رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلاد منحلة أخلاقيًا تحتل المراكز الأولى فى التقدم الإنسانى


أندهش كثيرًا من العرب المسلمين والمسلمات الذين لا يكتفون بالاستمتاع والراحة وحُسن الضيافة ومظاهر التراكم الحضارى الراقى فى البلاد المتقدمة التى احتضنتهم دون تمييز أو عنصرية، بل يحاولون «أسلمة» هذه البلاد باعتبارها «دار كفر» علمانية، متعددة، مدنية، لا تغطى النساء، ويعربد بها جميع أنواع الانحلال الأخلاقى، وذلك حتى تصبح بلادًا «إسلامية»، دار إسلام، ودار إيمان، ودار دين، ودار تغطية النساء، ودار ازدهار القيم الأخلاقية والفضيلة، ودار تطبيق الشريعة الإسلامية، وبناء الخلافة الإسلامية كما عرفها السلف الصالح.
إذا كانت البلاد «المتقدمة» التى لجأ إليها بعض العرب المسلمين هى بلاد الكفر والانحلال الأخلاقى وترك النساء دون تغطية، فلماذا أصلًا لجأوا إليها؟.
لماذا لم يبقوا فى بلادهم التى يسود فيها الإسلام، وتغطية النساء، والالتزام الأخلاقى، والفضيلة، وأكشاك الفتاوى، وتدخل رجال الدين فى شئون المجتمع، وهيمنة السلفيين على الإعلام الفضائى ودور الحضانات والمدارس والمساجد والجمعيات الشرعية والمراكز الإسلامية والبنوك الإسلامية؟.
هؤلاء العرب المسلمون الذين يؤمنون بأن الدين عند الله هو الإسلام، لماذا يهاجرون إلى بلاد محايدة تجاه الأديان، تحكمها دساتير علمانية لا نصوص دينية، لا شريعة دينية، ولا سُنن الرسل والأنبياء؟.
وكيف لهم أن يصفوا الحضارة الغربية بالكفر، بينما هم ينهلون من خيراتها ومكتسباتها واكتشافاتها وعلومها وفنونها وقوانينها والتراكم الإنسانى الراقى لها؟.
سمعت وشاهدت عبر قناة فضائية أحد شيوخ السلفيين يقول: «إن الله يسخّر لنا كل إنجازات الغرب لكى ينعم المسلمون بها.. الأمة الإسلامية خير أمة على الأرض والغرب كفرة منحلون أخلاقيًا.. ولذلك هم الذين يجب أن يتعبوا لنستفيد نحن دون جهد».
وقالت شيخة سلفية منتقبة: «إن السكوت عن الانحلال الأخلاقى السائد فى الدول الغربية ذنب فى رقبتنا يوم القيامة.. نعيش فى دولة كافرة فاسقة لكننا نحاول بكل الوسائل أن نهديهم إلى الإيمان والفضائل، وإقناعهم بضرورة ازدراء حضارتهم المنحلة الفاسقة وإعلان الإسلام دينهم ودولتهم».
لا أدرى من أين جاءت فكرة أن الغرب «منحل أخلاقيًا» التى تتردد على ألسنة المسلمين والمسلمات وفى أغلب وسائل الإعلام؟.
السبب هو أن هؤلاء المسلمات والمسلمين يحصرون «الاستقامة الأخلاقية» فى موقف واحد وحيد هو العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل، هم يعطون درجات أعلى فى مكارم الأخلاق وفقًا للكبت العاطفى الجنسى فى الغرب.
كلما زاد الكبت العاطفى وارتفع مستوى الحرمان الجنسى، أصبحت الأخلاق أفضل والفضائل فى أمان، ولأن الدول الغربية مثلما تؤمن بحرية الرأى وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الإبداع وحرية الاعتقاد، تؤمن أيضًا، وبالدرجة نفسها، بحرية الحب وحرية الجنس وحرية العواطف، فإنها «منحلة» «فاسقة» وتشجع على الانحراف والفساد والفُجر.
مَنْ قال إن محاسن الأخلاق ترتبط فقط بالجزء الأسفل من جسد الإنسان، رجلًا كان أو امرأة؟، وماذا عن الجزء العلوى وهو العقل، الذى يحمل الأفكار والأحلام وإمكانيات الإبداع والتفوق العلمى والتطور التكنولوجى ويوجه سلوكيات الإنسان؟.
كيف يمكن لمجتمعات «منحلة أخلاقيًا» أن تتقدم وتبدع وتكتشف وتخترع وتتفوق وتنبغ فى كل المجالات؟ كيف لدول «فاسقة» أن تحتل المراكز الأولى فى جودة الحياة ونوعية التعليم وحماية البيئة؟.
إن مجتمعاتنا العربية الإسلامية التى تتقاتل بسبب أديان موروثة، وتتضخم فيها المواعظ الدينية الأخلاقية، تمتلئ بكمية من الانحرافات الجنسية والانحلالات الأخلاقية الصادرة عن الجزء الأسفل للإنسان بشكل أكبر بكثير من أى مجتمع فى الغرب أو فى الشرق فى الشمال أو الجنوب، لكنها كلها تحدث «سوكيتى»، «دكاكينى»، متخفية من تحت المائدة وتحت بير السلم.
ثم ماذا عن الشرق؟، هل نعتبر الصين مثلًا بلدًا «منحلًا أخلاقيًا»، أم نعتبره بلدًا «ملتزمًا أخلاقيًا»؟.
نحن لا نصف الإنسان فى مجتمعاتنا، امرأة أو رجلًا، الذى يمارس الكذب والنفاق والانتهازية وخيانة العهد، واستغلال الغير وتشويه سمعة الناس وعدم الالتزام بالوقت وعدم الإحساس بحقوق وحريات الآخرين، والتزوير والتدليس وعدم إتقان العمل والتعصب الدينى والذكورى وتكفير مَنْ يختلف، بـ«الانحلال الأخلاقى»، مع أن هذه الأمور هى صلب الانحلال الأخلاقى، غير الموجود فى الغرب.
هذا ليس معناه أنه لا يوجد مواطن يكذب مثلًا أو يستغل آخرين فى دولة غربية، وأنه ليس هناك فى مجتمعاتنا مواطنة لا تنافق.
الإنسان الذى ينزل ضيفًا على أصحاب البيت ليس من حقه أن يقوم «بتغيير» نظام البيت وتقسيم حجراته وإعادة ترتيب الأثاث.
وهكذا على العرب المسلمين أن يفعلوا مع الدول الغربية التى تستضيفهم، حتى لو أعطتهم الجنسية تبقى الحقيقة أنهم «ضيوف»، عليهم الامتثال لنظام البيت واحترام السكان الأصليين، وعدم إعاقتهم فى مواصلة الجهد لإبقاء البيت نظيفًا وراقيًا وهادئًا وآمنًا، وعليهم البحث عن طرق أخرى لكسب ثواب الله، ليس من الضرورى تدمير الآخرين لدخول الجنة.