حديقة الأزبكية بعيون الرحالة الفرنسي «جوتييه» مطلع القرن الـ19
عبر تاريخها الطويل وحضارتها العريقة، جذبت مصر وسحرها قلوب المستشرقين والرحالة، فجاءوا إليها يلبون نداء مجهول وغامض لزيارة تلك الأماكن السحرية المقدسة، ومن بين هؤلاء الرحالة الكاتب الفرنسي تيوفيل جوتييه.
و يصف جوتييه في كتابه المعنون "رحلة إلى مصر" والصادر عن مشروع كلمة للترجمة بالإمارات العربية المتحدة٬ ونقله للعربية محمد بنعبود٬ ساحة الأزبكية وقد تحولت لحديقة غنية بالأشجار الباسقة٬ قائلا:"بعدما كان النيل يحيلها إلي بركة زمن الفيضانات، صارت حديقة الأزبكية مقسمة بممرات متساوية محفوفة بسياج خفيف من قصب أو جريد نخل٬ استعدادا لبيعها لتقام عليها منازل قريبة في شكلها مما يوجد في متنزه مونسو بباريس٬ مع الاحتفاظ بجزء من الأرض للتنزه٬ لكن لا وجود حتى الآن لحسن الحظ٬ لأي مظهر من مظاهر البناء ــ زار جوتييه مصر عام 1870 ــ، ودون أن يكون لي أي موقف مناوئ لهذه المضاربة العقارية٬ فإنه من المستحب من أجل بهجة القاهرة٬ أن تظل الأمور علي ما هي عليه".
وتابع الرحالة الفرنسي:" تتخلل ساحة الأزبكية أشجار سامقة٬ أوراقها ذات الخضرة تبدو من كثافتها وكأنها سوداء٬ وبينها ينتصب صفان من المنازل نلمح بينها مساكن عربية قديمة٬ محدثة بهذا القدر أو ذاك٬ قائمة بين مساكن جديدة٬ يزينها عدد كبير من المشربيات المندثرة٬ لكن لا يزال موجودا منها ما يكفي للحفاظ علي الطابع الشرقي للمنازل المحيطة بساحة الأزبكية، وعلي أن أقر بأنني رأيت علي أحد المنازل أمامي٬ وكان مصبوغا بالأزرق الكثيف هذه العبارة، مقر القبو الشعبي القديم".
وأضاف "جوتييه": وأعلى الأشجار من الجهة الأخرى للساحة٬ وراء الخط الذي ترسمه الأسطح٬ نلمح بضع منارات مرتفعة يتناوب علي قواعدها اللونين الأبيض والأحمر٬ علي سماء زرقتها خفيفة لا تشبه اللون النيلي٬ الذي رسمه "ماريلا" لكننا في شهر أكتوبر ومن المفترض أن تتلون سماء مصر في الصيف بصبغات مشحونة بأكبر قدر من الأزرق الكوبالتي وأزرق البحر، وعلى اليمين كانت تبدو انحدارات المقطم٬ ذات اللون الرمادي المورد٬ بجنباتها الهزيلة والمجردة من أي مظهر نباتي، كانت أشجار الحديقة ــ الأزبكية ــ تحجب عنا البنايات الحديثة٬ من مثل مسارح السيرك، والأوبرا الإيطالية٬ فانتفى بذلك أي شيء من شأنه أن يعكر علي حلمي".