محمد إبراهيم طه: الكتابة الروائية ستختلف بعد أزمة كورونا
يملك الروائي والقاص والطبيب محمد إبراهيم طه، رؤية متفردة فيما يخص الكتابة وكذلك طرح أكثر من رأي أو وجهة نظر فيما يخص موقف وعلاقة المبدع أو الكاتب بأزمة "الجائحة" أو مرض كوررونا، عبر أكثر من برنامج تليفزيوني وصحيفة في الفترة الأخيرة، فكان الإنصات لما طرح وتحديدا في مسار سطوة الأوبئة وطغيانها بأشكال متعددة من الرعب، انعكست بشكل إيجابي وسلبي أيضا وتحديدًا فيما يخص ما صنعته من رجرجة وخلخلة في قناعات ورؤى ومستقبل الكتابة والسرد.
وفي حوار استثنائي لـ"الدستور"؛ تحدث محمد إبراهيم طه عن وباء "كورونا" وعلاقته بذاته وحراكه ومستقبل الكتابة والأفكار في مصر والعالم وواقع الأفكار والكتابة وأشكال أخرى.
* سألته بداية حول زلزال كورونا.. كيف ترى الأزمة حاليا وآثارها؟
- بعيدا عن انعكاسات أزمة كورونا سياسيا واقتصاديا من انهيار اقتصادي لدول صغيرة وكبيرة على حد سواء، وانتقال الثقل الاقتصادي وربما السياسي أيضا لأول مرة في التاريخ الحديث من الغرب إلى الشرق، وكشف عجز وانهيار منظومات تأمين طبي وصحي مشهود لها بالكفاءة والرسوخ والقوة على مستوى العالم، فإن هذه الأزمة من المرشح أن تغير وجه الكرة الأرضية بدءً من حصد ملايين الضحايا بالرغم من كل التدابير التي وصلت إلى مرحلة من البيات الشتوي لكل أوجه الحياة، وأنشطتها من سياحة وتجارة وطيران وتصنيع، إلى توقف كل الأنشطة الاجتماعية الفيزيقية من أفراح ومواساة ومراسم تشييع وعزاء وتجمعات طقسية احتفالية اجتماعية أو دينية واستبدالها بالفضاء الإلكتروني، المفجع في الأمر أن العالم لا يعرف ولا يستطيع على وجه التحديد أن يحدد موعدا لنهاية هذه الحالة من البيات والتي تنذر ـ لو طالت ـ بتوقف عام في الحياة بيولوجيا.
* كطبيب كيف ترى معركة العالم مع كورونا ؟
- أرى المعركة علمية بالأساس، وما يحدث في الشوارع والبيوت ما هو إلا صدى لمعركة، طرفاها المباشران هما العلماء من جهة والفيروس من جهة أخرى، وتحت بند العلماء تأتي المعامل والمصانع الأدوية والأطباء والصيادلة ومعامل الأبحاث، أما باقي طوائف العالم فهي تتفرج على آثار المعركة وخسائرها، ولا تملك سوى اتخاذ تدابير معاونة من شأنها تقليل الخسائر وتسيير حياة الناس أثناء المعركة، المعركة علمية بالأساس، ونتيجتها محسومة مسبقا، لصالح العلم، ومن ثم لصالح الحياة وضد الفيروس، والبشر كلهم على تفاوت موقعهم من طرفي المعركة لديهم الثقة في ذلك، وهي ثقة حقيقية مستندة على منجزات علمية ودوائية وطبية وصناعية وتكنولوجية هائلة، تؤهلهم للخروج منتصرين، وإن بعد وقت.
* وكروائي كيف تنظر إلى شكل الكتابة فيما بعد كورونا؟
- ستحدث مراجعات بشأن الكتابة الروائية على وجه التحديد، ربما تصدرت رواية الكوارث والأوبئة الأعمال القادمة، وسيفسح المجال أكثر أمام الرواية المعلوماتية، الرواية المعرفية، التي تحتفل بالمعلومة، العلمية، التاريخية، والكونية والتي تحاول أن تشفي غليل بشرية متعطشة إلى المعرفة، وأتوقع أن تكون الروايات أكبر حجمًا من الرواية الحالية، وسيحدث نوعًا من السيولة في المعايير ىالتي سيتحكم فيها القارئ أكثر من الكاتب، حيث سيكون القارئ أكثر ميلا إلى الروايات الثرثارة وغير المكثفة، والتي تحتفل بالتفاصيل والتكرار، وما لم تكن هناك ضوابط فنية وأدبية ستشهد الرواية نوعا من الفوضى واختلاط المعايير وقلة الفنيات.
* كيف تنظر كطبيب وروائي إلى هذه الكارثة؟
-أرى أن ما تفعله البشرية أمام كارثة كورونا لا يعدو أن يكون طريقا من اثنين، إما المواجهة كاختيار أول، أو المناورة لكسب الوقت، والعالم كله اختار الطريق الثاني، المناورة إلى أن يتم التعرف على خصائص الفيروس ودراسته ومن ثم مواجهته، الهروب المؤقت وتحمل خسائر قليلة إلى أن يتم ترويض الثور الهائج، لأن الطريق الأول (والمتمثل في ممارسة كافة أنشطة الحياة المعتادة) كفيل بخسران مئات الملايين ربما من البشر قبل أن يتم اكتشاف تطعيم ضد الفيروس، أو علاج ناجع يوقف مضاعفاته القاتلة على الجهاز التنفسي، مناورة لكسب الوقت، لكن يبدو أن كلفة الاحتماء بالبيت مضافة إلى الخسائر الاقتصادية ستكون باهظة، والتي ربما ستكون أكثر من كلفة المواجهة الشاملة، الأمر الذي قد يدفع البشرية في نهاية المطاف إلى العودة إلى الخيار الأول، وهو المواجهة الشاملة وممارسة كافة الأنشطة المعتادة وتقبل المزيد من الضحايا من أجل باقي العالم، وهو ما سيضع الأنظمة الرأسمالية كلها أمام مأزق أخلاقي مخجل، الأنظمة التي ظلت تتشدق خلال عقود بقيمة الفرد والحياة وقيمة الروح البشرية التي تفوق كل ما دونها من اعتبارات.
* هل ترى أن كورونا مرض فيروسي أم فيروس مخلق؟
- بعيدا عن نظرية المؤامرة، على مدار تاريخ البشرية تحدث الأوبئة والجوائح الكبرى والتي تهدد وجود البشرية وتكلفها خسائر فادحة، ووجود فيروس بهذه الشراسة ليس أمرا غريبا بالاستقراء العلمي والتاريخي، ومن ثم أميل إلى رفض فكرة أن يكون الفيروس مخلقا، خاصة وأن آثاره التدميرية لم تميز بين دول كبرى وصغرى، لقد انتشر الفيروس فجأة في أكثر من 180 دولة في أقل من ثلاثة شهور، ومع إيماني بفكرة الحرب الميكروبية والأبحاث الكثيرة في هذا الاتجاه إلا أنني أرفض أن تكون أزمة كورونا الحالية وراءها مثل هذه المؤامرة، لأنها بمثابة اللعب بالنار الذي قد يحرق الجميع، وقد اعتدنا في الحروب أن يكون هناك ضوابط.
*ما أهم انعكاسات هذه الأزمة وهل نحن أمام نهاية العالم أم أمام عالم جديد؟
- أهم الانعكاسات لهذه الأزمة نفسية، ستدفع الكثير من البشر إلى مراجعة الكثير من الثوابت والمفاهيم والأفكار، الفكرية والدينية والأخلاقية، وربما أدت الأزمة في نظري إلى مزيد من الإيمان بقدرة الإنسان وبالعلم وبأهمية الحياة في مقابل الفناء، وربما إعادة النظر في شكل الحروب، وفي التعايش، وربما دفعت الأقل علما والأكثر إيمانا بالغيبيات إلى مزيد من الإيمان والتسليم الروحي، انعكاسات الأزمة اقتصاديا ربما يمكن التعافي منها بسهولة، أما الأزمة النفسية والمراجعات، فستظل الأقوى والأطول بما يؤكد أننا بلا شك سنكون أمام عالم جديد، تعاد فيه الترتيبات والأولويات وتؤكد فيه المفاهيم الجديدة.
الدكتور "محمد إبراهيم طه" هو عضو سابق بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو اتحاد الكتاب ونادي القصة وجمعية الأدباء، وله إسهام بارز في المنتدى الأسبوعي لورشة الزيتون الأدبية بالقاهرة.
وصدر له من قبل:
(1) توتة مائلة على نهر ـ قصص قصيرة ـ هيئة قصور الثقافة 1998.
طبعة ثانية ـ مكتبة الأسرة ـ هيئة الكتاب 2002
(2) سقوط النوار ـ رواية ـ طبعة أولي ـ قصور الثقافة 2001
طبعة ثانية ـ دائرة الثقافة والإعلام ـ الشارقة ـ الإمارات.
طبعة ثالثة ـ مكتبة الأسرة ـ هيئة الكتاب 2004.
(3) العـابرون - رواية دار الهلال، نوفمبر 2005
طبعة ثانية 2012، مطبوعات ورشة الزيتون.
(4) الركض في مساحة خضراء قصص قصيرة: هيئة الكتاب – مكتبة الأسرة 2006.
(5) دموع الإبل ـ رواية دار الناشر 2008
طبعة ثانية 2012، مطبوعات ورشة الزيتون.
طبعة ثالثة، دار النسيم للطباعة والنشر 2018
(6) امرأة أسفل الشرفة – قصص قصيرة – كتابات جديدة – الهيئة العامة للكتاب 2012
(7) طيور ليست للزينة – قصص قصيرة – دار دوّن للنشر والتوزيع 2014
(8) باب الدنيا ـ رواية ـ طبعة أولى، دار النسيم للطباعة والنشر2017
(9) البجعة البيضاء رواية، طبعة أولى، دار النسيم للطباعة والنشر 2018
(10) الأميرة والرجل من العامة قصص قصيرة، طبعة أولى، النسيم،2019