«هفضل فى عيادتى لحد ما أموت».. رحيل طبيب الغلابة (بروفايل)
رحل عن عمالنا، منذ قليل، الدكتور محمد مشالي، الملقب بطبيب الغلابة، بسبب هبوط مفاجئ في الدورة الدموية، ولم يتسن نقله إلى المستشفى، هذا الرجل الذي أكل الدهر على ملامحه وشرب، ورغم ذلك لم يستسلم لشبح الفقر الذي هاجمه منذ الصِغر، حتى ذاع صيته وأصبح ضمن أشهر الأطباء في جمهورية مصر العربية، وإن لم يكن في العالم العربي، خاصًة بعدما خصص عيادته للكشف على الفقراء والمساكين بأموال بسيطة جدًا مراعاة لغلاء المعيشة، وبالمجان أحيانًا أخرى، كما أوصاه والده بالفقراء وحثه على عدم طلب مقابل لعلاجهم.
نشأ "مشالي" في بيئة متوسطة إلى حد ما، ووالده اصطحبه فور انتهاء مرحلة الدراسة الثانوية ليقدم له في كلية الطب، ثم فوجئ بأن المصاريف كثيرة جدًا عليهم، فأخبره بالبحث عن عمل آخر، ليكمل دراسته.
كان للقدر كان رأي آخر في حياة "مشالي"، ففي اليوم ذاته مساءً أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرار بمجانية التعليم، ما أتاح له أن يحظى بفرصة لاستكمال حلمه والالتحاق بكلية الطب دون عمل إضافي أو تركه الكلية التي لطالما حلم بها منذ زمن بعيد.
طبيب الغلابة كان له عيادتان في المناطق الشعبية يذهب إليهما لخدمة المرضى، وتقديم الخدمة العلاجية بأسعار رمزية، وهذا بعدما اختلط بالمرضى في بداية حياته العملية ووجدهم فقراء جدًا، لم ولن يتمكنوا من دفع "أسعار الأطباء الحالية".
في رمضان 2020، قرر الشاب المعروف باسم "غيث" عبر برنامج "قلبي اطمأن" أن يساعد "ملاك الغلابة" بتقديم عقد لعيادة جديدة بها أحدث الأجهزة إلا أنه رفض رفضًا تامًا، قائلًا: "أنا بخدم الغلابة، أنا مش محتاج الكلام ده، أنا مش هتنقل من العيادة إلى أن يتوفاني الله".
وفي أحد اللقاءات سرد طبيب الغلابة، موقفًا حدث معه أثر عليه وكان: "إشعال طفل النيران في جسده ليريح أسرته من مصاريف علاجه التي كانت تعجز والدته عن دفعها في ظل احتياجات باقي أشقائه"، معلقًا: "لو وجد من يحنو عليه لما كان مات بسبب الفقر".
وعُرف الطبيب محمد مشالى بحبه لعمل الخير، حيث ظل متمسكًا، حتى أنفاسه الأخيرة، بعدم رفع قيمة كشفه والتي تكون بأسعار زهيدة فى متناول الفقراء.
ومن المقرر تشييع جنازة "طبيب الغلابة"، عقب صلاة الظهر غدًا، والتي ستخرج من مسقط رأسه في إيتاي البارود، بمنطقة ظهر التمساح.