رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غلطة «الطيّار» بألف


إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية اكتفت منذ نحو خمس سنوات، بتوجيه اللوم للطيار «آرا زوبايان» بسبب تحليقه دون إذن، فى أجواء غائمة أو خلال فترة «عدم وضوح الرؤية». وفى ٢٦ يناير الماضى، انتهت حياة هذا الطيار إثر تحطم مروحية كان يقودها، بسبب الخطأ نفسه، ورحل معه كوبى براينت، نجم كرة السلة، أسطورة فريق لوس أنجلوس ليكرز!.
براينت «٤١ سنة»، فائز بخمسة ألقاب فى الدورى الأمريكى للمحترفين، ويُعد واحدًا من أعظم لاعبى كرة السلة، فى تاريخ اللعبة: تقلد الذهبية الأوليمبية مرتين، فى ٢٠٠٨ و٢٠١٢، وواحد من سبعة لاعبين تخطوا حاجز الـ٣٠ ألف نقطة فى مسيرتهم، ويحتل المركز الثالث فى قائمة أكثر المسجلين فى تاريخ السلة الأمريكية برصيد ٣٣ ألفًا و٦٤٣ نقطة، وشارك فى مباراة كل النجوم ١٨ مرة. وعليه، كان طبيعيًا أن يحزن الملايين حول العالم لرحيل هذا «الأسطورة» وابنته، التى كانت تطمح لأن تكون لاعبة سلة محترفة، كأبيها الذى كان أيضًا مدرّبها.
كان كوبى براينت، الذى اعتزل اللعب سنة ٢٠١٦، فى طريقه إلى أكاديمية «مامبا» الرياضية، لتدريب فريق ابنته جيانا «١٣ سنة» لكرة السلة، استعدادًا لبطولة محلية للشباب، حين تحطمت مروحية كان يقودها آرا زوبايان «٥٠ سنة»، على أحد تلال «كالاباساس» شمال غربى لوس أنجلوس، ولقى كل من كانوا على متنها مصرعهم: الطيار وبراينت وابنته، مع ستة آخرين.
ما زال التحقيق جاريًا فى سبب تحطم المروحية. وتتولى العديد من الجهات التحقيق لكشف ملابسات الحادث، أبرزها إدارة الطيران الفيدرالية والمجلس الوطنى لسلامة النقل، بالإضافة لمكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آى»، وشرطة لوس أنجلوس، بالتعاون مع شركة «سيكورسكى» المصنعة للطائرة. غير أن جريدة «نيويورك تايمز» نقلت عن الطيار كورت ديتز، المسئول السابق عن السلامة فى شركة «آيلاند إكسبريس هليكوبترز»، مالكة الطائرة المنكوبة، أن الطائرة كانت تحمل تصريحًا للتحليق فى الأحوال الجوية العادية، عندما يكون بوسع الطيار أن يرى وبوضوح ما يجرى خارج الطائرة فى وضح النهار.
أيضًا، أعلن مسئولون بالمجلس الوطنى الأمريكى لسلامة النقل، منذ نحو أسبوعين، أن الشركة المالكة لمروحية نجم كرة السلة الراحل لم يتم الترخيص لها بالطيران إلا فى الظروف الجوية العادية، التى يكون فيها الطيار قادرًا على الرؤية بوضوح أثناء التحليق. كما أظهر تقرير مبدئى أصدره المجلس أن الحطام لم يُظهر أى دليل على وجود عُطل فى محركىّ المروحية.
التقرير أوضح أن «كل المكونات المهمة للمروحية كانت موجودة داخل منطقة الحطام». وأن فحص مجموعة الدوار الرئيسى ودوار الذيل أظهر أضرارًا تتناسق مع الضرر الذى ينجم عن الاصطدام فى حالة التشغيل». كما أوضح التقرير أن «القطع التى يمكن رؤيتها فى المحركين لم تظهر أى دليل على حدوث فشل داخلى كارثى أو غير قابل للاحتواء».
الطيار، بحسب تقرير لوكالة «أسوشيتد برس»، أبلغ مراقبى الحركة الجوية، فى رسالته الأخيرة، بأنه كان يحاول الارتفاع بالطائرة لتجنب الاصطدام بطبقة سحابية، قبل أن تهبط طائرته لمسافة ألف قدم «٣٠٥ أمتار» وترتطم بتل. وفى مؤتمر صحفى انعقد بعد يوم من وقوع الحادث، ذكرت جينيفر هوميندى، عضوة المجلس الوطنى لسلامة النقل، أن الرادار أشار إلى أن المروحية وصلت إلى ارتفاع ٢٣٠٠ قدم «٧٠١ متر» قبل سقوطها، بينما تم العثور على الحطام على تل ارتفاعه ١٠٨٥ قدمًا «٣٣١ مترًا».
خبراء رجحوا أن يكون سوء الأحوال الجوية هو الذى تسبب فى الكارثة، بينما قالت «هوميندى» إن «الطقس مجرد جزء صغير»، وأكدت أن فرق التحقيق ستنظر فى كل شىء «ابتداءً من تاريخ الطيار وصولًا إلى المحركات». ثم كشف تقرير نشرته جريدة «لوس أنجلوس تايمز»، يوم الجمعة الماضى، عن أن الطيار نفسه، سبق أن انتهك قواعد السلامة عندما انطلق بمروحية من مطار لوس أنجلوس الدولى، فى ١١ مايو ٢٠١٥، خلال فترة «عدم وضوح الرؤية» أو فى أجواء غائمة، ما دفع إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية إلى معاقبته بتوبيخه أو بتوجيه اللوم له.
المؤسف، هو أن الطيار كان وقتها متعاقدًا، أيضًا، مع شركة آيلاند إكسبريس هليكوبترز، الشركة نفسها مالكة المروحية التى أودت بحياة أسطورة كرة السلة، والتى أعلنت، فى بيان، أن «صدمة الحادث تأثر بها جميع أفرادها وطواقمها»، وأن الإدارة قررت «تعليق خدمات الشركة حتى تصبح الظروف مواتية للطواقم والعملاء».
الخلاصة، هى أننا أمام طيار ارتكب الغلطة نفسها مرتين. ولمّا لم تردعه عقوبة الغلطة الأولى البسيطة، كلفته الثانية حياته، ودفع معه الثمن آخرون، بينهم الشركة التى يعمل بها والأسطورة كوبى براينت، وابنته التى كان من الممكن جدًا أن تكون، هى الأخرى، أسطورة.