رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقدمات حرب 1967 «5»


وكما ذكر سابقًا فإنهُ بعدَ أنْ باشرتْ سوريا بحفرِ قناةٍ لمشروعِ تحويلِ نهرِ بانياس، قامتْ إسرائيلُ بتدميرِ العتادِ الهندسىِ، المستخدم فى الحفر، مستخدمةً نيرانَ المدفعيةِ والدباباتِ والقصفِ بالطيرانِ، وذلكَ بتاريخِ ١٦ مارسَ ١٩٦٥، ١٣ أبريلَ ١٩٦٥، ١٤ يوليو ١٩٦٦، الأمرُ الذى أدى إلى تدميرِ آلياتِ المشروعِ ووقفِ العملِ به، دونُ أنْ تتمكنَ القيادةُ العامةُ الموحدةُ منْ تأمينِ قوةٍ عربيةٍ رادعةٍ تقومُ بحمايةِ المشروعِ والردِ على الضرباتِ الإسرائيليةِ.
وكانتْ منظمةُ التحريرِ الفلسطينيةِ بعدَ عقدِ مؤتمرها الأولِ فى القدسِ فى مايو ١٩٦٤، وإقرارَ ميثاقها الوطنىِ، قدْ باشرتْ عملياتها الفدائيةَ عبرَ الحدودِ السوريةِ والأردنيةِ، وأعلنتْ عنْ أنها نفذتْ حوالى أربعينَ عملية فى عامِ ١٩٦٤، و٣٥ عملية فى عامِ ١٩٦٥، و٤٤١ عملية فى عامِ ١٩٦٦، و٣٧ عملية فى الأشهرِ الخمسةِ الأولى منْ عامِ ١٩٦٧.
وفى الوقتِ الذى كانتْ فيهِ المملكةُ الأردنيةُ الهاشميةُ تعلنُ عنْ رغبتها فى ضبطِ هذهِ العملياتِ، وبصورةٍ خاصةٍ بعدَ العمليةِ الإسرائيليةِ على قريةِ السموعْ، كانتْ سوريا تعلنُ عنْ أنها لنْ تقفَ حائلةً بينَ الشعبِ الفلسطينى وحقهِ فى تحريرِ أراضيهِ، وأنها لنْ تعملَ شرطيًا لحمايةِ خطوطِ الهدنةِ، وهذا ما جعلَ إسرائيلَ تركزُ الجهدَ الرئيسى لعملياتها على اتجاهِ سوريا.
كما عانى حزبُ البعثِ الحاكمِ «الذى لمْ يتسلم الحكمُ إلا قبلَ أربعِ سنواتٍ منْ حربِ الأيامِ الستةِ» احتجاجات وتحديات؛ بدأَ الشعبُ السورى يفقدُ ثقتهُ بحكومتهِ، وبقدرتها على الإبلاغِ بصدقِ عنْ الأحداثِ المحليةِ والإقليميةِ.
واجهتْ الحكومةُ السورية كل منْ سولتْ لهُ نفسهِ أنْ ينبس ببنتِ شفةٍ عنْ أسبابِ الهزيمةِ، ولمْ يعرفْ الناسُ فى الداخلِ ما حدثَ وأبعادهُ إلا منْ الصحفِ الأجنبيةِ والإذاعاتِ الأجنبيةِ، كما كان هناكَ غموضٌ فى التعاملِ معَ الحربِ والانتقاداتِ، وأدتْ الاحتجاجاتُ إلى صراعِ قوى ضمنِ أعلى مستوياتِ النظامِ.
وفى العامِ ١٩٧٠، أوصلَ انقلابٌ غيرُ دموى حافظْ الأسدْ إلى السلطةِ، وسطرَ بدايةِ حكم آلَ الأسدِ وسيطرتهُ على الدولةِ السوريةِ لعقود أربعة تالية.
غيرَ أنَ أهمَ ما تمخضتْ عنهُ هزيمةُ يونيو ١٩٦٧، وظهرَ تأثيرهُ واضحًا جليًا فى الأعوامِ التاليةِ حتى يومنا هذا، هوَ ظهور مناصرى الإسلامِ السياسى، وعللوا الهزيمةَ بأنها كانتْ لأنَ الأنظمةَ الحاكمةَ ابتعدتْ عنْ الربِ.. فقد ذكر الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى أنَه سجدَ للهِ شكرًا عندما وقعتْ الهزيمةُ، لأنها كانتْ منْ وجهةِ نظرهِ هزيمةً للسوفييتِ الشيوعيينَ والملحدينَ، وكانَ ذلكَ فى تسجيل تليفزيونى قديمٍ، قدمهُ المذيعُ المعروف طارقْ حبيب، وفيه أعلن الشيخ عن أنهُ استقبلَ الاثنين «نكسة يونيو ونصر أكتوبر» استقبالًا واحدًا، وحينما سألهُ المحاور طارقْ حبيب عنْ السببِ، قالَ الشعراوى إنهُ سجدَ فى المرةِ الأولى لأننا لو نُصرنا ونحنُ فى أحضانِ الشيوعيةِ لأصبنا بفتنةٍ فى ديننا، فربنا نزهنا عنها.. أما فى المرةِ الثانيةِ فقدَ سجدَ، على حدِ تعبيرهِ، «لأننا انتصرنا ونحنُ بعيدون عنْ الشيوعيةِ، وشىء آخر أنها استهلتْ باللهِ أكبر، فلما بلغنى أنَ الانتصارَ بشعارِ اللهِ أكبرَ سجدت للهِ شكرًا، حيثُ جاءَ الانتصارُ ورد الاعتبار».
كما وقعت فى سوريا مظاهرات لبعضِ السلفيين، كانَ أهمها ما وقعَ فى حماة فى سوريا، التى دمرتْ المظاهرات فيها أكثرَ منْ نصفِ المدينةِ وأوقعتْ نحوَ ٢٥ ألف شخص ردًا على انتفاضة الإسلاميينَ، على خلفيةِ الأزمةِ الاقتصاديةِ والمساواةِ الاجتماعيةِ وصعود المجموعاتِ الإسلاميةِ.. وكانَ اللاعبونَ الإسلاميونَ فاعلين، ليسَ لقدرتهمْ على توفيرِ نظرةٍ سياسيةٍ بديلةٍ للمحرومينَ فحسب، إنما كذلكَ بسببِ الدعمِ الذى حظىَ به خطابهمْ وأيديولوجيتهمْ منْ تيارِ القوميةِ والظلمِ الاجتماعى والهويةِ العربيةِ.. وبينما قمع حكم الأسدِ المتسلطِ الوحشى هذهِ المجموعاتِ، وكذلكَ ناشطى المعارضةِ عمومًا، وضعَ حجر الأساسِ للبنيةِ التحتيةِ للمعارضةِ والنشاطِ الثورى.. وساعدَ على ذلكَ تنامى أوجهِ عدمِ المساواةِ وأيقظتها مجددًا ثوراتِ الربيعِ العربى التى قامتْ فى العامِ ٢٠١١.. وبظهورَ السلفيينَ والنزعاتِ جرتْ مياهٌ كثيرةٌ تحتاج لمقالات أخرى للحديثِ عنها.. كما أصابتْ الهزيمةُ الأيديولوجيا القومية العربية والهويات الخاصة بحالةٍ منْ الضعفِ، وأوشكتْ على التلاشى، وفقدتْ شعاراتها الزخمَ وقيمتها الحماسيةَ، ولمْ تعدْ تجدى.. كما ظهرَ السخطُ الشعبى المكتوم، وتجرأتْ الجماهير على التظاهر ضد الزعامات التقليديةِ، وصارتْ الناسَ توجهَ لهمْ اللوم، سواءً فى العلن أو فى السرِ.