الرسول فى مصر (28)
محمد الباز يكتب: الغناء على باب النبى
لعقود طويلة اجتهد أصحاب أقلام ينتمون إلى التيارات الإسلامية فى تشويه كل ما يتعلق بحياة الكتاب والفنانين والمطربين المصريين.
كل ما أستطيع أن أقوله لك إن كثيرًا من الصور التى يرسمونها عن الدين فى حياة المشاهير ليس صحيحًا، لكن بتأثير هذه الكتابات أصبحنا نستريح إلى أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن الدين، الله ليس موجودًا فى حياتهم، الرسول، صلى الله عليه وسلم، لا ينال منهم صلاة ولا سلامًا، لا يعرفون طريقًا إلى بيوت الله، ولا يحتل كتابه أى وقت من حياتهم.
لا يدلنا هؤلاء من أين عرفوا هذا عن المشاهير، لكنهم يلفقون الحكايات التى تطفح بالكذب والزور والبهتان، للدرجة التى أصبحت ملتصقة بهم لا يستطيعون منها فرارًا.
عندما تتأمل حياة هؤلاء الفنانين والكتاب والمطربين ستجدهم ربما الأقرب إلى الله ورسوله، ليس لأنهم يغنون للنبى أو يشاركون فى أعمال تصور حياته وسيرته، ولكن لأنهم على أرض الواقع مثلنا جميعًا، فى حاجة إلى مدد من النبى، صلى الله عليه وسلم.
وقد تسأل: ولماذا تجتهد التيارات الإسلامية فى تشويه صورة هؤلاء المشاهير، بطردهم من رحمة الله التى لا يملكها إلا هو، سأقول لك: ببساطة إنهم يمارسون خطتهم فى أن يجعلوا من أنفسهم وكلاء الله على الأرض، وحدهم الذين يدافعون عنه ويعملون من أجله.
أعتقد أن هذه الحكايات فيها الرد الكافى.
هى فقط نماذج مما جرى... ويمكنك أنت أيضًا أن تبحث عن حكايات أخرى.
أم كلثوم أمام قبر النبى: ولما أشوفك يروح منّى الكلام وأنساه
جرت هذه الواقعة فى العام ١٩٥٦، بطلها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذى ذهب إلى السيدة أم كلثوم التى كانت قد عادت من رحلة الحج ليطمئن عليها ويهنئها بسلامتها.
سأل هيكل السيدة أم كلثوم: هيه... ماذا قلت وأنت واقفة أمام الروضة الشريفة، وقبر الرسول، صلى الله عليه وسلم؟ هل همست فى نجواك بإحدى أغنياتك العابدة الخاشعة التى تغنيها له وأنت هنا فى القاهرة؟
ردت أم كلثوم: اسكت... لم أستطع أن أفتح فمى بكلمة واحدة.
بدهشة شديدة قال لها هيكل: أنتِ! أنتِ التى تغنى فى مدحه وفى سيرته أروع ما قيل من قصائد كالهمزية النبوية ونهج البردة وإلى عرفات الله.
بددت أم كلثوم دهشة هيكل، وقطعت عليه طريق الدهشة، قالت له: نعم... نعم... أنا التى أجد نفسى فى مدحه وسيرته، هنا على البُعد، مثل اللبلب وجدت نفسى فى رحاب قبره وليست على لسانى كلمة واحدة.
وقبل أن يلتقط هيكل أنفاسه، لاحقته الست، قالت: العجيب أنى عندما وجدت المدينة المنورة تبدو أمامى قابعة فى أحضان الرمال ورأيت المآذن والقباب الخضراء فوق الروضة الشريفة، أحسست بفيض جياش من المشاعر والأحاسيس، وأخذت أتحدث وأعبر عنها فى طلاقة، فلما وصلت إلى الروضة نفسها، ووقفت أمام القبر الطاهر، ران علىّ الصمت وتملكنى السكون.
ضحك هيكل فى وجه الست: لم تستطيعى أن تتذكرى ولا قصيدة واحدة من أغانيك؟
جاملت الست هيكل بضحكتها الرائقة، وقالت: تذكرت أغنية واحدة ولكن بعد أن خرجت.
سألها: أيها؟
قالت: الأغنية التى أقول فيها «ولما أشوفك يروح منى الكلام وأنساه».
كان النبى، صلى الله عليه وسلم، حاضرًا فى حياة أم كلثوم بنت البيئة الدينية الوسطية التى تملكها الوجد وهى تغنى له أغنياتها الخالدة التى نحفظها جميعًا، كانت تفعل ذلك بعبقرية وأريحية نادرًا ما تجدها عند أحد، لكن عندما أصبحت أمامه وجهًا لوجه لم تتذكر شيئًا.
أعتقد أن أم كلثوم لم تبحث عن تفسير لما جرى لها، فقد عاشت الحالة، وهذا بالنسبة لها كل شىء.
هل تعرف أنت ما الذى حدث لها؟
سأتركك تفكر، قل ما عندك، من حقك أن تصف أحوال مداحة النبى، لكننى أعتقد أن أم كلثوم عندما عبرت الحدود ووجدت نفسها أمام قبر النبى، صلى الله عليه وسلم، أدركت أنها هذه الإنسانة الضعيفة التى تحتاج إلى المدد من النبى، كل ما حصدته من شهرة ونجومية وثروة وسطوة ونفوذ لا شىء أمام النبى، صلى الله عليه وسلم.
ما لم تقله أم كلثوم لهيكل... إنها كانت هناك واحدة من مريدات الرسول، صلى الله عليه وسلم، تضاءل فى نظرها كل شىء، لأنها تقف أمام من يمثل لها كل شىء.
عبدالحليم حافظ يكشف سر أغنيته «روحوا له المدينة»
لا يكشف الدكتور على جمعة، مفتى مصر السابق عن كل وجوهه.
عندما تتابعه عبر الفضائيات الكثيرة التى يظهر على شاشاتها مفتيًا ومتحدثًا ومشتبكًا مع القضايا المعاصرة، لن تتخيل أنك أمام صوفى كبير، وعاشق للنبى، صلى الله عليه وسلم.
هذا الوجه يمكن أن تتطلع إليه فى جلسات الشيخ مع مريديه، فهو شيخ الطريقة «الصديقية الشاذلية».
فى هذه الجلسات يأخذك على جمعة إلى عالم آخر تمامًا، ستراه شخصًا متجردًا تمامًا من كل وأى شىء، يمكنك ببساطة أن تشعر أن آل البيت يجلسون إلى جوارك فى حضرته، فشدة حبه لهم تجعلك مشدودًا إليهم، للدرجة التى ستتخيلهم بالفعل إلى جانبك، هذا إذا لم يأخذك الوجد وتتخيل أنك تتحدث معهم.
من الأسرار التى كشفها الدكتور على جمعة، أن الفنان الكبير عبدالحليم حافظ غنى للنبى، صلى الله عليه وسلم، وأن أغنيته الشهيرة «أبو عيون جريئة» ليست هى فقط هذه الأغنية العاطفية الشهيرة التى يتغنى بها محبوه، ولكنها أغنية تم نسجها على كلمات كانت تقال فى النبى، صلى الله عليه وسلم.
لم يفصح على جمعة عن الكلمات التى غناها عبدالحليم حافظ للنبى، صلى الله عليه وسلم، اكتفى فقط بأن قال إن عبدالحليم كان رجلًا مؤمنًا ويحب النبى كثيرًا.
أمسك خصوم على جمعة بما قاله، سخروا منه، رأى الإخوان أن ما قاله فرصة للهجوم عليه والنيل منه، قالوا لأتباعهم: هذا هو مفتى مصر السابق الذى يعادى الإخوان، يسخرمن النبى، يلفق قصة من عنده، يمنح عبدالحليم حافظ ما لا يستحقه، عندما يجعل منه مداحًا للنبى، صلى الله عليه وسلم.
ظل إفك الإخوان يتردد دون أن يتصدى له أحد، حتى وجدنا تسجيلًا صوتيًا لعبدالحليم حافظ فى أحد البرامج الإذاعية، يتحدث عما جرى.
فالأغنية الشهيرة التى كتبها مرسى جميل عزيز ولحنها كمال الطويل، وتقول كلماتها «قولوا له قولوا له قولوا له الحقيقة قولوا له بحبه بحبه من أول دقيقة»، كانت فى الأصل: «روحوله روحوله روحوله المدينة روحوله وشاهدوا وباركوا وعاهدوا نبينا محمد نبينا».
أنهى هذا التسجيل الصوتى الفتنة التى خطط لها الإخوان، لكنه أكد لنا أنه كانت هناك مساحة خاصة يحتلها النبى، صلى الله عليه وسلم، فى حياة عبدالحليم حافظ عبر عنها بهذه الأغنية.
شادية تنادى النبى: خد بإيدى والرسول يستجيب لها
من بين ما كانت تنتظره مصر كلها خلال سنوات طويلة مضت، حفل «الليلة المحمدية»، ففى كل عام كان يحتشد عدد كبير من المطربين والمطربات والملحنين والفرق الموسيقية ليحيوا ذكرى النبى، صلى الله عليه وسلم، بالغناء فى محبته.
المفارقة أن إحياء ذكرى النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالحفلات الغنائية فقط، وهى الحفلات التى تركت لنا تراثًا هائلًا من الأغانى التى تسجل الحالة المصرية الخالصة من حب المصريين للنبى، صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أنه لا يوجد مطرب واحد أو مطربة واحدة فى مصر ليست لهم أغنية فى حب النبى.
كانت هناك أيضًا مسابقة عالمية فى السنة النبوية، متسابقون من كل دول العالم يتم اختبارهم فى حفظ ودراسة أحاديث النبى، صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه المسابقة تتوج باحتفال مهيب يحضره رئيس الجمهورية، يكرم الذين يخدمون السنة فى كل مكان على الأرض.
من أهم الأحداث التى ارتبطت بالليالى المحمدية كان اعتزال المطربة الكبيرة شادية، والذى بدأ بعد إنشادها أغنيتها الشهيرة «خد بإيدى» فى حفل الليلة المحمدية فى العام ١٩٨٦.
قبل شهور من هذا الحفل وفى العام ١٩٨٥، سافرت شادية إلى الأراضى المقدسة لتؤدى فريضة الحج، وهناك التقت الشاعرة الكبيرة «علية الجعار» التى نذرت نفسها منذ سنوات لكتابة الأغانى الدينية، فجمعتهما رغبة أن تغنى شادية من كلمات علية.
عادت علية الجعار من الأراضى المقدسة، وبينما كانت تتحدث مع الإذاعى الكبير فهمى عمر، رئيس الإذاعة وقتها، فى احتفال يليق بالنبى، صلى الله عليه وسلم، ووقتها ولدت فكرة الليالى.
كان فهمى عمر يفكر فى أن تكون الليلة المحمدية الأولى حدثًا كبيرًا يتحدث عنه العالم الإسلامى كله، تذكرت علية الحديث الذى دار بينها وبين شادية فى الأراضى المقدسة، أخبرت فهمى عمر به، فاستقر الرأى على أن تكون شادية هى نجمة الليلة المحمدية الأولى.
كانت علية الجعار قد انتهت بالفعل من كتابة أغنيتها «خد بإيدى» التى تقول كلماتها: جه حبيبى وخد بإيدى... قلت له أمرك يا سيدى جه وعرفنى طريقى وسكتى... وبهداه ونوره مشيت خطوتى وبحماه هلت بشاير فرحتى... والأمان فرد الجناح على دنيتى قلت يا شموع الفرح حواليا قيدى... جه حبيبى وخد بإيدى قلت له أمرك يا سيدى... أمرك يا سيدى لما جه سلمت له عقلى وقلبى... من حنانه ورحمته وعطفه على هو نعمة من السما... أرسلها ربى بالهدى... بالخير لكل الإنسانية يوم ما جه حسيت بإن اليوم ده عيدى... جه حبيبى وخد بإيدى آدى حالى وحال جميع المؤمنين... اللى آمنوا بالنبى الهادى الأمين إللى كان رحمة لكل العالمين... يا نبينا يا ختام المرسلين... خد بإيدى.
انتهت شادية من بروفات الحفل الذى أقيم فى ١٣ من نوفمبر ١٩٨٦ على مسرح الجمهورية، وشاركها فيه عدد من المطربين والمطربات، على رأسهم محمد قنديل ومحمد ثروت وسوزان عطية.
اختارت شادية فستانًا أبيض، ورفضت أن ترتدى حجابًا رغم أن هناك من اقترح عليها ذلك، قررت أن تظهر كما هى، وكانت المفاجأة أن أداء شادية للأغنية على المسرح اختلف تمامًا عن أدائها فى البروفات، للدرجة التى أذهلت كل من سمعها منها قبل ذلك.
لم تكن شادية تغنى، كانت تستغيث بالفعل.
لم تقل للنبى «خد بإيدى» كجزء من أغنية عابرة، كانت تتضرع له، أن يساعدها بالفعل، وهو ما بدا لنا جميعًا من لهفتها وهى تنتهى من أغنيتها مكررة «خد بإيدى... خد بإيدى... خد بإيدى».
لم تكن هذه هى المفاجأة الوحيدة فى هذه الليلة، بعد أن أنهت شادية أغنيتها- التى استمرت ٣٩ دقيقة، وهى تقريبًا أطول مدة استغرقتها أغنية لشادية، سواء كانت أغنية عاطفية أو وطنية- حدثت المفاجأة الكبرى.
دخلت شادية فى نوبة من البكاء لم تستطع خلالها السيطرة على نفسها، ودون أن تخبر أحدًا قررت أنها من هذه اللحظة لن تغنى إلا الأغانى الدينية فقط.
كان العام ١٩٨٦ هو عام شادية بامتياز، اختارها الجمهور مطربة العام، واستقروا على أغنية «خد بإيدى» واختاروها أغنية العام، لكنها لم تنفذ ما عزمت عليه، قررت اعتزال الفن وارتداء الحجاب، وهو ما جرى حتى اليوم الأخير من حياتها، فقد توفيت فى ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧، وكانت مصادفة أن هذا اليوم هو يوم الاحتفال بالمولد النبوى.
كانت شادية صادقة فى كل مراحل حياتها الفنية، وكانت صادقة جدًا فى مرحلتها الأخيرة، لم ألتفت أبدًا لكل ما قيل عن حكاية حجابها، يمكنك أن تطالع قصصًا كثيرة عن شيوخ ودعاة تدخلوا وأقنعوها، لكننى أعتقد أن ما جرى كان بسر اللحظة التى وجدت نفسها فيها وجهًا لوجه مع النبى، صلى الله عليه وسلم، طلبت منه أن يعينها، فلم يتأخر عنها.
كانت هذه هى كل الحكاية، لكن للأسف الشديد لا يريد كثير منا أن يصدق.
مداحة النبى.. سر ياسمين الخيام الذى قادها إلى ساحة الرسول
من بين الحكايات المستقرة فى تراثنا الفنى أن السيدة ياسمين الخيام كانت صنيعة السيدة جيهان السادات، التى لم تكن تميل إلى السيدة أم كلثوم، فأرادت أن تقف خلف مطربة جديدة تأخذ من المساحة التى تحتلها أم كلثوم.
يبنى من يذهبون إلى ذلك أن جيهان السادات غضبت من أم كلثوم، لأنها رأتها تتباسط مع الرئيس السادات، الذى سلمت عليه بود فى أول لقاء لهما بعد أن أصبح رئيسًا، وقالت له: أهلًا يا أبوالأنوار.
لا تصمد هذه الروايات كثيرًا، خاصة عندما نعرف أن ياسمين الخيام غنت فى المرة الأولى فى الذكرى الأولى للسيدة أم كلثوم، وقد تكون السيدة جيهان السادات أعجبت بها ومالت إليها، وأرادت أن تدعمها لتكون مطربة للعصر الجديد.
أرادت الأقدار لياسمين الخيام طريقًا آخر، فرغم أن لها أغانى عاطفية عذبة جدًا، فإن أغنياتها الدينية هى التى بقت منها.
فى مساحة النبى، صلى الله عليه وسلم، تتبقى لنا منها أغنيتها الشهيرة «محمد يا رسول الله» التى فتحت لها باب الغناء للنبى، صلى الله عليه وسلم.
الأغنية كانت أغنية المسلسل الشهير «محمد رسول الله»، مؤكد أنكم تعرفونه جيدًا.
المسلسل عرضه التليفزيون فى خمسة أجزاء، أخرج الثلاثة الأولى منها المخرج أحمد طنطاوى، والجزأين الرابع والخامس أخرجهما نور الدمرداش، وهو مأخوذ من ملحمة عبدالحميد جودة السحار «محمد رسول الله والذين معه»... كتب له السيناريو والحوار عبدالفتاح مصطفى، والأغنية من كلمات عبدالفتاح مصطفى أيضًا، ولحنها الملحن الكبير جمال سلامة.
من بين ما كشف عنه جمال سلامة فى أحد حواراته الصحفية أن الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب كان من المفروض أن يقوم بتلحين الأغنية، لكنها استقرت عنده فى النهاية.
سأتركه يحكى هو الحكاية.
يقول جمال سلامة: رشحنى الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى لعمل الموسيقى التصويرية لمسلسل «محمد رسول الله» ووضع ألحان الأغانى، واقترحت أن نبدأ الأغنية: بـ«محمد يا رسول الله» وليس كما بدأها عبدالفتاح مصطفى «دعوة إبراهيم ونبوءة موسى ترنيمة داوود وبشارة عيسى».
كان الجديد الذى جاء به جمال سلامة أنه وضع البيانو فى لحنه، وهو ما اعترض عليه المخرج أحمد طنطاوى، كانت وجهة نظره أنه لا يليق أن يستخدم البيانو فى عمل دينى... قالها له بصراحة: ده كفر.
خرج جمال سلامة من هذا المأزق، بأن برر للمخرج استخدام البيانو فى اللحن، لأنه قال له إن المسلسل سيكون عالميًا، والآلة الوحيدة العالمية التى يعرفها العالم كله هى البيانو، وعليه فهى الآلة المناسبة تمامًا، لكن المخرج رفض منطق جمال سلامة وطلب تعديل اللحن، لكن سلامة رفض وهرب إلى الإسكندرية حتى لا يعدل لحنه.
بعد أيام عُرض المسلسل، لكن المفاجأة أن المخرج رفع اسم جمال سلامة من على التتر، عقابًا له، لم يستمر الوضع كثيرًا، فقد عرف الرئيس السادات القصة، وأمر بعودة اسم جمال سلامة على لحنه.
لم يكن جمال سلامة جديدًا على ياسمين الخيام، كان قد لحن لها عدة أغان، لكن تظل «محمد يا رسول الله» هى بوابة عبور ياسمين إلى عالم النبى، صلى الله عليه وسلم.
بعد سنوات غنت ياسمين أغنية المقدمة لمسلسل «على هامش السيرة» المأخوذ عن قصة طه حسين، تدخل المجموعة بـ«يا رسول الله يا نعم الأمين»... ثم تدخل ياسمين الخيام بـ«يا ختام الأنبياء يا حبيبى يا محمد»... والمفاجأة أن بعض الدول العربية اعترضت على عرض المسلسل بسبب أغنية ياسمين، وتحديدًا بسبب كلمتها «يا حبيبى يا محمد» فقد اعتبروا أن هذا التعبير لا يليق بمقام النبى.
هنا تحديدًا يبدو الفارق بين الروح المصرية والروح العربية أو حتى تلك التى تتمكن من المسلمين فى دول أخرى، فتعبير «يا حبيبى يا محمد» يعبر عن المزاج المصرى تمامًا، فالرسول بالنسبة لنا صديق ورفيق وأخ وحبيب، التبسط معه لا يعنى أبدًا المساس بقيمته عندنا، على العكس تمامًا، التباسط معه نعمة لا يدركها إلا المحبون له... وهو ما لا يعرفه كثيرون ممن يدينون بدين الإسلام، وأعتقد أن هذا يرهقهم جميعًا.
وكما غنت ياسمين الخيام للنبى، صلى الله عليه وسلم، غنت لأم النبى أغنية من أعذب وأقوى الأغانى، جرب أن تسمعها وهى تغنيها من على خشبة المسرح القومى فى إحدى حفلاتها، لتتأكد أنها استمدت الشموخ من شموخ النبى وسيرته وسيرة أمه التى أهدت البشرية أعظم هدية.
تبدأ أغنية أم النبى التى كتبها عبدالسلام أمين ولحنها جمال سلامة بـ:«يا آمنة يا أم النبى يا عطر مكى ويثربى يا أمى وفى عز الصبا تهدى حياتى وتوهبى طه الحبيب أطهر وليد أجمل صبى وأعظم نبى».
لكن انفعال ياسمين الخيام إلى أقصاه فى قولها: «أم النبى خير الأنام شافت منام يوم مولده، قالت كلام بنردده يا بركة الله الأحد احمى وليدى من الحسد وشر حاسد إن حسد يا عين حسود ما تقربى حب وكرامة للنبى يا خير خلق الله مدد يا كل أحباب النبى اتجمعوا فى نور النبى مدد مدد مدد».
وهبت ياسمين الخيام نفسها للغناء من أجل النبى، ويمكن أن نجد تفسيرًا لحالتها فى كلمات قليلة قالتها وهى تحكى عن سبب اعتزالها الفن، قالت: سعادة أى إنسان فى هذه الدنيا لا تتحقق إلا بمحبة الرسول، صلى الله عليه وسلم.
هذه هى القصة كلها... فمحبة النبى هى التى قادت ياسمين الخيام إلى طريقه... وهو الطريق الذى منحها الكثير، فبفضل ما قدمته أصبحت شادية المصريين التى لن نمل سماعها.