رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرْم ميثاق الأمم المتحدة!

بتأييد ١٤٣ دولة، مقابل اعتراض ٩ دول وامتناع ٢٥ عن التصويت، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الأول الجمعة، طلب عضوية فلسطين فى المنظمة الدولية، الذى قدمته المجموعة العربية، وأوصت مجلس الأمن بأن يعيد النظر فى هذه المسألة بشكل إيجابى. غير أن الأستاذ روبرت وود، نائب المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، رأى أن «الإجراءات أحادية الجانب» لن تقود إلى حل الدولتين! 

هناك، إذن، من أوهم المذكور، فى المدرسة، فى الجامعة، أو فى الخارجية الأمريكية، بأن «الواحد» هو حاصل طرح ٣٤ من ١٧٧. والأهم، هو أن هذه الحسبة، التى تخالف المنطق وأبسط قواعد الحساب، تؤكد أن «الفيتو» الأمريكى فى مجلس الأمن، ينتظر إعادة التصويت على طلب حصول دولة فلسطين على عضوية الأمم المتحدة. أما الأكثر استفزازًا، فكان قيام جلعاد إردان، المندوب الإسرائيلى، بتوجيه شتائم وإهانات لمندوبى، أو ممثلى، غالبية دول العالم، قبل أن يسبّ هيئة الأمم المتحدة كلها، ويصفها بـ«الهيئة الوقحة»، وصولًا إلى قيامه بـ«فرم» نسخة من الميثاق الأممى، عبر آلة لتقطيع الورق، أو مفرمة.

لم تكن الجمعية العامة للأمم المتحدة تضم غير ٥٧ دولة، حين قررت، فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧، إنهاء الانتداب البريطانى على دولة فلسطين، وتقسيمها إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية. وبموجب هذا القرار، الذى وافقت عليه ٣٣ دولة فقط، جرى، بعد ستة أشهر تقريبًا، الاعتراف الأممى بدولة إسرائيل، التى لم تتوقف، قبل وبعد ذلك الوقت، عن انتهاك أحكام القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى، وقرارات الشرعية الدولية، و... و... وقرارات الأمم المتحدة، وميثاقها، الذى تم فرمه.

فرَمَ، يَفرُم، فَرْمًا، فهو فارِم، والمفعول مَفْروم. ويقال فرَم اللحم أى قطّعه قطعًا صغيرة، بالسكين أو بالآلة. وهذا بالضبط، هو ما يفعله ذلك الكيان، الذى يمثله «إردان»، فى أجساد الفلسطينيين وأراضيهم، منذ أكثر من سبعة عقود، والذى بلغ ذروته خلال العدوان المستمر على قطاع غزة، منذ ٧ أكتوبر الماضى، وأسفر عن تسوية غالبية مساحة القطاع بالأرض، واستشهاد نحو ٣٥ ألفًا وإصابة ٨٠ ألفًا آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، بينما لا يزال المجتمع الدولى عاجزًا عن وقف آلة الحرب، أو الفرم، الإسرائيلية.

المهم، هو أن مصر رحبت بتصويت أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار، الذى قدمته المجموعة العربية، لدعم أهلية دولة فلسطين فى العضوية الكاملة بالمنظمة. ورأت، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، أن صدور «هذا القرار التاريخى»، بمثابة تجسيد لواقع وحقيقة تاريخية على الأرض، واعتراف بحقوق شعب عانى لأكثر من سبعة عقود من الاحتلال، منوهة بأهمية توقيت صدور هذا القرار فى مرحلة دقيقة تمر بها القضية الفلسطينية، فى ظل اعتداءات إسرائيلية غير مسبوقة على الشعب الفلسطينى وحقوقه. وبهذه المناسبة، دعت مصر جميع الدول، التى لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية، إلى أن تمضى قُدُمًا نحو اتخاذ هذه الخطوة المهمة والمفصلية لدعم حقوق الشعب الفلسطينى. 

كنا قد أوضحنا، منذ يومين، أن التصويت، أساسًا، عديم الجدوى، ليس فقط لأن قرار منح العضوية الكاملة فى يد مجلس الأمن، ولكن أيضًا لأن المجلس لم ينظر إلى الأمر بشكل سلبى، حتى توصيه الجمعية العامة بالنظر بشكل إيجابى، بل أعجزه «الفيتو» الأمريكى الذى أفشل مشروع القرار، فى ١٨ أبريل الماضى، برغم موافقة ١٢ دولة، من الـ١٥ الأعضاء. وعليه، طالبت مصر مجلس الأمن، والأطراف الدولية المؤثرة، بالتعامل بالمسئولية المطلوبة مع الوضع الخطير، الذى يشهده قطاع غزة، لاسيما مدينة رفح الفلسطينية التى تتعرض لمخاطر إنسانية جمة نتيجة السيطرة الإسرائيلية على المعابر ومنع تدفق المساعدات الإنسانية. وجددت مطالبتها بأهمية تكثيف الجهود الدولية من أجل تحقيق رؤية حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو سنة ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.

.. وأخيرًا، نرى أن قيام المندوب الإسرائيلى بفرم ميثاق الأمم المتحدة، يستوجب طرد ذلك الكيان، الذى يمثله، من المنظمة الدولية، أو على الأقل، تجميد عضويته فيها، وتعليق اعترافها به.