المفتي: دعاة التطرف يستخدمون الشباب لهدم الأوطان
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن شبابنا همْ أملُ البشريةِ في مستقبلٍ أفضلَ، وهذا ما يَعلمه أعداءُ البشريةِ من دعاةِ التطرفِ والإرهابِ، فيستخدمونهم بابًا لتسريبِ أفكارِهم، ومعولًا لهدمِ الأوطانِ.
وأضاف خلال كلمته في مؤتمر "تحصين الشباب ضدَّ أفكار التطرف والعنف وآليات تفعيلِها" المنعقد بمقر الأمم المتحدة بجنيف على مدار يومي 18-19 فبراير، أنَّ الأفكارَ الدينيةَ المغلوطةَ تُعَدُّ مِن أهمِّ الأخطارِ التي نواجهُها على المستوى المحليِّ والدوليِّ؛ وذلك لأنَّ التطرفَ الدينيَّ في العادةِ لا يقفُ عندَ حدِّ الفكرِ المتشددِ المنطوي على نفسِه؛ بل سرعانَ ما يتطورُ إلى مرحلةِ فرضِ الرأي، ثم محاولةِ تطويعِ المجتمعِ بأسره قسرًا لهذا الفكرِ، ولا سبيلَ له إلا العنف والإرهاب وسفك الدماءِ.
وأوضح المفتي أن هذه المتوالية تتشابهُ وتتكررُ في أماكنَ كثيرةٍ في العالمِ من حولِنا، بل تزدادُ ضراوةً وتأثيرًا وعنفًا بشكلٍ متسارعٍ، وأن طموحات الإرهابيين توسعت إلى حد تلقي تمويلات وإقامة جيوش وتسليح كتائبَ واستقطاب الشباب وتدريبهم وإعاشتهم ودمجهم في كيانات وميليشيات منظمة، مشيرًا إلى استعمالهم لكافة وسائل التكنولوجيا الحديثة، من تصوير وعرض وغزو لوسائل التواصل الاجتماعي؛ لبث فكرهم المتطرف وجذب المزيد من الشباب المتحمس لدفعهم إلى أتون الحروب والعمليات الانتحارية، فتحوَّل التطرف والإرهاب من ظاهرة فردية عشوائية إلى ظاهرة جماعية منظَّمَة لا تراعي البعد الأخلاقي ولا الإنساني فضلًا عن الديني، وهذا التطور قد تسببَ في إيجادِ حالةٍ من عدمِ الاستقرارِ في العديدِ من دولِ العالم.
وحول آليات مواجهة هذه الأفعال الهدامة، أكد مفتي الجمهورية، أن التعاون والتكاتف بينَ الجميعِ هو السبيل إلى مواجهة هذه الأفعال الهدامة التي تُؤثرُ في استقرارِ البشريةِ وتؤخرُ التطورَ الإنسانيَّ، وأنه يجب على كل دولةٍ متحضرةٍ وكل جهةٍ حكوميةٍ ومؤسسةٍ دينيةٍ ومنظمةٍ دوليةٍ القيام بدورِها في تشخيصِ مشكلةِ التطرفِ والإرهابِ وبناءِ برامجِ الوقايةِ منها، ووضعِ الآلياتِ المناسبةِ لمواجهتِها، واتخاذِ الإجراءاتِ الحاسمةِ والرادعةِ تجاهَ الدولِ التي تَدعَمُ تنظيماتِ التطرفِ والإرهابِ وتمولُها وتحميها.
وتابع "علام" خلال عرضه لآليات المواجهة، قائلًا: لعلَّ أهم آلياتِ مواجهةِ ظاهرةِ التطرفِ والإرهابِ هي المواجهةُ الفكريةُ، فينبغي على المؤسساتِ المعنيةِ خوضُ مواجهةٍ جادَّةٍ مؤسَّسةٍ على رؤيةٍ عميقةٍ ودراساتٍ دقيقةٍ بطريقةٍ علميةٍ حديثةٍ وردودٍ منهجيةٍ تتجاوزُ مرحلةَ الشجبِ والخَطابةِ إلى مرحلةِ الرصدِ والتحليلِ ومتابعةِ تطورِ هذه الأفكارِ المتشددةِ مِن جذورها التاريخيةِ والاجتماعيةِ حتى وصلتْ إلى هذا الحدِّ مِن الشراسةِ والعنفِ، كما أن المؤسساتِ الدينيةَ يجب أن تكون مِن أَولى المؤسساتِ التي يَنبغي أن تُعنى بهذه المواجهةِ.
وشدد على أنَّ المواجهةَ الفكريةَ الجادةَ سوف تقضي على ظاهرةِ التطرفِ والإرهابِ مِن جذورِها، وتدعمُ جهودَ الاستقرارِ الأمنيِّ والسياسيِّ والاقتصاديِّ في كل دولِ العالمِ، وسوفَ توفِّرُ علينا كثيرًا مِنَ الخسائرِ في الدماءِ والأرواحِ التي تُزْهَقُ في المواجهاتِ الأمنيةِ أو في العملياتِ الإرهابيةِ، إضافةً إلى ما سوفَ تؤدي إليه مِن دَفْعِ عَجلةِ التنميةِ والإصلاحِ الاقتصاديِّ الذي يعودُ بالرخاءِ على الشعوبِ والأفرادِ.
واستعرض المفتي تجربة دار الإفتاءِ المصرية الرائدة في مواجهة التطرف والإرهاب، والتي تعد مِن أهمِّ المؤسساتِ التي سارعتْ منذُ بدايةِ نشأتها إلى المواجهةِ الفكريةِ للتطرفِ والإرهابِ، وواكبتْ تزايدَ وتيرةِ العنفِ وارتفاعِها في المنطقةِ، مؤكدًا أنها استخدمت وسائلَ التكنولوجيا الحديثةِ، سواءٌ على نطاقِ الوقايةِ أو كوسيلةٍ للعلاجِ، حيث وضعتْ دارُ الإفتاءِ المصريةُ الشبابَ نُصْبَ عَيْنِها في هذه المواجهةِ واهتمتْ كبيرَ الاهتمامِ بتوفيرِ وسائلِ الوقايةِ الفكريةِ لهم؛ باعتبارهم عمودَ نهضةِ الأممِ والشعوبِ.
كما أوضح اعتماد سياسة دارِ الإفتاءِ المصريةِ على الأساليب العلمية والمنهجية كوسيلةٍ فاعلةٍ في هذه المواجهةِ الفكريةِ، ومِن ضمنِ أساليبِها: الرصدُ والإحصاءُ العلميُّ الدقيقُ الذي يَرصدُ الفتاوى التكفيريةَ والمتشددةَ وآثارَها في العالمِ كلِّه مِن خلالِ متابعةِ ما يدورُ في وسائلِ الإعلامِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ والمواقعِ الإلكترونيةِ، وإطلاقُ المنصاتِ الإلكترونيةِ المتعددةِ للردِّ على شبهاتِ هذه الجماعاتِ بأساليبَ مختلفةٍ، وهكذا كانَ "مرصدُ الفتاوى التكفيريةِ والآراءِ المتشددةِ التابعُ لدارِ الإفتاءِ المصريةِ" أولَ مرصدٍ مِن نوعِه يَرصدُ ويحللُ ويردُّ على دعاوى التطرفِ، وقد تم إنشاؤه عام 2014.
وفي إطار متصل أشار أيضًا إلى آليات عمل المؤشر العالمي للفتوى Global Fatwa Index الذي يوضِّحُ لصانعي القرارِ العالميِّ كيفَ يسيرُ الشأنُ الإفتائيُّ في كلِّ دائرةٍ جغرافيةٍ وَفْقَ أهمِّ وسائلِ التحليلِ الاستراتيجيِّ، للمساهمةِ في نشرِ الأفكارِ الدينيةِ الصحيحةِ ومكافحةِ الأفكارِ المتطرفةِ، حيث وضعتْ دارُ الإفتاءِ المصريةُ استراتيجيةً وافيةً لمكافحةِ التطرفِ والإرهابِ تستهدفُ تجفيفَ منابعِ التطرفِ ومحاصرتَه ومنعَه مِنَ الانتشارِ مِن خلالِ حُزمةٍ مِنَ البرامجِ باللغاتِ المختلفةِ، ويتمُّ تنفيذُ ذلكَ عَبْرَ آلياتٍ ووسائلَ متنوعةٍ. كما تشارَكَتِ الأمانةُ العامةُ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ معَ دارِ الإفتاءِ المصريةِ في أداءِ هذه المهمةِ الجليلةِ؛ حيث أُنشئتِ الأمانةُ العامةُ كمظلةٍ جامعةٍ للمؤسساتِ الإفتائيةِ في العالمِ؛ وجعلتْ مِن أهمِّ أهدافِها تكتيل هذه المؤسساتِ لبناءِ حائطِ صدٍّ ضدَّ هذه الأفكارِ الهدامةِ.
وأوضح الدكتور شوقي علام، أن دار الإفتاءِ المصرية، أدركت مِن مَوْقعِ المسئوليةِ الدينيةِ والوطنيةِ أنَّ خطرَ الإرهابِ لا يقتصرُ ضررُه على الصعيدِ المحليِّ، وإنما يمتدُّ تأثيرُه السلبيُّ إلى استقرارِ وأمنِ دُولِ المنطقةِ بأسرِها، وأنَّ هذا الخطرَ ما هو إلا نتيجةٌ طبيعيةٌ للإهمالِ والاستهانةِ لسنواتٍ طويلةٍ بمقاومةِ هذا الفكرِ؛ ومن ثَمَّ فقدْ سعتْ دارُ الإفتاءِ إلى إعدادِ برامجِ تدريبٍ للعلماءِ والمفتينَ والدعاةِ على مستوى العالمِ لكي تؤهلَ هذه الكوادرَ لمواجهةِ هذا الفكر على مستوى العالمِ، وكان لتخريجِ هذه الكوادرِ أثرُه الفعالُ في مواجهةِ الفكرِ المتطرفِ على مستوى العالمِ، كما لم تقتصرْ دارُ الإفتاءِ المصريةُ على التدريبِ المباشرِ، بل خصصتْ في خطةِ برامجها التدريبيةِ عن بُعدٍ عدةَ برامجَ خاصةٍ بمواجهةِ الأفكارِ المتطرفةِ وآلياتِ الوقايةِ منها.
كما أشار فضيلة المفتي إلى أن سائرَ هذه الجهودِ يكللها إعلانُ دارِ الإفتاءِ عن تدشين "مركزِ سلامٍ لدراساتِ التشددِ"، وهو مركزٌ بحثيٌّ وعلميٌّ لإعدادِ الدراساتِ الاستراتيجيةِ والمستقبليةِ يرتكزُ على مناهجَ وسطيةٍ إسلاميةٍ ويعالجُ مشكلاتِ التشددِ والتطرفِ الخاصةِ بالمسلمينَ حولَ العالمِ، ويقدمُ توصياتٍ وبرامجِ عملٍ لكيفيةِ مواجهةِ تلكَ الظاهرةِ الآخذةِ في الزيادةِ، ومحاربتِها والقضاءِ عليها، آخذًا بعينِ الاعتبارِ الخصوصياتِ المرتبطةَ بتنوعِ الحالاتِ وتعددِها، واختلافِ المناطقِ والبلدانِ.
وفي ختام كلمته، قال إنَّ تأثيرَ الإرهابِ ينعكس على الشبابِ وعلى التنميةِ والاستقرارِ، وأن كل تهاونٍ في مواجهةِ هذا الفكرِ سينعكسُ سلبًا على حاضرِنا ومستقبلِنا وعلى شبابِنا الذين هُمْ ذخيرةُ وطنِنا وأملُه في بناءِ المستقبلِ والدولةِ الحديثةِ، مشددًا على أنَّ دارَ الإفتاءِ المصريةَ باعتبارها مؤسسةً دينيةً وطنيةً عريقةً، ساهمتْ -ولا تزالُ- في تشكيلِ الوعي الدينيِّ الوسطيِّ في العالمِ أجمعَ؛ لنْ تكتفيَ بما قدمته مِن برامجَ وآلياتٍ لمواجهةِ هذا الفكرِ وَفْقَ العملِ المؤسسيِّ المنظمِ الدقيقِ الذي تبلورَ في العديدِ مِنَ الإنجازاتِ الهامةِ التي تخدمُ قضايا الإسلامِ والأمةِ، ولن تألوَ جُهْدًا في استخدامِ الأفكارِ الإنسانيةِ المتحضرةِ ووسائلِ التكنولوجيا المعاصرةِ، كما لن تَتوانى في متابعةِ هذه الأنشطةِ الهدامةِ بهدفِ محاصرتها والقضاءِ عليها، متعاونةً في ذلكَ معَ كلِّ محبٍّ للخيرِ والإنسانيةِ والسلام.