رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد واقعة «البهو».. أطباء مصر مصممون على استكمال المهمة

شبرا البهو
شبرا البهو

على الرغم من اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية في عملية تغسيل ودفن ضحايا فيروس كورونا فضلًا عن وضع الجثمان في عدة طبقات من الكفن، إلا أن بعض أهالي قرى المحافظات المختلفة رفضوا دفن ضحايا المرض في أكثر من واقعة كان آخرها قرية "شبرا البهو" بمركز أجا في محافظة الدقهاية، بدعوى أن جثمان المتوفي ينقل العدوى.

قبل أيام، تجمهر عدد من المواطنين في قرية شبرا البهو التابعة لمركز أجا في محافطة الدقهلية، لمنع دخول سيارة إسعاف تحمل مواطنة ماتت في الحجر الصحي بالإسماعيلية؛ لمنع عملية الدفن، مما استدعى أسرة المتوفاة لأخذ الجثمان ودفنه بقرية ميت العامل مسقط رأسها إلا أنهم قوبلوا بنفس الرفض أيضًا.

الأمر أدى إلى استدعاء قوات الأمن التي حاولت التفاوض مع الأهالي لفتح الطريق أمام المقابر إلا أنهم ظلوا يرددون "إيد واحدة"، لمنع الدفن بحجة أن الجثمان سيضر البلد بأكملها، حتى اضطرت القوات للتعامل مع التجمهر وحماية سيارة الإسعاف حتى يتم التمكن من عملية الدفن وسط إجراءات أمنية مشددة.

المشهد لاقى استهجانًا كبيرًا من جموع المواطنين لاسيما الأطباء في مصر، الذين تواصلت معهم "الدستور" في التقرير التالي، لرصد ردود أفعالهم بعد تلك الواقعة، مؤكدين على اتخاذ الإجراءات الوقائية خلال الغسل والتكفين وتطهير السيارة التي تقل الجثمان.

بدايةً يقول حسام سيد، طبيب في إحدى مستشفيات العزل، أن مريض الكورونا يتم التعامل معه وفق إجراءات وقائية مشددة، وكذلك الأمر حال وفاته إذ تتم عملية الغسل من قبل أفراد معنيين بهذا الدور في مستشفى الحجر الصحي وهم يتبعون كافة سبل الوقاية، التي تضمن منع انتقال العدوى وتكفين الجثمان بأكثر من طبقة.

ويضيف الطبيب، أن موقف رفض أهالي القرية دفن جثمان الطبيبة هو بمثابة موقف مشين غير أخلاقي أو ديني، ينم عن مدى القصور في تفكير وعقلية هؤلاء الذين شاركوا في التجمهر لمنع إجراءات الدفن، مؤكدًا أنه لا يمكن أن تنتقل عدوى فيروس كورونا من جثمان المتوفي؛ لأنه مكفن بأكثر من طبقة كما يتم وضعه في كيس عازل تمامًا.

"احنا بننتحر عشان الناس تعيش" بهذ الكلمات أبدى الطبيب محمد يوسف استياءه من مشهد تجمهر أهالي بلدة "شبرا البهو"، قائلًا: "احنا بنضحي بحياتنا عشان نحافظ على أرواح الناس، بس هما مستخسرين فينا الدفن كحق طبيعي لأي بني آدم، على الرغم من أننا نعرض حياتنا للخطر والعدوى من هؤلاء الأشخاص ذاتهم الذين رفضوا دفن الطبيبة".

ويواصل "يوسف"، منذ بدء أزمة كورونا وجميع الأطباء لم يترددوا في خوض هذه المحنة وفداء الناس بأرواحهم، ولا نطلب الثناء والعرفان من أحد على هذا الأمر؛ مرجعًا أسبابه أن هذا هو دورهم وواجبهم كأطباء يمثلون طوق النجاة أمام أي مرض أو فيروس تتعرض له البلاد، مثلما حدث مع انتشار الفيروس المستجد.

أما الطبيبة سارة حسن، فقد علقت على مشهد رفض الأهالي دفن جثمان متوفي الكورونا بأنه أمر مخزي ومحزن للغاية؛ إذ أن أي شخص عرضة للإصابة بالمرض ولا نملك في أنفسنا شئ وكله بأمر من الله، وإذا رفض الأهالي دفن الطبيبة ومن قبلها في إحدى القرى رفضوا دفن والد طبيب توفي على إثر إصابته بالكورونا، فلماذا لم يرفض الأطباء إذن معالجة هؤلاء الأهالي من مرضهم.

وأكدت "حسن"، أن هذه لم تكن من شيم المصريين يومًا ما فماذا حدث لهم، معلقة: "حقيقي المشهد كان عار أمام جميع دول العالم، فالجميع يعظم من شأن الأطباء في ظل الظروف التي يمر بها العالم، فكيف لا يقدر أهالينا مدى حساسية دورنا الذي يعرضنا وذوينا إلى الخطر، في كل مرة نمر فيها أو نكشف على الحالات الإيجابية بفيروس كورونا، فنحن كنا أصحاء لولا العدوى منكم، وسنظل نؤدي واجبنا ودفاعنا عن أرواح الملايين مهما يحدث".

ذكرت منظمة الصحة العالمية، بعد واقعة قرية "شبرا البهو" مساء أمس الجمعة، في بيان رسمي أن جثمان المتوفى إثر فيروس كورونا لم يثبت أنه معدٍ حتى الآن، كما أن المتوفي نتيجة "كورونا" يختلف عن جثمان المتوفى بالإيبولا أو الكوليرا، الذين يعتبرون مصدرًا للعدوى.

لم تكن واقعة "شبرا البهو" هي الوحيدة، فمن قبلها تكررت الموقف في عدد من المحافظات، ففي قرية بولس التابعة لمركز كفر الدوار في محافظة البحيرة، رفض أهالي القرية دفن جثمان والدة طبيب أصيبت بكورونا من ابنها الذي يعمل بمستشفى العزل، وتطلب الأمر استدعاء قوات الشرطة حتى يتمكن الطبيب من دفن والدته.

وفي منطقة بهتيم بشبرا الخيمة، منع المئات من الأهالي دفن سيدة من ضحايا كورونا توفيت بمستشفى العزل بدعوى منع الفيروس من الانتشار، لاسيما مع إصابة العشرات من أفراد أسرتها، الأمر الذي دفع الجهات المسئولة إلى دفنها بمقابر عائلتها بمحافظة الغربية وسط إجراءات مشددة.

وفي هذا الصدد أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوي الإليكترونية، بيانًا رسميًا أدان فيه سلوك التنمر الذي نتج من بعض الأهالي لاسيما برفضهم دفن ضحايا فيروس كورونا في قراهم، كذا السلوك الذي ينتهجه البعض ضد مصابي فيروس كورونا المستجد، مؤكدا أنه سلوك مرفوض ومحرم شرعًا.

وذكر البيان أيضًا أن الدين الإسلامي دعا إلى احترام بني الإنسان وإكرامهم أصحاء ومرضى، أحياءً وأمواتًا في بعض نصوص آيات القرءان الكريم، ودعا كذلك إلى مُداواة المرضى، والإحسان إليهم، والتَّألم لألمهم، مع ضرورة تكاتف أبناء الشعب المصري لتجاوز هذه المحنة.