محمود فطين السيسي: الساحة الأدبية ستشهد أعمالًا عظيمة بعد مرور أزمة كورونا
الكاتب والطبيب "محمود فطين السيسي" والعائش في الحقيقة، فيما يخص عمله بدقة ونفاذ مع عوالم المرض وتبعاته، وخاصة في تلك الفترة الأخيرة المرتبطة بجائحة كورونا وهواجس الفزع والخوف والموت.
"محمود فطين" طبيب أمراض الصدر، أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين هما "المركب بتغرق يا قبطان" والثانية "كلنا عبده العبيط"، والتي نالتا الكثير من استحسان النقاد ولجان الجوائز والمسارات الإعلامية، بعدما نال شهادتي تقدير من لجان تحكيم جائزة ساويرس للكتاب الشبان في دورتين متتاليتين، وحصل على الجائزة مؤخرا مناصفة دورة 2019 2020.
"الدستور" حاورت الكاتب الطبيب، كونه قريبا من أزمة "كورونا" وما أسفرت عنه علميا، وطبيا، وكذلك مؤثراتها على رؤى الأدب والكتابة والعلم ومستقبلهما.
- كيف ترى أزمة جائحة كورونا ما بين العلم ورؤى السياسة؟
شأن الأزمات التي تحمل من الخصوبة وإمكانات التجدد قدرًا لا تخفيه قسوتها الظاهرة عن عيون المتفحص، فهذا هو الوقت المثالي للمعرفة بالانغماس في الحدث إلى أقصى ما يمكن، وقد أتيح لي قدريًا أن أعاينه كمواطن وكطبيب وكقاص معًا، ولا سبيل عندي إلى فصل أحد هؤلاء عن الأخر ولا يبدو أن في ذلك فائدة حقيقية، فتكوين فكرة عن الأزمة وقدرتنا على مواجهتها يقتضي حضور كل تلك الخلفيات، حيث تتبدى المزالق الممكنة الحدوث نتيجة أي خصام بين العلم والسياسة والوعي الاجتماعي، وتتجلى حاجتنا إلى عقل جديد يجمع كل ذلك، قرارات مثل الإغلاق الكامل متى نتخذه ومتى نخففه، أولويات الفحص والعلاج، التعايش أم التوقف، كلها تثير أسئلة أخلاقية تفوق الحصر، يستعصي الإجابة عليها بالوعي المتخصص الضيق وتحتاج للبحث من رجال السياسة والأطباء وعلماء الاجتماع والإعلام وكل التخصصات الإنسانية التي يتضح الآن، ليس منها ما يمكن اعتباره فائضا عن الحاجة، وعلى المستوى الدقيق Micro-level فيض من التفاصيل يدعو للاعتراف منه، بين الهلع الهستيري الذي يجعل الناس في أكثر الدول تقدمًا، يفتكون ببعضهم في غابة رقمية مفتوحة واللامبالاة الكاملة التي ربما نجدها نابعة من رد فعل عكسي من حالة انسحاق مخيفة أمام العالم ككل، فهل يتوزع هذان الموقفان وفق تقسيم طبقي ما.
_ما هي رؤيتك لحل ما فيما يخص ماهيتي التباعد ومتطلبات الدولة فيما يخص تأثر الاقتصاد ومراعاة أحوال المواطن الإنسان في مصر؟
أعتقد هذا ما يجب أن نفكر فيه ونبحثه في أطر العلم وصحة المواطن وسلامته وظروف البلد. يجب أن نبحث في الرغبة العصابية في إيجاد هدف للوم تلقى عليه المسئولية كلها (كالدولة التي ظهر الفيروس فيها لأول مرة، أو كالحكومات أو كمن لا يلتزمون بالتباعد الاجتماعي والعزل في المنازل سواء اختيارًا أو اضطرارًا) في جانب، وفي جانب آخر التسليم الساكن المفترض للأمر نهاية سعيدة حتمية على يد قائد أبوي هو ظل للإله على الأرض أو على يد الإله ذاته الذي شاع أنه يتولى بنفسه حماية البلاد حتى أطلق عليها المحروسة. ويضيف الكاتب، العمل البطولي المبهر من شخص والانسحاب المتخفي لغيره اللذان وللمفارقة قد يتجاورا في محل عمل واحد، الأنانية الوقحة والإيثار غير المقيد وكل التدرجات بينهما في الناس وفي الشخص نفسه في أوقات مختلفة، كلها أسئلة عن الإنسان، ذلك الكائن شديد التعقيد في حالته الفردية والجمعية، تتحدى المستقر من المعارف وتلح مطالبة بوعي جديد يتمثل في داخله مكتسبات السابق ويتجاوزها، طبعًا لا يعني ذلك أن العلم قد أفلس وأن الحلول المنتظرة هي حلول السماء كما روّج الكثيرون ونسبوا هذا القول خطأ لرئيس وزراء إيطاليا، ولكن.
_وكيف ترى دور العلم في هذه الأزمة؟
أعتبر أن العلم نفسه يذكرنا بأمر قد ننساه أحيانًا أن معرفتنا ليست كاملة لنلتمس إغناءها بالطريقة المنظمة للعلم لا بالميتافيزيقا، يصدمنا مثلا كأطباء بحالات غير معتادة إطلاقًا من قبيل مصطلح جديد نوعا يمكن ترجمته بشيء من التجاوز "الاختناق المسالم" Happy Hypoxia syndrome، حيث لوحظ كثيرًا أن مرضى الفيروس قد تكون حالات رئاتهم في غاية السوء إلى درجة احتمالية موتهم في أي لحظة بدون أن تظهر عليهم العلامات المعروفة للمعاناة من نقص الأكسجين (وهذا يفسر المشاهد المفزعة المروي عنها لأناس يبدون ظاهريًا أصحاء يتساقطون فجأة)، ويفاجئنا أيضا بأن كون المرء طبيبًا لا يعني بالضرورة كونه "حكيما" كما كان شائعًا، وأن الحكمة ضالة إنسانية قديمة قدم الإنسان، عليه مطاردتها بطول تاريخه، وأن أي تصور استاتيكي للتاريخ يراه راكدًا أو ممكن الثبات، سيصطدم دائمًا بالكوارث لتعلّمه من جديد متغيرات لا يتخيلها، وعندما تمر هذه الموجة سيكون عندنا الكثير جدًا من الأشياء الجديدة نرتقب ولادتها ونراقب احتضار غيرها.
_ وماذا عن نتاج تلك الأزمة بتداعياتها فيما يخص مستقبل الإبداع والكتابة؟
رغم كل ذلك ستكتب تباعا وبعد مرور هذه الأزمة بسلام، أعمال عظيمة كثيرة لاحقًا وأعمال متواضعة أكثر (فوريًا على الأرجح)، نتلمس فيها آثار تلك المتغيرات على الوعي، وإن كان التأخر المزمن في مجتمعاتنا العربية سيلقي بظله على طريقة حضور تلك المتغيرات في الوعي أيضًا، فيبعدها عن الرؤية الموضوعية للعالم ويحيلها إلى نزعات عدمية أو ميتافيزيقية، لكن يظل الاحتمال قائمًا على المدى الطويل بأن نقترب شيئًا ما من تلك الرؤية وننتج فنًا فيه شيء من الجدة، لا يقتصر على الإمتاع فحسب –وهو ضروري لأي فن- وإنما يساعد الإنسان على تعميق إنسانيته بالفعل اليقظ في العالم، في النهاية يمكنني أن أرى لكل لتلك الأزمة وجهًا إيجابيًا، سأكون سعيدًا لو استطعت رؤيته قريبا في حياتي وحياة كل البشر.
الكاتب والطبيب "محمود فطين السيسي" والعائش في الحقيقة، فيما يخص عمله بدقة ونفاذ مع عوالم المرض وتبعاته، وخاصة في تلك الفترة الأخيرة المرتبطة بجائحة كورونا وهواجس الفزع والخوف والموت.
"محمود فطين" طبيب أمراض الصدر، أصدر من قبل مجموعتين قصصيتين هما "المركب بتغرق يا قبطان" والثانية "كلنا عبده العبيط"، والتي نالتا الكثير من استحسان النقاد ولجان الجوائز والمسارات الإعلامية، بعدما نال شهادتي تقدير من لجان تحكيم جائزة ساويرس للكتاب الشبان في دورتين متتاليتين، وحصل على الجائزة مؤخرا مناصفة دورة 2019 2020.
"الدستور" حاورت الكاتب الطبيب، كونه قريبا من أزمة "كورونا" وما أسفرت عنه علميا، وطبيا، وكذلك مؤثراتها على رؤى الأدب والكتابة والعلم ومستقبلهما.
- كيف ترى أزمة جائحة كورونا ما بين العلم ورؤى السياسة؟
شأن الأزمات التي تحمل من الخصوبة وإمكانات التجدد قدرًا لا تخفيه قسوتها الظاهرة عن عيون المتفحص، فهذا هو الوقت المثالي للمعرفة بالانغماس في الحدث إلى أقصى ما يمكن، وقد أتيح لي قدريًا أن أعاينه كمواطن وكطبيب وكقاص معًا، ولا سبيل عندي إلى فصل أحد هؤلاء عن الأخر ولا يبدو أن في ذلك فائدة حقيقية، فتكوين فكرة عن الأزمة وقدرتنا على مواجهتها يقتضي حضور كل تلك الخلفيات، حيث تتبدى المزالق الممكنة الحدوث نتيجة أي خصام بين العلم والسياسة والوعي الاجتماعي، وتتجلى حاجتنا إلى عقل جديد يجمع كل ذلك، قرارات مثل الإغلاق الكامل متى نتخذه ومتى نخففه، أولويات الفحص والعلاج، التعايش أم التوقف، كلها تثير أسئلة أخلاقية تفوق الحصر، يستعصي الإجابة عليها بالوعي المتخصص الضيق وتحتاج للبحث من رجال السياسة والأطباء وعلماء الاجتماع والإعلام وكل التخصصات الإنسانية التي يتضح الآن، ليس منها ما يمكن اعتباره فائضا عن الحاجة، وعلى المستوى الدقيق Micro-level فيض من التفاصيل يدعو للاعتراف منه، بين الهلع الهستيري الذي يجعل الناس في أكثر الدول تقدمًا، يفتكون ببعضهم في غابة رقمية مفتوحة واللامبالاة الكاملة التي ربما نجدها نابعة من رد فعل عكسي من حالة انسحاق مخيفة أمام العالم ككل، فهل يتوزع هذان الموقفان وفق تقسيم طبقي ما.
_ما هي رؤيتك لحل ما فيما يخص ماهيتي التباعد ومتطلبات الدولة فيما يخص تأثر الاقتصاد ومراعاة أحوال المواطن الإنسان في مصر؟
أعتقد هذا ما يجب أن نفكر فيه ونبحثه في أطر العلم وصحة المواطن وسلامته وظروف البلد. يجب أن نبحث في الرغبة العصابية في إيجاد هدف للوم تلقى عليه المسئولية كلها (كالدولة التي ظهر الفيروس فيها لأول مرة، أو كالحكومات أو كمن لا يلتزمون بالتباعد الاجتماعي والعزل في المنازل سواء اختيارًا أو اضطرارًا) في جانب، وفي جانب آخر التسليم الساكن المفترض للأمر نهاية سعيدة حتمية على يد قائد أبوي هو ظل للإله على الأرض أو على يد الإله ذاته الذي شاع أنه يتولى بنفسه حماية البلاد حتى أطلق عليها المحروسة. ويضيف الكاتب، العمل البطولي المبهر من شخص والانسحاب المتخفي لغيره اللذان وللمفارقة قد يتجاورا في محل عمل واحد، الأنانية الوقحة والإيثار غير المقيد وكل التدرجات بينهما في الناس وفي الشخص نفسه في أوقات مختلفة، كلها أسئلة عن الإنسان، ذلك الكائن شديد التعقيد في حالته الفردية والجمعية، تتحدى المستقر من المعارف وتلح مطالبة بوعي جديد يتمثل في داخله مكتسبات السابق ويتجاوزها، طبعًا لا يعني ذلك أن العلم قد أفلس وأن الحلول المنتظرة هي حلول السماء كما روّج الكثيرون ونسبوا هذا القول خطأ لرئيس وزراء إيطاليا، ولكن.
_وكيف ترى دور العلم في هذه الأزمة؟
أعتبر أن العلم نفسه يذكرنا بأمر قد ننساه أحيانًا أن معرفتنا ليست كاملة لنلتمس إغناءها بالطريقة المنظمة للعلم لا بالميتافيزيقا، يصدمنا مثلا كأطباء بحالات غير معتادة إطلاقًا من قبيل مصطلح جديد نوعا يمكن ترجمته بشيء من التجاوز "الاختناق المسالم" Happy Hypoxia syndrome، حيث لوحظ كثيرًا أن مرضى الفيروس قد تكون حالات رئاتهم في غاية السوء إلى درجة احتمالية موتهم في أي لحظة بدون أن تظهر عليهم العلامات المعروفة للمعاناة من نقص الأكسجين (وهذا يفسر المشاهد المفزعة المروي عنها لأناس يبدون ظاهريًا أصحاء يتساقطون فجأة)، ويفاجئنا أيضا بأن كون المرء طبيبًا لا يعني بالضرورة كونه "حكيما" كما كان شائعًا، وأن الحكمة ضالة إنسانية قديمة قدم الإنسان، عليه مطاردتها بطول تاريخه، وأن أي تصور استاتيكي للتاريخ يراه راكدًا أو ممكن الثبات، سيصطدم دائمًا بالكوارث لتعلّمه من جديد متغيرات لا يتخيلها، وعندما تمر هذه الموجة سيكون عندنا الكثير جدًا من الأشياء الجديدة نرتقب ولادتها ونراقب احتضار غيرها.
_ وماذا عن نتاج تلك الأزمة بتداعياتها فيما يخص مستقبل الإبداع والكتابة؟
رغم كل ذلك ستكتب تباعا وبعد مرور هذه الأزمة بسلام، أعمال عظيمة كثيرة لاحقًا وأعمال متواضعة أكثر (فوريًا على الأرجح)، نتلمس فيها آثار تلك المتغيرات على الوعي، وإن كان التأخر المزمن في مجتمعاتنا العربية سيلقي بظله على طريقة حضور تلك المتغيرات في الوعي أيضًا، فيبعدها عن الرؤية الموضوعية للعالم ويحيلها إلى نزعات عدمية أو ميتافيزيقية، لكن يظل الاحتمال قائمًا على المدى الطويل بأن نقترب شيئًا ما من تلك الرؤية وننتج فنًا فيه شيء من الجدة، لا يقتصر على الإمتاع فحسب –وهو ضروري لأي فن- وإنما يساعد الإنسان على تعميق إنسانيته بالفعل اليقظ في العالم، في النهاية يمكنني أن أرى لكل لتلك الأزمة وجهًا إيجابيًا، سأكون سعيدًا لو استطعت رؤيته قريبا في حياتي وحياة كل البشر.