رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أستاذ تاريخ: يوضح رمزية الاحتفال بـ«شم النسيم» عند القدماء

شم النسيم عن القدماء
شم النسيم عن القدماء

يحتفل المصريون غدًا الإثنين بعيد "شم النسيم" وهو أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من 5 آلاف عام، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية، والعيد لم يكن له صفة دينية، وبذلك فهو أقدم عيد غير ديني مستمر حتى الآن في العالم.

يتحدث الدكتور أحمد سالم مدرس بكليتي الفلسفة والآداب قسم الآثار وتاريخ العصور الوسطى جامعة غرناطة بإسبانيا لـ"الدستور" ويعرفنا تاريخ "شم النسيم" عند الفراعنة وما هي طقوسه منذ قديم الأزل.

- ما هو عيد شم النسيم؟
أعياد المصريين القدماء كانت ترتبط بالظواهر الفلكية، وعلاقتها بالطبيعة، ومظاهر الحياة ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل، وبدأ الاحتفال لاعتقاد المصريين القدماء ان الربيع يقوم بإعلان بداية حياة جديدة، حيث تتفتح الزهور ويخرج الزرع من الارض.

- ما هي أصل كلمة شم النسيم؟
أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدء خلق العالم وأطلق المصريون القدماء على ذلك العيد اسم "عيد شموش" أي بعث الحياة، وحرف الاسم على مر الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم "شم" وأضيفت إليه كلمة "النسيم" نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله، أنه يرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسميًا إلى أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.

- كيف كان الاحتفال عند المصريين القدماء؟
يبدأون الاحتفال في ليلته الأولى أو ليلة الرؤية بالاحتفالات الدينية، ثم يتحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبي تشترك فيه جميع طبقات الشعب كما كان فرعون، وكبار رجال الدولة يشاركون في هذا العيد، ويخرجون في جماعات إلى الحدائق والحقول والمتنزهات؛ ليكونوا في استقبال الشمس عند شروقها.

واعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويقضوا يومهم في الاحتفال بالعيد ابتداء من شروق الشمس حتى غروبها، وطريقة الاحتفال كانت بالاستيقاظ مبكرا، لأن الشخص الذي لا يستيقظ مبكرا خاصة في ذلك اليوم بالتحديد، ويستقبل أشعة الشمس، لن يكون نشيطا طوال العام، وكانوا يقومون بالاحتفال بتناول البيض الملون والفسيخ والسردين والبصل والخس والملانة وكل شيء منهم له رمزية ودلالة خاصة.

- ما هي رمزية ودلالة كل منهم؟
-البيض: يرمز البيض إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صورت بعض برديات منف الإله "پتاح" إله الخلق عند المصريين القدماء وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد، ولذلك فإن تناول البيض في هذه المناسبة يبدو وكأنه إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وكانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم.

- الفسيخ أو السمك المملح:
تعبير من المصرى القديم عن حبه للنيل نهر الحياة أو كما كانوا يسمونه "الإله حعبى" وورد عند المصريين القدماء أن الحياة في الأرض بدأت في الماء ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة، وكان لهم عناية بحفظ الأسماك، وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة واستخراج البطارخ وكانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوع معين لتمليحه وحفظه للعيد، أطلقوا عليه اسم "بور" وما زال يطلق عليه حتى الآن.

-البصل:
كان رمز ودلالة للحياه عند المصريين القدماء، وكان قد ارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم، ويضعونه تحت الوسائد.

- الخس:
كان الخس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، وكان يسمى بالهيروغليفية "عب"، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهم، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين الخس والخصوبة، واكتشف المصريون القدماء أن زيت الخس يزيد في القوة الجنسية لاحتوائه على فيتامين "هـ" بالإضافة إلى بعض هرمونات التناسل.

- الملانة:
ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد شم النسيم نبات الحمص الأخضر، وهو ما يعرف عند المصريين باسم الملانة، وجعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى مقدم الربيع.

- ما سر ارتباط عيد شم النسيم بأسبوع الآلام عند الإخوة المسيحيين؟
سر ارتباط شم النسيم بعيد القيامة المجيد، أنه بعد انتشار المسيحية في مصر في القرن الرابع الميلادي واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بشم النسيم، إذ أنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد وفترة الصوم تتميز بالنسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة مع الامتناع بالطبع عن جميع الأطعمة التي تكون من أصل حيواني.

فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بشم النسيم إلى ما بعد فترة الصوم واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد والذي يأتي دائمًا يوم أحد فيكون عيد شم النسيم يوم الإثنين التالي له، وذلك في شهر برمودة من كل عام.