بيجاد سلامة: ينبغي النظر إلى الرقص الشرقي بشكل مغاير
يشارك الكاتب والصحفي بيجاد سلامة بإصداره الجديد "الرقص بين أهل الدين وأهل السياسة" في فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب حيث يعرض الكتاب في جناح دار الهالة للنشر والتوزيع.
الكاتب بيجاد سلامة حاصل على بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة، ويعمل سكرتير تحرير بجريدة الدستور، وله العديد من الإصدارات منها" فريد الأطرش ملك العود حياته وأغانيه"، "وردة حياتها وأغانيها"، "محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال وقيثارة الشرق.. حياته وأغانيه" عبد الحليم حافظ.. العندليب.. حياته وأغانيه"، "أم كلثوم كوكب الشرق حياتها وأغانيها" إلى جانب عدة إصدارات أخرى.
وبمناسبة إصدار كتابه "الرقص بين أهل الدين وأهل السياسة" أجرينا معه هذا الحوار..
- ما السبب الرئيسي وراء انشغالك بتوثيق الرقص في مصر؟
فى البداية، حب الرقص كفكرة نفسها بالإضافة إلى رموز الرقص الذين بدورهم أضافوا قيمة وقامة للرقص بإنتاجهم ومشاركتهم في الحياة السياسية والإجتماعية، مع وجود قصص ثرية في حياتهم تتماس مع واقع ومحطات مهمة في تاريخ مصر، وخصوصًا في فترة الخمسينيات، وفي الكتاب ألقيت الضوء على الكثير من الراقصات غير المشهورات، ففي الغالب، الكتب التي تتطرق لهذا الموضوع لا تتحدث إلا عن سامية جمال وتحية كاريوكا وسهير زكي ونجوى فؤاد، على الرغم من وجود راقصات أخريات ساهمن وقدمن ما لم يقدمه أحد في مجالهن ومجال السينما، الأمثلة على ذلك كثيرة، يكفي أن نقول مثلًا: شفيقة القبطية، بمبة كشّر، بديعة مصابنى، رتيبة وإنصاف وفاطمة رشدى، أمينة محمد، ببا عزالدين، امتثال فوزى.
- برأيك لماذا تغيرت النظرة والتعاطي مع الرقص الشرقي؟
النظرة للرقص لم تتغير، فالتاريخ هو التاريخ، فمرة تجدين للرقص شأن وباع كبير، ويتسابق وجهاء المجتمع عليه، ومرة تجدينه في أسفل منزله ويعتبر من الرذائل، وليس الآن فقط ففي القاهرة القديمة كان الرقص في بدايته متنفس للقاهريين، وكمثال كان ساحل روض الفرج وساحة عابدين من أكثر الأماكن صخبًا، ولكن بمرور الوقت تحول الرقص إلى رذيلة بسبب دخول الغوازي في هذا المجال، واشتغالهن بالبغاء، مما ألصق بالرقص هذه الصفة، ثم يعود مرة أخرى إلى مرتبة عليا وهكذا، النظرة لا تكون ثابتة طوال الوقت.
ولذلك ينبغي النظر إلى الرقص أو الراقصة بنظرة مغايرة، كما كان في الماضي، وكدليل على ذلك، لو أخذنا الرئيس محمد أنور السادات كمثال، لوجدنا أنه تقدم للتمثيل في أكاديمية "أمينة محمد للتمثيل" ولكنها رفضته، وتمر السنوات، وعند هروبه إثر مقتل أمين عثمان تخبئه الراقصة تحية كاريوكا في بيت أختها، وبعدها بسنوات، يحبسها لأنها انتقدته بعد اتفاقية كامب ديفيد، والكثير والكثير من الحكايات والمواقف.
- حدثنا عن تجربة التوثيق مؤكد أنها كانت رحلة شاقة في الأرشيف؟ الوقت المستغرق وهل هناك قصص أو زوايا مدهشة صادفتك خلال هذه الرحلة يمكن أن تحدثنا عنها.
بالطبع رحلة البحث كانت صعبة وشاقة، ولكنها كانت ممتعة جدًا، وعلى الرغم من توفر المصادر الكثيرة إلا أنك لا تحتاج إلا إلى جزء بسيط منها، فعلى سبيل المثال كتاب "مذكرات نجيب الريحاني" لم أستخلص منه إلا قصته مع الراقصة بديعة مصابني فقط، أيضًا "فريد الأطرش نغم في تراث العرب" فقط استعنت بالجزء الخاص بالراقصة سامية جمال، وأنت تعلمين أن مصادر الإنترنت وويكيبيديا ليست مصدر موثوق بدرجة 100%، كتابان آخران "شوارع القاهرة"، و"خبايا القاهرة"، فقط استعنت بهما للكتابة عن القاهرة وشوارعها ورقصها وفرحها فقط، أيضًا مع وجود مقالات من فترة السبعينيات.
أما عن القصص فأنا أعشق الأشياء القديمة والنوستالجيا، فحين تطرقت إلي القاهرة القديمة وقرأت أسماء الشوارع والمدن مثل: طموه والجيزة وناهيا وطره وحارة الروم وحارة النصارى وحى الأزبكية، وشارع كلوت بك وميدان الأوبرا، وميدان الجلاء، وكوبري الجلاء الذي كان لفترة قريبة كان اسمه" كوبري بديعة" علي اسم الراقصة بديعة مصابني"، بعد الكتابة ذهب لهذه الشوار وتخيلت العصر الذي كتبت عنه وأنني أقف الآن في أماكن شهدت مواقف وسطرت تاريخ تمنيت أن أكون موجودًا فيه.
- ما تعليقك على إعادة إحياء فرقة رضا مؤخرًا هل ترى أن هذه خطوة رسمية في إعادة الاعتبار للرقص الشرقي في مصر؟
سأختصر فرقة رضا في عدة نقاط من شأنها أن تؤكد لك أهمية هذه الفرقة:
- كان معروف عن هذه الفرقة أنها "فرقة الملوك والرؤساء"، ولمن لا يعرفهم من الجيل الجديد يكفي أن يشاهد فيلمي "أجازة نص السنة" و"غرام فى الكرنك"
- كانت الفرقة المحببة للرئيس عبدالناصر وكان لا يقيم حفلة لأى رئيس إلا بوجود أم كلثوم وفرقة رضا.
- حين أتي «بيجن» إلى مصر بعد معاهدة السلام وأقيمت له حفلة بقصر القبة، وشاركت الفرقة بعدة عروض قال لهم السادات ضاحكًا: «أنتم طرف فى معاهدة السلام».
- الفرقة رقصت أمام الرئيس جمال عبدالناصر، والرئيس الروسى خوروشوف، والملك حسين بمهرجان جرش بالأردن، والرئيس أنور السادات، والرئيس حسني مبارك.
فكانت الفرقة أنذاك تمثل هوية مصر والقوى الناعمة، لذا فأنا أري أن فرقة رضا والفرقة القومية للرقص الشعبى، بالإضافة إلي فرق الفنون الشعبية في محافظات مصر لابد أن تؤخذ بعين الإعتبار لإعادة تقديم الرقص الشعبي بصورة حية ومشرفة.
- وأخيرا هل تمثل موجة الراقصات الأجنبيات تحويل للرقص الشرقي عن مساره أم هى مرحلة طبيعية قد لا تؤثر بشكل كبير؟
لا يوجد أي تحويل في مسار الرقص، والراقصات الأجنبيات لسن وليدات هذه الأيام فقط، فمثلًا الراقصة "هدى الشمس" كانت أول راقصة أرمينية في مصر، أضف إلى ذلك الراقصات مثل "كيتي" وبديعة مصابني" و"نيللي مظلوم"، برغم ما قدمنه إلا أن وقتها كانت الرقص الشرقي له مكانته وراقصاته اللاتي لم يضعفن أمام الأجنبيات.
أما الآن فوجود الراقصات الأجنبيات لاقى رواجًا بسبب تغيير الذوق العام، يكفي أن تشاهدي مقاطع رقص لهن وعلى أي موسيقى أو أغاني يرقصون، ولكن حين تظهر راقصة شرقية ستجد الكل يتجه إليها لأن الرقص الشرقي هو الأصل، ولا يعزينا الآن غير وجود ما أطلقت عليها مجلة «نيوزويك الأمريكية» لقب «الراقصة المصرية الأخيرة»، الراقصة دينا.