصمة الإدارية، وكلية الطب وطب الأسنان بجامعة السويس، ومجمع الفنون والثقافة بجامعة حلوان.
بعد الافتتاحات كان من المفترض أن تنتهى الاحتفالية، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى قرر أن يتحدث، صحيح أنه أجرى مداخلات عديدة على هامش كلام الوزراء، لكن هذه المرة ومنذ البداية شعرت أن لديه رسالة واضحة ومعينة.
مَن يعرفون الرئيس السيسى جيدًا، يعرفون أنه لا يسىء إلى أحد أبدًا، لا فى العلن ولا فى الجلسات المغلقة، يمكن أن أحيلكم إلى فيديو قديم له وهو وزير دفاع يتحدث إلى مجموعة من قيادات القوات المسلحة، وهو يقول لهم: أنا عمرى فى حياتى ما قلت لحد يا «ك ل ب»، لم ينطق كلمة كلب حتى وهو يدلل على سلوكه، فَرق بين حروف الكلمة حتى لا يتفوه بها.
لم يكن غريبًا إذن أن يبدأ الرئيس كلمته الخاصة بأنه لم يتعود أن يسىء لأحد، أو حتى يذكر أحدًا بالاسم، لكن يبدو أن ما يحدث من استهداف واضح لمصر، عبر منصات معادية لا تتوقف عن ترويج الأكاذيب ليل نهار، دفعه لأن يتحدث.
هناك من توقع أن يفعلها الرئيس هذه المرة، أن يتحدث بالأسماء، لكن المفاجأة أنه عندما تحدث لم يسىء لأحد أيضًا، فقد ظل على عهده مع نفسه ألا يذكر اسم شخص أو دولة، أو حتى يستخدم ألفاظًا فيها إساءة، وذلك فى اعتقادى ليس لأنهم لا يستحقون الإساءة، ولكن لأنه يحافظ على سلوكه ونظافة لسانه.
ما فعله الرئيس لم يكن إساءة، كان كشفًا واضحًا ومباشرًا لما يراد منّا وما يراد لنا.
أمسك الرئيس ببداية الخيط، قال: من ١٠٠ سنة وأكثر كانت الدولة المصرية ظروفها الاقتصادية أفضل، ولما كانت ظروفنا أفضل لم ننس أبدًا أن نساعد ونتعاون من أجل الخير والبناء، لكن الآن البعض بدل ما يمدوا إيد التعاون والبناء لمصر، بيدوروا على هدم مصر، بيجهزوا قنواتهم وبيدفعوا فلوس لناس عشان يهدوا بلد فيه ١٠٠ مليون.
لا يوجد مواطن واحد فى مصر يحتاج لمن يفك له شفرة كلام الرئيس.
لا يوجد مواطن واحد فى مصر يحتاج لمن يدله على هذه الدولة التى أعانتها مصر وساعدتها ومنحتها من خيرها.. وهى الآن الدولة نفسها التى تسعى وتخطط وتدبر لتهدم مصر.
لا يوجد مواطن واحد فى مصر يحتاج لمن يشرح له أن هذه الدولة تدير قناتها وتنفق على قنوات أخرى وإعلاميين ضالين ومضلين ليستمروا فى حربهم ضد مصر، مشعلين من حولها الحرائق.
لا يوجد مواطن فى مصر يحتاج لمن يدله على ما تفعله قنوات هذه الدولة، أو يقدم له ما يثبت اتهامها بأنها تسعى إلى هدم كل شىء فى مصر.
لا يوجد مواطن فى مصر لا يعرف أن هذه الدولة هى قطر.
الإمارة الصغيرة التى تعانى من عُقد نفسية تجاه مصر الكبيرة التى يمكن أن تمرض لكنها لا تموت، ويمكن أن يحيط بها الإنهاك لكنها لا تقع، ويمكن أن تحاصرها الفوضى لكنها لا تنهار.
مبكرًا جدًا حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى حكام قطر من المساس بمصر أو إلحاق الضرر بها.
جرى هذا فى نيويورك، تحديدًا فى أكتوبر من العام ٢٠١٤.
الرئيس السيسى كان مشاركًا فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هناك وعلى هامش هذه الاجتماعات التقى الأمير تميم بن حمد حاكم الدوحة.
قال له: من فضلك بلغ والدتك عنى الاعتذار، لأننى لا أقبل مثل هذه الإساءات، ليس إلى سيدة قطر فقط، وإنما إلى أى سيدة من أى مكان فى العالم.
الواقعة كشف عنها الرئيس السيسى بنفسه، عندما كان يتحدث إلى جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية فى فبراير من العام ٢٠١٥، وفى هذا الحوار قال إنه لم يصدر تصريح رسمى واحد من الحكومة فيه إساءة ضد أى من الدولتين قطر أو تركيا.
ما لم يقله الرئيس عبدالفتاح السيسى وقتها، لكن وثقه مَن حضروا الواقعة، أنه قال بوضوح لتميم إنه لا يقبل أن يسىء أحد إلى والدته، ولا إلى أى امرأة على وجه الأرض، لأن هذه هى أخلاقه التى تربى عليها، لكنه قبل أن يغادر مجلسه قال له: لكننى لن أسامح أبدًا فى حق مصر.. وكل من يتسبب فى ضرر لها سوف أحاسبه على ذلك مهما طال الزمن.
فى حواره مع الشرق الأوسط كان الرئيس يُلمح لما تفعله قطر.
قال: هناك إرادة شعب ونريد أن يفهم الجميع هذا الأمر، ولا يجب التقليل من شأنه أو تجاهل ما يريد، والسؤال هو مَن المستفيد من دعم سقوط مصر؟ ليعلم الجميع أنه إذا سقطت مصر، لا قدر الله، سوف تدخل المنطقة فى صراع لن يقل عن ٥٠ عامًا.
يومها أيضًا قال الرئيس، موضحًا منهجه الذى لم يتخل عنه حتى اليوم: الإساءات والتلاسن نحن فى مصر تجاوزناها فى علاقاتنا مع الآخرين، ومن يسىء للآخرين فهو يعبر عن نفسه ولن يقلل هذا من قدرنا أو قيمتنا.
لم يكن الرئيس- وهو يتحدث عمن وقفت مصر بجوارهم، لكنهم الآن يردون الجميل بالتآمر- يُسىء إليهم بقدر ما يكشفهم بشكل واضح، ويضعهم فى حجمهم وخانتهم المناسبة لهم، ولم يكن يمُن عليهم بما سبق وفعلناه معهم، فهذا قدر مصر ودورها.. كان فقط يسمى الأشياء بأسمائها الصحيحة، فهم أعداء يخططون لإلحاق الضرر بمصر.
لقد اعتقد المتآمرون على مصر- هؤلاء الذين يطلون علينا عبر شاشات المنصات المُعادية مدفوعين وممولين من قطر وتركيا- أن الرئيس كان يتحدث إليهم، وأنه يوجه كلامه لهم، مانحين أنفسهم بذلك قيمة ليست لهم، فالواقع أنه لا يراهم، يعرف ما يقومون به، لديه المعلومات الكاملة عن تحركاتهم، لكنه لا يمنحهم وزنًا لأنهم بالفعل بلا وزن.
الرئيس كان يتحدث مع الشعب المصرى، يوجه كلامه له وحده، وإذا أردنا الدقة فى توصيف ما جرى، فإنه قام بقلب الطاولة على رءوس المتآمرين أمام الشعب.
قال هو نصًا: كلامى ده مش ليهم، لأنهم لن يتغيروا وهيفضلوا يعملوا اللى بيعملوه، كلامى للشعب المصرى.
هل يمكن أن نعتبر ما قاله الرئيس تحديدًا واضحًا لحدود المعركة التى تخوضها مصر الآن، أعتقد أن هذا ما حدث بالفعل.
الخريطة أمامنا الآن.. ملامحها لا يمكن أن تخفى على أحد.
الملمح الأول أن الدول التى تدعم قنوات لتشن حملات مُعادية لنا، سبق وساعدتها مصر، لكنها ترد الجميل بالتخطيط لهدمنا وتدميرنا، وهذا التخطيط يتم عبر حملات تشكيك فى كل ما ننجزه الآن، وعليه فيجب ألا يخضع المصريون لهذه الحملات.
الملمح الثانى أن من يقومون بهذه الحملات يصل فعلهم إلى حد الخيانة.. وهو بالطبع ما لا يُخفى على أحد.. ففعل من يروجون الأكاذيب عن مصر ساعين إلى هدمها يصل إلى الخيانة العظمى.
الملمح الثالث أن مصر لا تحتاج مساعدة من أحد، استطعنا أن نقف على أقدامنا، صلبنا ظهورنا، وكل ما نريده أن يبتعد الآخرون عنا بشرهم.
قال الرئيس: عاوزين تهدوا البلد ليه؟ مش عاوز تساعد.. متشكرين، لكن ابعدوا عننا بشركم.
الملمح الرابع أن هؤلاء الذين يخوضون الحرب ضد مصر يحاولون خداع الناس، لأنهم يصدرون لهم وجهًا معلنًا هو التغيير، رغم أن الوجه الخفى- الذى هو الوجه الحقيقى- هو التدمير.
تدمير الأمة وتضييعها وتحويل أهلها إلى سكان معسكرات، لاجئين.
لم يوجه الرئيس كلامه إلى المتآمرين لأنهم أقل من ذلك بكثير.
كلامه كان مع الشعب المصرى الذى يعرف جيدًا أنه قادر على أن يقف فى وجه من يتآمرون عليه، ولذلك جدد عهده مع الناس عندما قال: رهانى دائمًا على المصريين ووعيهم.
لقد كشف الرئيس بعضًا من شفرة أدائه العام.
إنه يتحدث كثيرًا مع الناس فى الاحتفالات العامة التى يتم خلالها افتتاح المشروعات القومية حتى يُثبِّت الوعى عند عموم الشعب، كى يتحمل الناس الجهد المبذول والضغط الذى يتعرضون له، وهم مدركون أن ذلك كله جزء من المعركة الكبيرة التى نخوضها من أجل البقاء.
لقد وصفت ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته التى ختم بها احتفالية برج العرب، بأنها «رسائل القوة».
تعجب بعض من حولى من التوصيف، فالرئيس لم يهدد، لم يتحدث بغضب، كان كلامه هادئًا جدًا، ومباشرًا جدًا، لم يذكر دولة بالاسم ولا شخصًا بالاسم، لكننى أمسكت بحقيقة ما قصده.
القوة فى رسالة الرئيس أنه قال لمن يتآمرون على مصر إنه يراهم، ويرى من يقف خلفهم ويرى من يستخدمونهم لتحقيق أهدافهم.
القوة فى رسالة الرئيس أيضًا أنه يقول لهم: لست فى حاجة إلى تهديدكم.. لأنى قادر بالفعل على إفساد كل ما تخططون له، ولذلك كان حديثه مع الشعب الذى سيسحق كل هؤلاء.
القوة فى رسالة الرئيس كذلك أنه تعامل بحجم مصر فى مواجهاتها ومعاركها، فهى لا تلتفت إلى الصغار، تشعرهم فقط بأنها ترصد تحركاتهم، وفى الوقت المناسب سترد عليهم بما يليق بهم، ولذلك لم يذكر الرئيس اسم قطر، ولا اسم قناتها التى تسخرها ليل نهار للنيل من مصر، ولا أسماء القنوات التى تنطلق من تركيا ولندن تنهش فى لحم مصر بالباطل كل يوم.
يعرف الرئيس عبدالفتاح السيسى جيدًا أن المعركة ستطول، ليس لعقد أو عقدين من الزمان بل ربما لعقود طويلة قادمة، وربما لهذا وضع أمام الناس حقيقة قالها نصًا: إحنا بنصلح اللى من سنين متساب، الحكومة بتتحرق معايا، كل ما يعملوا أقول لسه، والله العظيم بتتحرق عشان متتحرقش مصر.
هذه هى القضية باختصار.
هذه هى المعركة دون تهوين أو تهويل.
فالذين يخططون ويدبرون ويعملون ليل نهار ضد هذا الوطن يسعون إلى إحراقه وتخريبه وتدميره وتشريد أهله الذين اجتمعوا على كلمة واحدة وخلعوا الجماعة الإرهابية، لأنهم يعرفون جيدًا أنهم لا يمكنهم أن يدخلوا مدينتا مرة أخرى إلا بعد أن يشيعوا فيها الخراب.
الأخطر فى رسالة الرئيس، أنه وكما حدد ملامح المعركة التى نخوضها جميعًا، مشيرين دون إخفاء إلى خصومنا فيها، أنه حدد كذلك ملامح المواجهة، وأدوار الجميع فيها.
من ناحيته هو يعمل.. لا يكف عن العمل.
ومن ناحية الحكومة- كما عبر هو والتعبير كان دقيقًا وموفقًا- «بتتحرق معاه» حتى لا تحترق مصر.
أما من ناحيتنا نحن، الشعب المصرى الذى هو عمود أساسى فى المواجهة، فليس مطلوبًا منه إلا أن يعى جيدًا الخطر الذى يمكن أن يحيط به من كل جانب، وينتبه إلى أهداف من يشكلون هذا الخطر عليه، ولا يمنحهم فرصة أن يهزموه أو يسيطروا عليه أو يسوقوه أمامهم.
المعركة تتطلب العمل الجاد الشاق المتواصل الذى لا ينقطع.
وتتطلب أيضًا الوعى من الجميع.
لأننا فى لحظة واحدة يمكن أن نخسر كل شىء، لو منحنا المشككين فرصة أن يتسربوا بيننا مرة أخرى.
لا يزال لدىّ ملمح من ملامح القوة فى رسالة الرئيس التى ختم بها احتفالية برج العرب.
فالرئيس يعلم.
يمكنك أن تستخف بما أقوله لك، فطبيعى أن يعلم الرئيس.
كل أجهزة المعلومات تمده بتقارير يومية عما يحدث، وهذه ضرورة من ضرورات من يقود البلد حتى تكون لديه الصورة كاملة، فما الجديد فى أن الرئيس يعلم؟
الجديد أن المعلومات التى تتراكم على مكتب الرئيس، مهما كانت سلبية، فهى لا تدفعه إلى التردد أو أخذ قرار ليس مناسبًا، يعرف أن هناك منصات تضخ أخبارًا غير صحيحة طوال الوقت، ويعرف أن هذه المعلومات الكاذبة تشكل رأيًا عامًا قلقًا ومتوترًا ومتعجلًا، بما يعنى أن الحالة التى يصدرها الناس ليست حقيقية فى الغالب.
بعد أن أنهى الدكتور طارق شوقى عرضه لما أنجزه فى مشروع تطوير التعليم، داعبه الرئيس بقوله: أعتقد أن المصريين راضيين عليك دلوقتى؟
قد تسأل نفسك لماذا قال الرئيس لطارق شوقى تحديدًا هذ الكلام، رغم أن هناك وزراء كثيرين فى الحكومة واجهوا انتقادات عديدة؟
السبب ببساطة أن ما تعرض له طارق شوقى لم يكن هجومًا عابرًا، بل كان خطة ممنهجة لإعاقته وتعطيل أفكاره ومشروعه لتطوير التعليم، وهى الخطة التى هدفت إلى اغتيال الرجل معنويًا، ولم يسلم من الدس له فى كل مكان.
كان الرئيس يعرف ذلك جيدًا، لكنه دعم طارق شوقى، وقدم له كل المساندة ليواصل مشروعه، وعندما وقف أمامه ليتحدث عن ثمار ما جرى، كان طبيعيًا أن يمنحه مزيدًا من الثقة بالتأكيد على أنه يعرف الآن أن المصريين سعداء بما فعله، بعد أن كانوا غاضبين منه ويعترضون عليه كل صباح.
كنتُ على ثقة أن الذين يعرف الرئيس أنهم كما قال «مش هيبطلوا اللى بيعملوه» سيحاولون تشويه ما قاله، لَى عنق الكلمات، تفسيرها على هواهم، تصوير الأمر على أن الرئيس يُذكر الناس بما فعله وقدمه حتى لا يخرجوا عليه، يستعطفهم حتى لا يثوروا، وعندما تابعت ما قالوه وتأكدت أنهم لم يخيبوا ظنى، أدركت أن الرسالة الحقيقية لم تصلهم.
فالرئيس كان يحذر بطريقته.
يهدد بطريقته.
يضع نتيجة المعركة بطريقته.
فهؤلاء مفسدون، وقد علمتنا الحياة أن الله لا يصلح عمل المفسدين.