رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعيد شيمى: قرأت الإنجيل فتأكدت أن المسلمين والمسيحيين يعبدون إلهًا واحدًا

سعيد شيمى
سعيد شيمى

نشأ فى حى عابدين بالقاهرة، فى عمارة تطل مباشرة على الميدان التاريخى الشهير، وكان يرى صفوف المصلين فى صلاة العيد تكسو الميدان، حين يذهب برفقة والده للصلاة، وعندما يسأل عن الله ويبدأ والده فى الإجابة يبدأ الطفل الصغير محمد أحمد سعيد شيمى، الذى سيصبح فيما بعد مدير التصوير الشهير، فى الإنصات، ويتخيل الله ضخمًا يراقب الناس فى صحوهم ونومهم.

ويرى «شيمى» أن لحظة «المعرفة الحقيقية» والتفكير الجدى فى الوجود والحياة وغيرها من الأمور الغيبية كانت وفاة والده أحمد سعيد شيمى، طبيب الأسنان الشهير. ويدين لهذا الوالد بالدرس الأول فى طريق البحث عن الله، حين صفعه على وجهه بعد أن علم بواقعة سبه صانع أطقم الأسنان المصرى اليهودى، بسبب العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦.
عن هذه القصص وغيرها فى رحلة «البحث عن الله»، يدور حوار «الدستور» التالى مع مدير التصوير الكبير.

فُصلت من المدرسة لرفضى الإساءة لـ«الكتاب المقدس»

يبدأ «شيمى» حكاياته بالحديث عن النشأة والمعرفة المبكرة بالله، فيقول: «ولدت فى بيت يطل على ميدان عابدين، حيث تقام صلاتا العيدين، فى البداية كنت أراقب المصلين وحركاتهم الواحدة، حركات منتظمة ودقيقة».
ويضيف: «كان والدى يصطحبنى معه للصلاة، كنت أعلم تمامًا- حسبما يرويه لى- أن الله كبير جدًا ويراقب الناس جميعهم فى صحوهم ونومهم، ولم أكن أعرف ما الذى يعنيه أن هذا الشخص مسلم وهذا مسيحى وهذا يهودى، لأن القاهرة فى ذلك الوقت كانت مدينة كل الأديان والأعراق، وكنت مقتنعًا بأن الله يرانا فى كل لحظة تمامًا مثلما كان يخبرنى أبى».
ويتذكر اللحظة الفارقة فى حياته وهى وفاة والده: «كان عمرى وقتها ١٦ عامًا، توفى والدى ولم يكمل عامه الـ٥٤، كنت ولده الوحيد مع شقيقتين، فحضرت غسله وتكفينه ودفنه وجنازته، كل ذلك جعلنى أفكر كثيرًا فى الله والحياة والموت، واتجهت إلى قراءة القرآن وتفسيره».
ومن المواقف التى لا ينساها ذلك الذى وقع بينه وبين مدرس الدين فى مرحلة الثانوية العامة. يقول: «قال إن الدين المسيحى تعرّض للتحريف والتشويه، فرفعت يدى وقلت له إن القرآن الكريم جُمع من الحجارة والعظام وغيرها، فما الذى يضمن لنا أنه لم يتعرض للتحريف أو التشوية أيضًا؟ وهنا ثار المدرس وجرنى إلى حجرة الناظر حيث أمر بفصلى عدة أيام».
ويواصل: «أثّرت هذه الواقعة فىّ بشدة، ومن بعدها لم أكن أقبل أى شىء دون مناقشة وتدقيق، واشتريت الإنجيل، ورحت أقرأ فيه، وأيقنت أن المسلمين والمسيحيين يعبدون إلهًا واحدًا، وأن هناك تقاربًا كبيرًا بين الكتابين».
ويحكى «شيمى» موقفًا لا ينساه، جعله يُغيّر من قناعاته عن الآخر المختلف: «كان والدى طبيب أسنان، وكان الفنى الذى يصنع أطقم الأسنان وغيرها يهوديًا يسمى (دريب). كان يهوديًا مصريًا، وفى العدوان الثلاثى ١٩٥٦ وقتها قابلته وشتمته، وقلت له: (يا يهودى يا...)، لكن أبى حين علم بذلك صفعنى بقسوة».
ويضيف: «قال لى والدى إن (دريب) يهودى مصرى، وعمك صبحى الذى يجلس معنا مسيحى، وعمك عبدالغنى مسلم، وكلنا أصدقاء. بعد ذلك الموقف توقفت عن تصنيف الناس وفقًا لدياناتهم».
القراءة بتعمق فى الأديان وسيلة «شيمى» للبحث عن الله، ففى التسعينيات، أثناء تأليفه كتاب «سحر الألوان من اللوحة إلى الشاشة»، الذى نال عنه جائزة، وجد ارتباطًا بين البوذية والكونفوشيوسية بسبب الألوان، فقرر أن يقرأ أكثر عنهما، وكذلك قرأ كتاب «موسوعة الأديان» الصادر عن هيئة الكتاب، وخرج بخلاصة أن الإنسان فَكّر فى الموت منذ فجر التاريخ.
ويوضح: «فى الحضارة المصرية القديمة وجدت أن تصورهم للجنة والنار قريب من تصورنا، وبعدها اشتريت الكثير من الكتب وخرجت بفلسفة أحبها وهى وحدة الوجود، وهى فلسفة موجودة ضمن النظريات الفلسفية».
ويواصل: «المسيحيون لم يقولوا إن عيسى بن الله، لكنهم يقولون عيسى روح الله، وهى من ضمن الأشياء التى قرأتها وتعمقت فيها، المسيح لم يؤسس دينًا جديدًا، لكن بعد موته بدأوا يفكرون فى التعاليم الجديدة له وكونها بمثابة دين جديد».
ويتابع: «المشكلة الخاصة بأن المسيح ليس له أب كانت مقلقة للجميع، إلى أن توصلوا لاتفاق فى أنطاكية وأقروا مسألة الثالوث وهو (باسم الأب والابن والروح القدس)، وحين قرأت الإنجيل وجدته يدعو للخير، وأى شخص يتحدث فى الدين يجب أن يعلم أن الأديان كلها تدعو للخير، هذا هو ما خرجت به فى حياتى ومن كل قراءاتى».

الله أرسل لى أحمد الحضرى لأدخل معهد السينما رغم مشكلة السن

يكشف «شيمى» عن الكثير من المواقف التى وجد الله فيها داعمًا له، منها قصة التحاقه بمعهد السينما، التى يحكيها فيما يلى:
حين فتح معهد السينما فى أكتوبر ١٩٥٩ أبوابه، ذهبت وسألت فى المعهد عن شروط الالتحاق، وأخبرونى بأنه يجب علىّ أولًا أن أحصل على شهادة الثانوية العامة، ثم الخضوع لاختبار قدرات خاص بالمعهد.
كان خالى «حكمت» فى ذلك الوقت هو ولى أمرى، فأخبرته برغبتى فى الالتحاق بمعهد السينما، فقال لى إنه يُفضّل أن أعمل معه ومع باقى إخوته فى محلات «قويدر» التى يمتلكونها، واقترح علىّ الالتحاق بكلية التجارة، لكننى رفضت عرضه وقدمت طلب الالتحاق بمعهد السينما، ولم يحالفنى الحظ لأن الاختيار كان يتم بـ«المحسوبية».
التحقت بقسم التاريخ فى كلية الآداب، ولم أخبر خالى بأى شىء، وكنت أواظب على حضور جلسات «جمعية الفيلم» لمشاهدة عمل جديد أو مناقشته أو تصوير مشروع ما، وفى العام التالى قدمت مرة أخرى فى معهد السينما، ولم يحالفنى الحظ أيضًا.
بعدها صورت فيلمًا تسجيليًا اسمه «حياة جامعية»، وفى العام الثالث قدمت مرة ثالثة فى معهد السينما، ووقتها كان حسين عسر، شقيق الفنان عبدالوارث عسر، هو المسئول عن شئون الطلاب فى المعهد، فنظر فى أوراقى وقال لى: «أنت فى أكتوبر المقبل سيتجاوز عمرك الرابعة والعشرين»، ورفض قبولى للمرة الثالثة.
لكن شاء القدر أن يختار ثروت عكاشة، وزير الثقافة وقتها، أحمد الحضرى، رئيس «جمعية الفيلم» ليكون عميدًا لمعهد السينما، وكنا نُشبّه «الحضرى» بـ«السيف» فى تعامله مع الآخرين، إذ كان عادلًا ولا يقبل المجاملات.
قابلت «الحضرى» فى «جمعية الفيلم»، وأخبرته بأننى أرغب فى تقديم أوراقى للمعهد، ومشكلة السن، فقال لى: «مشكلة السن لن تؤثر على قبولى فى المعهد بشرط النجاح فى امتحان القبول»، وبالفعل نجحت والتحقت بالمعهد وكنت الأول على الدفعة كلها.
حين اكتشف أهلى أننى تركت الجامعة والتحقت بمعهد السينما لامونى على ما فعلت، فقررت ترك البيت والعيش بمفردى فى «بنسيون» بعيدًا عن العائلة، وعملت براتب شهرى ٨ جنيهات، وكان مبلغًا جيدًا فى تلك الفترة.
كان الوحيد الذى بحث عنى وقتها هو خالى «عبدالرحيم»، وجاءنى إلى «البنسيون»، وذكّرته بيوم هروبه من البيت وتطوعه فدائيًا فى حرب فلسطين، وهناك حصل على رتبة ضابط شرف تقديرًا لبطولاته، ولأنه يدرك تمامًا معنى إخلاصك لما تحب أن تفعله، قال لى: «أنا حاسس بيك».
سألنى عن دخلى فأخبرته بأنه ٨ جنيهات، فقال لى: سأعقد معك اتفاقًا، سأقول لخالك «حكمت» إنك ستعمل فى محل «قويدر» الذى نملكه، فى المساء عقب عودتك من الدراسة فى المعهد، مقابل راتب جيد.
بالفعل ذهبت إلى خالى «حكمت» وعملت فى المحل براتب ٤٠ جنيهًا، كنت أعمل منذ السادسة مساءً حتى الواحدة ليلًا، وبقيت هكذا طوال فترة الدراسة، إلى أن تخرجت فى المعهد، وكان هاشم النحاس وزملاء «جمعية الفيلم» يزوروننى فى المحل.
وخالى «عبدالرحيم» هذا أكثر من اهتم بأمرى، وعهدته محبًا للخير، فكان يملأ سيارته بعلب كحك العيد ويوزعها على الفقراء فى بيوتهم، كان مؤمنًا بأن له رسالة فى الحياة، وأول كتاب فى الفوتوغرافيا وأول قاموس وأول كاميرا سينمائية امتلكتها هو من أهداها لى، ولأن والدى مات صغيرًا فكان خالى بمثابة والدى الثانى الذى ظل عطاؤه مستمرًا حتى آخر يوم فى حياته.

علاقتى بـ«الأولياء» قديمة.. وأحب قصار السور بصوت عبدالباسط

حكايات «شيمى» مع أولياء الله الصالحين بدأت منذ صغره. يقول: «أذكر فى طفولتى أن عمتى عفت شيمى اصطحبتنى إلى مقام السيدة زينب، وبعد ذلك ذهبنا إلى الكنيسة المعلقة فى مصر القديمة، لا أذكر سبب الرحلة لكن أذكرها وهى تمسك بيدى جيدًا لأننى كنت شقيًا فى طفولتى، فكانت عمتى تحكم قبضتها على يدى خشية أن أبتعد عنها».
ويضيف: «بعد ذلك صورت فيلمًا تسجيليًا اسمه (فى رحاب الحسين) من داخل المسجد، وصورت فى مقام أبوالحجاج الأقصرى، والعام الماضى ذهبت إلى السيد البدوى وقرأت الفاتحة هناك، وبعد رجوعى قرأت مقالة عن أن السيد البدوى رجل دجال وليس من الأولياء، فوجدتنى أضحك بقوة، أنا أؤمن بأن عمل الخير هو أهم ما يفعله الإنسان دون أى اعتبارات أخرى».
ويواصل: «سافرت كثيرًا فى حياتى لرؤية الآثار، وما أذكره أننى ذهبت إلى إسطنبول عاصمة تركيا، وهناك لديهم متحف كبير جدًا اسمه (توت كاتية)، والأتراك لصوص، سرقوا شعر الرسول وسيفه والحجر المطبوعة عليه قدمه الشريفة، رأيت كل هذا هناك، وعمامة الرسول ودرعه وسيفه، الأتراك سرقوا كل هذا من السعودية».
ويشير إلى أنه يحب «قصار السور» لعبدالباسط عبدالصمد، وكان معتادًا على طقس الاستماع إليه منذ الصغر، وإلى الآن يحرص على الاستماع إليه، كل جمعة، لأن عبدالباسط عبدالصمد أبدع فى قراءتها.