رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النهاية تحتاج إلى دين جديد


ماذا سيحدث بعد مائة عام من وقت الأرض الحالي، بعد أن استنزفت البشرية طاقاتها ومواردها في حرب عالمية جديدة استهلكت أرواح الأغلبية؟ ترى، أيحدث مثلما فكّر المؤلفون في رؤى مستقبليىة لكوكبنا، وأحدثها ما قدمه المسلسل المصرى "النهاية؟"؛ أم أن هناك فرصًا بديلة يستطيع الإنسان التشبث بمعطياتها ليستطيع بناء مستقبل أفضل؟ وبعد أن خربت الأرض، كيف يستطيع الإنسان وهو أضعف المخلوقات، هذا الذى يتأذى من بعوضة أو فيروس غير مرئي، في استعادة ملكه وسطوته ويسيطر على مجريات الأمور.

لا ننكر أن المسلسل المصرى " النهاية" كأضخم إنتاج تليفزيوني حدث في تاريخه، يُقدِّم مادة درامية جيدة، من شأنها منافسة نظرائها من الأعمال العالمية؛ ولكننا سوف نتوقف عند الحلقة الخامسة عشر، منتصف الموسم الدرامي الرمضاني، لنجد المهندس زين وقد تورط في مساعدة كيان مجهول بالنسبة له يُدعى "الواحة"، والتي تصطبغ جدرانها وملابسها باللونين الأبيض والأسود، ويطلب منه القائمون عليها إنجاز مهمة علمية تتمثل في اختراع أجهزة للشحن بالطاقة الشمسية سرًا، وبعيدًا عن شركته الأصلية التي ينتمي إليها، والتي بدورها تقوم بدور الأمن والحكم على المواطنين؛ حيث يحتاج رئيس المنظمة إلى حافز يدفع البشر للطاعة!

في فيلم "كتاب إيلي" 2010، للأخوين ألبرت وإلين هيوز، والذي يدور حول مشاهد نهاية العالم، أو بالأصح بعد أن انتهى العالم وبدأ البشر في اللجوء إلى العنف مقابل رشفة ماء أو قطع "خردة" منذ زمن فائت قد تحمل قيمة ما، نجد أنه لا تختلف أجواء الفيلم عن حلقات مسلسل "النهاية" للمخرج ياسر سامى؛ ولكن الاتفاق الذي نشهده هو اللجوء إلى الآلهة، أيًا كانت هيئة الإنسان أو تاريخه أو دياناته، فالأهم هو وجود كيان مُقدّس يمُكن للبشر إلقاء أخطائهم وآثامهم على عاتقه، وربما يتحدثون باسمه طالما أنه غير معروف أو أين وجهته أو مكان إقامته.

في "النهاية" وبعد أن اتفق أعضاء الواحة على تدمير ما تبقى من حضارة الأرض وحماية موقعهم، اتجه جزء منهم إلى بعض الجلسات التي تشبه الطقوس الدينية بغرض استجلاب القوى والطاقة الإلهية، وذلك بعد ألفين ومائة وعشرين عامًا من ميلاد المسيح، وبعد أن تمت إبادة الديانات والمؤمنين بها أثناء الحرب العالمية الكبرى، والتي أسفرت عن إقامة القدس عاصمة للتكتل الشرقي من الكوكب وباقي الدول قد تحولت إلى تكتلات ملوثة بالإشعاع ولا يُحتمل العيش بها؛ لذا يدعو الرئيس المهندس النابغة زين -والذي يُعامله بإجلال واحترام مثل نبي نهاية الزمان- في أن يُشارك مجموعة "المحبة" لقاءهم الأسبوعي، حيث نكتشف أن الجلسة الجماعية تبدو وكأنها تلاوة طقوس لطائفة دينية مستحدثة على العالم الجديد.

الوضع نفسه هنا تمامًا كما أراد كارنيجي جاري أولدمان أن يحصل على كتاب إيليدينزل واشنطن، لماذا الكتاب الذي لن تظهر معلومات عنه طوال أحداث الفيلم سوى أنه الكتاب الذي سوف يستطيع مالكه أن يحكم ما على الأرض من خلاله؟ في اعتقاد جاد أقرب إلى الإيمان بأن المأساة تحتاج دائمًا إلى قوة إلهية تستطيع مساندة البشر في مأساتهم تلك، وهذا ما سعى إليه كارنيجي لإخضاع مجموعة الناجين من الحرب له، عندما يمسك بآخر نسخة من الكتاب المقدس ويشهرها أمامهم، حينئذ يلغون عقولهم ويتوقف تفكيرهم عن مستقبلهم، ويلقون الحمل على المُخلِّص المنتظر.

الآن يلجأ صُنّاع "النهاية" إلى استخدام الحلول الأسهل، وهى استعادة طريق الله والاعتماد عليه في مواجهة القنابل النووية أو أيًا كان ما يطلق عليها الكاتب عمرو سمير عاطف.