رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صالح البحر: 30 يونيو نهاية لوجود تيارات الإسلام السياسي

محمد صالح البحر
محمد صالح البحر

يحل شهر يونيو من كل عام ومعه تحل ذكرى الثلاثين من يونيو 2013، ذكرى ثورة شعب استعاد هويته ومصره المختطفة من أنياب جماعة الإخوان الإرهابية.. «الدستور»، حاورت المثقفين حول ثورة 30 يونيو، ذكرياتهم معها، أثرها عليهم وعلى إبداعاتهم، والأهم ماذا لو كان استمر حكم الإخوان لمصر حتى الآن؟

قال الكاتب محمد صالح البحر: الانتصار هو الفوز والغلبة، لكننا عندما نضيف هذا المفهوم، أو ننسبه، إلى الشعب فإنه في هذه الحالة يعني الانحياز الكامل إلى شيء محدد للمطالبة بوجوده أو للدفاع عنه حتى يتحقق، فالشعوب لا تنحاز للمطالبة بشيء، أو للدفاع عن شيء ما، إلا إذا كان هذا الشيء يشكل بالنسبة لها قيمة جوهرية تمس وجودها، وأن عدم تحققه يعيق تحركها في الحياة.

وعندما يأتي هذا الانحياز من فئة محددة من فئات الشعب، فإنه يُسمى مطالب فئوية، وعادة ما تكون غايته هي الإصلاح. أما عندما يأتي من غالبية فئات الشعب فإنه يُسمى ثورة، وتكون غايته التي يريد الوصول إليها هي التغيير الشامل، لأن غالبية جموع الشعب ـ التي خرجت للمطالبة أو للدفاع عن انحيازها ـ ستكون ساعتها قد استنفذت قدرتها على الصبر، وفقدتْ الأمل تماما في فكرة الإصلاح.

تابع "البحر" موضحا: من هنا يأتي تعريف الثورة باعتبارها اندفاعا عنيفا لتغيير الأوضاع القائمة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأنها فقدت قدرتها على تلبية أو إشباع احتياجات الشعب، وفقدت قدرتها أيضا على ايجاد وسائل بديلة للحكم، ولم تعد تملك شيئا للاستمرار، وهو ما حدث فعلا في 30 يونيو 2013 ضد حكم جماعة الإخوان، كما حدث من قبله في 25 يناير 2011م ضد حكم مبارك.

إذا أردتَ أن تُشعل نارا، فأنت بحاجة إلى شيئين فقط، عود ثقاب مشتعل، وحطب يابس تماما، وفي الثورة يمثل الشعب فقد قدرته على الصبر عود الثقاب المشتعل، بينما يمثل النظام الحاكم الحطب الذي فقد ليونته وقدرته على التشكل، ويتوقف قيام الثورة على مدى حالة الاتقاد التي يكون عليها الشعب، ومدى الجفاف الذي يصل إليه النظام الحاكم، وتزامن ذلك في لحظة واحدة، فما الذي حدث في 30 يونيو، وكيف تزامنت اللحظتان لتنتجا فعل الثورة؟!

الحقيقة أن الشعب المصري في تلك اللحظة كان متقدا من تلقاء نفسة، لم يكن بحاجة إلى عود ثقاب مشتعل ليضرم فيه نار التحرك باتجاه التغيير، فقد كانت الحالة الثورية التي انفجرت في 25 يناير 2011 قبل أقل من عامين ونصف فقط لا تزال مشتعلة، وفترة العامين ونصف نفسها كانت ممتلئة بالأحداث السياسية الكبرى التي ساعدتْ على بقاء حالة الاشتعال هذه متقدة إلى أقصى مدى، فما إن تنحي مبارك حتى توالتْ الأحداث من بعده كأنما في سباق محموم للوصول ولو إلى حالة من الرضا تكفي لإشباع الحالة الثورية كي تهمد، وتشعر أنها قد وضعتْ أقدامها على طريق التغيير المرجو، هكذا جاءتْ أحداث تعديل الدستور وانتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم سباق الانتخابات الرئاسية الطويل، وكلها أحداث كبرى وكانت ممتلئة بالكثير من الانفعالات والتحزبات والانحيازات التي بدأتْ تكتسب صفة الفئوية بأكثر من كونها انحيازات عامة لصالح جموع الشعب وثورته التي دفعتْ بكل هؤلاء المتحزبين، المنفعلين لانحيازاتهم، إلى صدارة المشهد.
نصف الثورة كان متحققا إذن بالفعل قبل 30 يونيو، فماذا عن الحطب الذي كان يمثله النظام آنذاك متمثلا في جماعة الإخوان؟!.

تخبرني الحقيقة أن جماعة الإخوان هذه قد جعلت من نفسها حطبا للثورة المصرية حتى من قبل خطاب التنحي، وراح هذا الحطب يجف ويأخذ من رصيد وجودها مع كل حدث، حتى بلغ ذروة جفافه في 30 يونيو 2013م، بل إنني لن أكون مبالغا عندما أقول، إن حجم الجفاف الذي وصلتْ إليه هذه الجماعة كان كفيلا لكي يحرقها ذاتيا، ويُنهي وجودها الهش الذي وصلتْ إليه في تلك اللحظة.

فقبل تنحي مبارك عن الحكم لبَّتْ الجماعة دعوة عمر سليمان ـ نائب مبارك آنذاك ـ لما أسماه وقتها "الحوار الوطني" رغم الرفض الوطني الشامل له، والذي كان يرى فيه مجرد مناورة سياسية من نظام مبارك لإنهاء حالة الثورة في الميدان، وما إن تنحى مبارك حتى بدأ الجفاف يصيب الجماعة، وكأنها تكشف الغطاء عن نواياها الجافة، ليراها الجميع على حقيقتها وهي تتدثر به، فقد كانت أول القوى التي تخلتْ عن الميدان بعد التنحي ملتفتة إلى مصالحها الخاصة، وكأنها ترى ـ بلا أدنى وعي سياسي ـ أن لحظة تحقق طمعها في حكم مصر قد حانتْ.

اضاف مؤكدا: وكانت حالة الانقسام التي زرعتها الجماعة في الشارع المصري أثناء أحداث تعديل الدستور، والتي أطلق عليها أحد مشايخهم آنذاك لقب "غزوة الصناديق"، من أكبر الأحداث التي أخذت من رصيدها، وجففت وجودها في الشارع المصري إلى أقصى مدى، تلاها بعد ذلك الأداء الهش البارد الذي أعقب سيطرة الجماعة على مجلسي الشعب والشورى، والذي لم يفصح عن شيء سوى تخليها عن الثورة، وعدم قدرتها على المجيء بأي شيء جديد من شأنه أن يغير حال المصريين إلى ما هو أفضل.

ولولا أن الانتخابات الرئاسية قد آلتْ في نهاية الأمر إلى مواجهة ثنائية بين الجماعة، وأحمد شفيق الذي رأي فيه الكثيرون أنه مجرد امتداد، أو عودة، لنظام مبارك، ما فازتْ الجماعة بها، لكن الذي حدث أنها فازت، ورضي الجميع بما آلتْ إليه أخطاء الواقع، على أمل أن يتم تصحيح المسار في قادم الأيام، لكن الجميع رفع رأسه على أداء باهت وبطيء، يشبه أداء دولة مبارك، ويزيد عليه افتقاد الوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ووهم مشروع نهضته، واختلاط خطابه الإعلامي بالخطاب الديني الذي عزز من مخاوف تثبيت حالة الانقسام، حتى فوجئ الجميع بصدمة ما سُمي بالإعلان الدستوري، فهبوا جميعا باتجاه الخلاص.

هكذا كشفت الأحداث عن حجم الوجود الهش للجماعة التي لم يبق حولها في تلك اللحظة سوى الأتباع القليلين، فيما راح كل الشعب بانحياز كامل ينتصر لثورته، وهكذا أيضا شكلت ثورة 30 يونيو نهاية مستحقة ليس فقط لوجود جماعة الإخوان، بل نهاية لوجود كافة تيارات ما يُسمى بالإسلام السياسي، وإن ظلتْ بعض أفكارهم المظلمة لا تزال تجوس هنا وهناك، بغية أن تتحسس لنفسها وجودا هشا، تأمل به أن تستعيد توازنها من جديد يوما ما، فإن نصوع وقوة التجربة الثورية في 30 يونيو أقوى من أي وجود هش، وإن الوقت الذي لا يكف عن التقدم للأمام كفيل بمحو كل أمل كاذب يبغي إيقاف عقارب الساعة، أو شدها للخلف، خصوصا مع دوران عجلة الإبداع الثقافي والفني التي لا تكف عن نشر ضوئها لإنارة الطريق أمام الناس.

في روايتي "نصف مسافة" اخترت مكانا بعيدا لرؤية الحالة الثورية في 25 يناير، كان الصخب عاليا وكنت أوقن أن الرؤية عن بُعد رؤية شاملة، وهكذا رأيت كيف اختار الرجل ذو اللحية الطويلة والجلباب القصير النزول من السيارة قبل أن تُكمل رحلتها، مفضلا ــ بجهله الغاضب، وانتهازيته غير الواعية ــ التوهان في ظلام الصحراء على تعب الطريق والوصول إلى أضواء المدينة، فيما اختار الجندي أن يواصل رحلته مع الناس رغم ضياع حبه بسبب أفكار القبيلة وعاداتها المظلمة، ورغم معاناة الطريق إلى النور، الآن يغمرني إلحاح عنيف في إكمال نصف المسافة، تحت اكتمال الضوء ووضوح الرؤية.

أسأل نفسي كثيرا، ماذا لو ظل الإخوان في مصر حتى اليوم؟! وأجيبها كثيرا أيضا، لم أكن لأستمر في الكتابة بكل تأكيد، فالكتابة نور، والنور والظلام لا يجتمعان أبدا في مكان واحد، أو زمن واحد، وعندما أدرك أن شيئا من ذلك لم يحدث، أعرف أنه قلق المبدع، خوفه الدائم من انتشار الظلام، وحرصه الحثيث على وجود النور.