رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرسول في مصر (23)

محمد الباز يكتب: حكمة المصريين.. «ملحة فى عينك ياللى ما تصلى ع النبى»

محمد الباز
محمد الباز

كانت صلاة القيام فى مسجد قريتنا الذى يطل على النيل تمر علينا كالريح الطيبة، تعودنا أن نصليها خلف مشايخنا الكبار، كانت تغمرنا البهجة وتحف بنا أجنحة ملائكة لا نراها، فقط تداعبنا أنفاسها الطاهرة، لم يكن يسعدنا بعد الصلاة إلا أن نردد خلف من يقول بصوت نغمى شجى: اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك.. سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك.. عدد كائناتك ومداد كلماتك.. كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون.
كنت أعبر على الكلمات جميعًا، وأتوقف عند «أسعد مخلوقاتك».
نحن نقر إذن بأن النبى، صلى الله عليه وسلم، هو أسعد مخلوقات الله، بما منحه من فضل النبوة، وجعل ذكره مقرونًا بذكره فى كل أذان، فلا يكتمل النداء للصلاة بلا إله إلا الله إلا مقرونًا بمحمد رسول الله، فما الذى يجعلنا كل يوم نجتهد فى طلب الصلاة عليه من الله، ليست الصلاة العابرة، ولكن عدد كائنات الله التى بلا حصر، ومداد كلماته التى بلاد عدد.. ليس ذلك فقط، بل تظل الصلاة ممدودة كلما ذكر الله ذاكر أو غفل عن هذا الذكر غافل.
كان كل منا يشعر وهو يصلى على النبى الصلاة التى هى طلب للرحمة، أننا نستعطف الله بجاه النبى، صلى الله عليه وسلم، عنده أن يرحمنا نحن، نفعل ذلك بفطرة سليمة، فطرة هؤلاء الذين ألهمهم الله حقيقة دينه وتجليات وجوده بعيدًا عن حلقات الدرس.. وجلسات الجماعات الدينية المتشددة.
بعد سنوات تعب المشايخ الكبار، تركوا أمر إمامتنا لصبية يتبعون جماعات متطرفة لا نعرف حقيقة أهدافها ولا ما تريد منا، فقد كان غريبًا أن يجتمع الإخوان مع السلفيين مع الجماعات الجهادية ومتشردين من اتجاهات أخرى، لا نعرف كيف هبطوا علينا ولا من أين.
استوطنوا المسجد الكبير، احتلوه للاعكتاف به، نصّبوا أحدهم أميرًا عليهم، وبدأوا ينظمون جلسات قراءة القرآن ودروس العلم وإمامة الصلاة.
فى أول صلاة تراويح لهم، وجدتهم ينهون ركعاتهم ثم ينصرفون على عجل.
تساءلت أين صلاتنا على النبى؟
لم يجبنى أحد، ولمَّا ألححت عليهم، حدثنى أحدهم دون أن يلتفت: الصلاة اللى كنتم بتعملوها بدعة، لم ترد فى قرآن ولا سنة، ولم تثبت عن أحد أئمتنا.
لم أسألهم عن أئمتهم من يكونون، لم أهتم بشأنهم، فلماذا أعتنى بمن يقول عن الصلاة على النبى بدعة فى أى مكان وأى زمان؟
لم يكن ما قالوه منذ سنوات رأيًا شاذًا، بل كان بعضًا من أفكار الجماعات المتطرفة التى أرادت احتكار الكلام باسم الله ورسوله.
فى العام ٢٠١٦ أثار أحد أعضاء الجماعة الإسلامية- كانوا يتعاملون معه على أنه مفتى الجماعة- الغبار حول النبى، صلى الله عليه وسلم، بالأدق أثار الغبار حول سلوك المصريين مع النبى.
اسمه عبدالآخر حماد، تاريخ صعوده فى الجماعة الإسلامية لا يهمنا كثيرًا، يكفيك أن تعرف أنه كان واحدًا من الذين تمت محاكمتهم فى قضية اغتيال الرئيس السادات، وقضى فى السجن بالفعل عدة سنوات، قبل أن يخرج ويكمل مسيرته فى الدعوة داخل الجماعة.
يعتاد المصريون فى مناطق مختلفة، وتحديدًا فى القرى، أن يسبق المؤذن أذانه بالصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، ثم يبدأ فى إلقاء الأذان.
سألوا «عبدالآخر» عن مشروعية الصلاة على النبى قبل الأذان فقال نصًا: الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، مطلوبة فى كل وقت، لكن تخصيص ما قبل الأذان بها، بمعنى أن يتعود المؤذن أن يصلى على النبى، صلى الله عليه وسلم، قبل الأذان فهذا غير مشروع، بل المواظبة عليه من البدع، لأن الأذان عبادة لا يجوز لنا أن نزيد فيها لا قبلها ولا بعدها شيئًا لم يرد فى السنة الصحيحة.
أعرف رد فعلك على هذا الكلام بالطبع، لكن ما رأيك أن تؤجله قليلًا لتسمع رأى دار الإفتاء فى كلام «عبدالآخر».
فى دار الإفتاء مرصد للفتاوى التكفيرية، هكذا اسمه، أما دوره فهو أن يقوم برصد الفتاوى التى تصدر عن أفراد الجماعات التكفيرية، ليبين العوار الشرعى فيها.
عن هذه الفتوى قال المرصد إن هذا النمط من الفتاوى يجمع بين عدد من الأخطاء الشرعية والأخطار الاجتماعية، فقد دلت القطعيات الشرعية على أن الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، من المستحبات التى تزيد فى درجة من يلتزم بها، حتى قال النبى لمن يجعلها دعاءه وذكره «إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك»، كما دلت الأدلة الشرعية على أن تخصيص العبادة المشروعة بأصلها بوقت ما ليس فيه نهى شرعى، بل هو وارد فى فعل الصحابة الكرام فى حياة النبى، من غير نكير منه بل مع ثنائه على من فعل ذلك، وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم.
الخطورة- كما يرى مرصد دار الإفتاء- فى هذا اللون من الفتاوى يأتى من تعطيل حركة الاجتهاد بإغلاق باب إلحاق المسكوت عنه من الأمور بالمنصوص عليه، وفى ذلك تعطيل لحركة الإبداع والاجتهاد، حيث يلجأ من يزعمون ذلك إلى تحريم كل جديد ووصفه بأنه بدعة من دون توجيه التهمة إلى إعمال العقل فى العمليات الأصولية والفقهية المعروفة من قياس وإعمال عمومات واستصحاب الأصل، وغير ذلك من الأصول المعروفة المدروسة لطلاب العلوم الشرعية فى الأزهر الشريف، وغيره من المدارس العلمية المعتمدة، ويجد كثيرون ممن ينفذون أعمال العنف فى هذه الفتوى وأمثالها مبررات لأعمالهم، فلا تتوقف عند حد التفكير، بل تصير أصولًا ولو متوهمة للعنف.
لا أنكر أننى أنظر إلى ما قالته دار الإفتاء بمزيد من التقدير، فهى تحاول وضع الأحكام الشرعية على الطريق الصحيح، لكن كل الأطراف تفتى بعيدًا عن الحالة الخاصة التى تربط بين المصريين وبين النبى محمد، صلى الله عليه وسلم.
لو فتحنا الكتب سنجد الأمر واضحًا وبسيطًا.
فالصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، اسمها فى الأصل «التصلية»، وهى من بين العبادات الواجبة وفقًا للقرآن الكريم «إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا».
يلتزم المسلمون جميعًا بالصلاة على النبى.
السنة يستخدمون أكثر من صيغة، من بينها «صلى الله عليه وسلم» و«صلى الله عليه وآله وسلم»، وفى الصلاة تحضر الصلاة على النبى فى التشهد الأوسط والتشهد الأخير.
الحضور لا يكتمل باستدعاء النبى وحده، بل بربط طرفى الديانة الإبراهيمية «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم».
الشيعة يصلون على النبى بصيغتين «صلى الله عليه وآله وسلم» و«صلى الله عليه وآله».
أعرف أنا كما تعرف أنت أن النبى، صلى الله عليه وسلم، لا يحتاج منا إلى صلاتنا عليه، لكن الأمر أكثر من هذا.. إنه يعبر بنا إلى ما يحتله النبى محمد فيما نشهده فى الحياة وفيما سيجرى علينا فى الآخرة.
يمكنك أن تستمع من الفقيه المصرى الكبير العزيز بن عبدالسلام، ولد فى العام ١١٨١ ومات فى العام ١٢٦٢ ميلادية، لقوله: ليست صلاتنا على النبى، صلى الله عليه وسلم، شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وأفضاله علينا، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه، صلى الله عليه وسلم، وفائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذى يصلى عليه دلالة على نضوج العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام.
الأمر الإلهى كان تفصيله عند النبى، فهو يرشدنا إلى كيفية الصلاة عليه، وهو ما نقابله فى أحاديثه الكثيرة.
منها: «من ذكرت عنده فليصل على، ومن صلى علىّ مرة صلى الله عليه بها عشرًا»، ومنها: «من صلى علىّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات»، ومنها: «من صلىّ على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى علىّ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر»، ومنها أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صعد على المنبر، فقال آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين؟ فقال: إن جبريل أتانى، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين، ومنها هذا الحديث المبشر «من صلى علىّ حين يصبح عشرًا وحين يمسى عشرًا أدركته شفاعتى يوم القيامة».
لم يتركنا النبى، صلى الله عليه وسلم، لأنفسنا إذن، لم يخترع أحد صيغ الصلاة عليه، وإذا وجدت صيغًا مختلفة فليس عليك إلا أن تتأملها، ستجدها خارجة من روح النبى.
ستعترض بأن أقطاب الصوفية لديهم من صيغ الصلوات على النبى، صلى الله عليه وسلم، صنعوها على أعينهم، سأقول لك بأنه حتى أقطاب الصوفية الكبار، عندما يحدثون أتباعهم ومريديهم بصيغ الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، يشيرون إلى أنه هو الذى ألقى بهذه الصيغ فى قلوبهم، أو أنه جاءهم فى مناماتهم ليحدثهم بهم، ويمكنك أن تلاحظ أن كل صلاة منها لما تقال من أجله.
هنا يمكننا أن نفسح الطريق قليلًا إلى تجليات الطرق الصوفية، لتعلمنا مزيدًا من صيغ الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، وليس عليك إلا أن تتأملها وتأخذ منها ما يناسبك أو يروق لك أو ترتاح إلى ترديده.
صلاة الفاتح: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادى إلى صراطك المستقيم، وعلى آله وأصحابه حق قدره ومقداره العظيم.
صلاة النجاة: اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضى لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات فى الحياة وبعد الممات.
صلاة النور: اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك، ومعدن أسرارك ولسان حجتك وعروس مملكتك وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك وطريق شريعتك المتلذذ بتوحيدك إنسان عين الوجود والسبب فى كل موجود عين أعين خلقك، المتقدم من نور ضيائك، صلاة تدوم وتبقى ببقائك، لا منتهى لها دون علمك، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين.
صلاة الفرح: اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلامًا تامًا على سيدنا محمد، الذى تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بنور وجهه الكريم وعلى آله وصحبه فى كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا الله يا حى يا قيوم.
صلاة الكمال: اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله.
تظل هذه الصلوات على النبى، صلى الله عليه وسلم، على العموم، غير منسوبة إلى قطب صوفى بعينه، لكن هناك صيغًا كثيرة منسوبة لأقطاب الصوفية الكبار.
وأعتقد أنك سمعت وأنت تزور ضريح السيد أحمد البدوى فى طنطا هذه الصلاة بنصها يرددها مريدوه، يقولون: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا شجرة الأصل النورانية ولمعة القبضة الرحمانية وأفضل الخليقة الإنسانية وأشرف الصورة الجسمانية ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبضة الأصلية والبهجة السنية والرتبة العلية، مَنْ اندرج النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه، وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت ورزقت وأمت وأحييت إلى يوم تبعث من أفنيت وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد لله رب العالمين.
للقطب الصوفى الكبير عبدالقادر الجيلانى صلاة باسمه، كان يقول فيها: اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نورًا ورحمة للعالمين، عدد من مضى من خلقك ومن بقى ومن سعد منهم ومن شقى صلاة العد وتحيط بالحد، صلاة لا غاية لها ولا منتهى ولا انقضاء، صلاة دائمة بدوامك وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مثل ذلك.
استمع كذلك إلى صلاة الشيخ أحمد بن إدريس، التى يقول فيها: اللهم إنى أسالك بنور وجهك العظيم الذى ملأ أركان عرش الله العظيم وقامت به عوالم الله العظيم أن تصلى على مولانا محمد ذى القدر العظيم، وعلى آل نبى الله العظيم بقدر ذات الله العظيم فى كل لمحة ونفس، عدد ما فى علم الله العظيم، صلاة دائمة بدوام الله العظيم تعظيمًا لحقك يا مولانا يا محمد يا ذا الخلق العظيم، وسلم عليه وعلى آله مثل ذلك واجمع بينى وبينه كما جمعت بين الروح والنفس ظاهرًا وباطنًا، يقظة ومنامًا واجعله يا رب روحًا لذاتى من جميع الوجوه فى الدنيا قبل الآخرة يا عظيم.
يعرف المصريون ذلك وأكثر منه، لكنهم ورغم احترامهم الكبير لكل القامات الدينية، إلا أنهم ذهبوا فى صلاتهم على النبى، صلى الله عليه وسلم، مذهبًا خاصًا بهم.
لن أرشدك إلى شىء مما أقصده، أنت تعرفه جيدًا.
لقد جعلنا من الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، أداة للتهدئة وحل المشاكل مهما كانت كبيرة ومعقدة، وأعتقد أنك سمعت من يقول لك عندما تكون غاضبًا: «بس صلى على النبى»، إنه هنا يحاول أن ينزع كل الغضب الذى بداخلك، يتشفع عندك بالنبى، صلى الله عليه وسلم، وغالبًا بعد أن تستجيب له تنتهى المشكلة.
يعتبر المصريون أن الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، بركة، وأعتقد أنك سمعت من يقول لك وهو يتفق معك على شىء «صلى على النبى»، ولما تصلى عليه وتقول: «ألف صلاة وسلام عليك يا نبى»، يقول لك ليس طمعًا فيك ولكن فى النبى: طيب زيد النبى صلاة، فلا تجد أمامك مهربًا من أن تزيد النبى صلاة.
الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، بالنسبة للمصريين فرحة كبيرة، ولذلك تجدها فى أفراحهم، تعرف الزفة الإسكندرانى حتمًا، وتعرف الأغنية التى يستهلون بها هذه الزفة: «وصلى صلى ع النبى صلى واللى ما يصلى أمه يهودية وأبوه أرملى».
وقبل أن تتعامل مع هذه الأغنية على أنها تحمل روحًا من التمييز ضد اليهودية والأرملى الذى هو الأرمنى، أو أنها تحمل شيئًا من التنمر عليهما، سأقول لك إن شيئًا من هذا ليس مقصودًا على الإطلاق، هى فقط تعبير عن القرب من النبى، وهو القرب الذى يطمع فيه المصريون وحدهم، ويستبعدون منه مَنْ يعتبرونهم غرباء عنهم أو حتى أعداء لهم.
يلجأ المصريون فى أفراحهم إلى الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، من أجل الحماية.
فى الزفة أيضًا تسمع هذه الأغنية «صلاة النبى.. سيدنا النبى.. حصوة فى عينك ياللى ما تصلى ع النبى».. وفى طبعة أخرى من هذه الأغنية يمكن أن نسمعها «صلى ع النبى.. وامدح النبى.. حصوة فى عينك ياللى ما تصلى على النبى».
يردد الناس الأغنية، بأى صيغة من الصيغتين، ربما دون أن يدركوا ما وراءها من معانٍ، فهم يطلبون ممن يحضرون الأفراح أن يصلوا على النبى من أجل العروسين، ومن يمتنع عن الصلاة فحصوة فى عينه، حتى لا يراهما.
هناك طبعة ثالثة لهذه الأغنية، يستبدل فيها المصريون الحصوة بملحة «ملحة فى عينك ياللى ما تصلى ع النبى».. وهى صيغة تدفع الحسد عن العروسين، فهم يعرفون أن الحاضرين عندما يسبقون كلامهم بالكلام عن النبى، فإن هذا يمكن أن يمنع الحسد عن أهل الفرح جميعًا.
يعالج المصريون كثيرًا من مشاكلهم بالصلاة على النبى، وأعتقد أن قمة إيمانهم بذلك عندما يطلبون من أحدهم: «صلى على النبى فى قلبك».. لأنهم يثقون فى أن الصلاة على النبى، صلى الله عليه وسلم، إن لم تكن من القلب.. فلا أثر لها.
الغريب أنه فى مقابل هذه الحالة التى تعكس طيبة المصريين، تجد استغلالًا سياسيًا ودينيًا للصلاة على النبى، وهو ما لا يمكننا أن نتجاهله.