البحث عن الهوية المصرية
الكتاب السادس.. البحث عن جذور الشخصية المصرية
قبل أن يدخل الدكتور طاهر عبدالحكيم إلى دروب كتابه «الشخصية الوطنية المصرية.. قراءة جديدة لتاريخ مصر» سأل سؤالًا هو: لماذا هذا الكتاب؟
أعتقد أنه لم يكن يسأل قارئه، بل فى الغالب كان يسأل نفسه. فى إجابته يمكن أن نضع أيدينا على أهمية هذا الكتاب.
يقول: يعالج هذا البحث تشكل البنية القومية فى مصر، ونقصد بالبنية هنا مجموعة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والإيكولوجية وتعبيراتها الإدارية والثقافية والسياسية فى مجموعها العلاقات المتبادلة بينها ككل وبين بعضها البعض شكلت تلك الظاهرة الاجتماعية، وكيف تطورت هذه البنية عبر التاريخ، وما القوانين التى حكمت عملية التطور هذه، وما العوامل الذاتية والخارجية التى أثرت سلبًا أو إيجابًا على هذا التطور؟
يحاول عبدالحكيم أن يكون أكثر وضوحًا، فالبنية اجتماعية بطبيعة الحال، ولكنه آثر أن يعالجها كبنية قومية نظرًا لأن العامل القومى- المقصود به الوعى بالذات ككيان واحد متماسك والنزوع لتأكيد الذات فى مواجهة ما هو خارج عنها- اتخذ طابع الظاهرة وكان ملموسًا بدرجة قومية فى كل مراحل تطور المجتمع المصرى، بل إن هذا العامل القومى كان بمثابة الدرع الصدفية تتحصن داخلها الشخصية القومية المصرية فى مواجهة عوامل خارجية صونًا لنفسها، أو فى محاولتها للتحرر، أو للتطور نحو أوضاع أفضل. تأسيسًا على ذلك يذهب طاهر عبدالحكيم إلى أننا نجد ما يمكن تسميته المؤسسات القومية ظاهرة متكررة فى التاريخ المصرى، فلقد كانت ديانة أوزيريس أشبه بمؤسسة قومية فى مواجهة كهنة آمون حينما أصبحوا كهنة وحكامًا وملاكًا فى آنٍ واحد، وكانت الكنيسة المصرية مؤسسة قومية فى مواجهة تواطؤ كهنة آمون مع الغزو المقدونى، ثم فى مواجهة الرومان والبيزنطيين، كما كانت عامل تميز قوميًا يحفظ الذات القومية فى مواجهة الموجة الكوزموبوليتية التى سادت شرق البحر المتوسط فى ذلك الوقت.
المفارقة أنه عندما كانت تفتقد هذه المؤسسات كانت الثورات الفلاحية هى التعبير القومى عن رفض السيطرة الأجنبية، ولا يسقط كاتب «الشخصية الوطنية المصرية» ما قدمه الحزب الوطنى الأول «أحمد عرابى» والحزب الوطنى الثانى «مصطفى كامل» وحزب الوفد، ثم الحركة القومية التى كان يقودها جمال عبدالناصر، بصرف النظر عن تعدد أشكالها التنظيمية.
يعترف طاهر عبدالحكيم بأن البحث عن تشكل البنية القومية عبر تاريخ مصر أمر تكتنفه صعوبات ناشئة عن طول المسافة الزمنية لتاريخها، لكنه ساعده فى تذليل هذه الصعاب أنه كان يهتم فى المقام الأول بحركة الشعب المصرى نفسه وسعيه لتأكيد الذات ولإعادة بنائها، باعتبار أن حركة هذا الشعب هى المادة الرئيسية للتاريخ طبقًا للمفهوم الفلسفى.