رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرملاوي: حالة غير مسبوقة يعيشها العالم بسبب كورونا

أحمد القرملاوي
أحمد القرملاوي

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وسيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بالوباء، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبله أو بعده، وبعيدا عن روايات أو عالم الــ«ديستوبيا»، استطلعت «الدستور» آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم بعده؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وعليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه على العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها في محاولة لاستشراف عالم الغد.

يقول الكاتب الشاب أحمد القرملاوي: «حالة غير مسبوقة هي ما يعيشه العالم خلال هذه الفترة؛ لفتة من لفتات الواقع يُبرهن لنا به قدرته على الإدهاش، تلك التي تتجاوز بمسافة قدرة الأدب والسينما والدراما.. شوارع خاوية، بشر محبوسون بداخل شقق سكنية ضيقة، يرقبون العالم من خلف خصاص النوافذ وأسوار البلكونات، فيما يتابعون الإحصائيات دقيقة بدقيقة على شاشات الهواتف واللابتوب والتلفزيونات؛ عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة، ملايين من الوظائف المفقودة، قرصنة دولية على شُحنات المساعدات الطبية، وزراء في العناية المركزة، بورصات تنهار وحكومات تستغيث، ركود اقتصادي هو الأخطر منذ آخر حرب عظمى، ضعوا الكمامات، باعِدوا المسافات، تجنبوا التجمعات، عقموا الأيدي والملابس والنقود والأحذية، احذروا الأسطح المعدنية، لا مساس.. لا مساس! إنه الوباء الأخطر عبر التاريخ، الكارثة الأغرب في عمر العالم الحديث، نعيشها ساعة بساعة».

وعن تأثير هذه الكارثة على مسار الفن والكتابة الإبداعية، أضاف: «نعم بالتأكيد هناك تأثير لكنْ ما شكل التأثير المتوقع، لا أحد يمكنه التوقع بشكل دقيق نوع التحولات التي تطرأ على الفن في العموم، فتلك تحولات ترسمها أخيلة المبدعين وحركاتهم التي تتشكل وتتطور باستمرار في مختلف الاتجاهات، لكنْ ثمة مؤشرات يمكننا استشفافها لو تأمَّلنا المشهد من زواياه المختلفة؛ فمن ناحية، يضرب الوباء الجديد أكثر البلاد في مختلف القارات، شاشات التلفاز مقسمة لعدة خانات، تتابع الخواء والذعر الكامن في أغلب مدن العالم الهامة، ما قد يثير تعاطفًا عامًا وشعورًا بشراكة البشرية في مواجهة الأزمة ومجابهة الموت، وربما ينتج عنه تيار أدبي يتأمل العالم من منظور أوسع وأكثر إنسانية، يتجاوز الاختلافات ويبني على المشتركات».

وتابع: «لكن من ناحية أخرى، قد يبرز تيار ذاتيٌّ جديد نتيجة الشعور بالفجيعة والوحدة الفظيعة تحت وطأة الموت، فكم كم دولة أعلنَت أن قطاع الخدمات الطبية لديها لن يتحمَّل العبء المتزايد، وأنها ستُضطر لإنقاذ الحالات الأعلى فرصًا للشفاء، وترك الباقين! وكم من دولة مارسَت القرصنة على دولة صديقة لا تقل عنها احتياجًا للمعونات أو الواردات الطبية، وكم نسمع من اتهامات متبادلة بين الدول العظمى، وفشل للاتحادات الدولية في الاستفادة من آليات التعاون المشترك، وإخفاق لكبرى الحكومات في حماية رعاياها، بل والشكوى من كثرة أعداد المسنين وقلة الأسرة وأجهزة التنفُّس».

واختتم: «أي أدب سيُفرزه مناخ كهذا؟ أيكون أدبًا غارقًا في الشعور بالوحدة والاغتراب؟ الخوف والضياع؟ التمحور حول الذات؟ أيعود بنا رأسًا لأدب العبث والعدمية واللا معنى؟ جميعها احتمالات ممكنة، وستُفصِح الأيام القادمة عما يصعب توقعه الآن، فاللحظة الراهنة بكثافتها وتسارعها المتزايد تفرض حالة من الشلل الفكري لا تسمح بالاستيعاب والتأمُّل، لكن البشرية ستتجاوز هذه التجربة العصيبة كما تجاوزَت سابقيها مرات ومرات، وستكون إحدى الثمار القليلة للأزمة التي أفزعَت العالم وأخضعَته لحالة من الشلل والترقُّب المضطرب، هي تلك التجارب والتيارات الفنية الجديدة التي ستظهر على السطح، وتسبح بالأدب والفنون مسافة أخرى وتتجاوز به آفاقًا لم يعرفها من قبل».