رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد زهران: القصة القصيرة بالنسبة لي لعبة ممتعة ومتجددة على الدوام (حوار)

محمد زهران
محمد زهران

بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب٬ يصدر للكاتب محمد عبد المنعم زهران٬ عن منشورات المتوسط٬ أحدث إبداعاته٬ المجموعة القصصية "هندسة العالم".

زهران سبق وصدر له مجموعات: حيرة الكائن٬ بجوارك بينما تمطر٬ سبع عربات مسافرة، إضافة إلى أعماله المسرحية: أشياء الليل٬ زيارة عائلية٬ عبده الكاتب.

في هذا اللقاء يتحدث زهران لــ"الدستور" عن فن القصة القصيرة٬ والمؤثرات التي دفعته للاتجاه لهذا الفن٬ مستقبل هذا الجنس الأدبي وغيرها من القضايا وإلى نص الحوار.

ــ مَن من كُتّاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا اللون من الأدب؟
قراءاتي بدأت بصورة غير مقصودة بإبراهيم فهمي، أحببت كتاباته وتقريبًا أعدت قراءة مجموعته "القمر بوبا" مرات، وتبعتها بمجموعة "حكايات للأمير حتى ينام"، ليحى الطاهر عبد الله، وبعد ثنائية ابراهيم فهمي ويحيى الطاهر، جاءت ثنائية محمد البساطي وبهاء طاهر وبعدهما المخزنجي وأصلان.

الكاتب الذي يعجبني أبحث عن أعماله وأتابع جديده، الغريب أنني بعد أن قرأت هؤلاء الكتاب، عدت لقراءة نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس، وأدركت أنني أخطأت، كان لا بد أن أبدأ بهم، كان لا بد أن أبدأ –تحديدًا- بيحيى حقي، وبعده نجيب محفوظ ويوسف إدريس، لو بإمكاني توجيه النصح للكتاب الشباب فيما يتعلق بمن يبدأون قراءته فسيكون يحيى حقي طبعًا، قد تسألين لماذا؟ الإجابة تتلخص في أن نصوصه صافية وخالية من الزوائد والحشو غير المطلوب، نصوصه تركز على الحدث وتتوخى الحكي وتجعله محور كل شيء، وهذا في تقديري أهم درس لكل من يود كتابة قصة قصيرة جيدة.

ولكنني أعتقد أن طموحي الهائل في الكتابة بدأ مع قراءة القصص المترجمة، قرأت لتشيكوف طبعًا ولكنني لم أواصل قراءة رواد القصة الأوربيين، تقريبًا ارتكبت نفس الخطأ، عندما تحولت إلى كتاب أمريكا اللاتينية بحكم شهرتهم الطاغية، وعندما عدت إلى الرواد الأوربيين اكتشفت بأنه كان ينبغي علي أن أبدأ بهم، ققد تأسست كتابة أمريكًا اللاتينية انطلاقًا من نصوصهم، في الحقيقة إذا لم تقرأ الأدب الكلاسيكي، حتمًا سيفوتك شيئًا مهمًا جدًا لن تسطيع أن تجده بعد ذلك.


ــ ما الذي لفتك إلى الاهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟
منذ بداياتي الأولي، اتجهت صوب القصة القصيرة، لا أعرف تحديدًا لماذا، ربما كان هذا بتأثير الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية العربية منها والأجنبية، بدأت أكتب قصصًا خيالية وأسطورية؛ لأنني منذ البدء كنت أكره السرد التقليدي، وعندما اقتربت من الواقعية بتأثير قراءاتي واقترابي من شكل القصة القصيرة بمعناه الفني، اقتربت محملًا بالميتافيزيقي، وغير المحدد، وكان لتيار الواقعية السحرية تأثيرًا كبيرًا، لكنني رغم ذلك ابتعدت عن العجائبية والسحرية المظهرية والسطحية، اقتربت أكثر من التجريب في البناء ومنظور الرؤية واختيار الحدث نفسه، لكن كل هذا ظل دائمًا في إطار حكاية صلبة متماسكة.

كتبت عشرات القصص ومزقتها لأنني قررت أن أكون كاتبًا جيدًا، وقلت لنفسي إذا لم أنجح في كتابة أشعر بأنها مختلفة فلن استمر، وكنت محظوظًا بصداقة أشخاص مهمين في مرحلة التكوين كالناقد الراحل عماد الحيني، والأصدقاء المبدعين محمد مهدي حميدة وأحمد جبرة، هؤلاء أسهموا في رفع سقف طموحي في الكتابة، بسببهم مزقت عددًا كبيرًا من القصص على مدار سنوات، ولم أقنع بأن أكتب العادي والمألوف، كان لا بد أن أكون مختلفًا وأن تكون لي لغتي وصوتي وطريقتي الخاصة في السرد. استغرق ذلك وقتًا بالطبع. ولكن النتائج كانت مبهرة، أولى قصصي التي شعرت بالرضا عنها فازت بجائزة أخبار الأدب.

ــ هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرائق كتابته؟
في مشوار استكمال أول مجموعة قصصية، أحسست بأني أطوّر كتاباتي بصورة مرضية جدًاـ لأصل إلى النص المثال الذي أتوخى كتابته، فازت مجموعتي الأولى بجائزة الشارقة للإبداع، والواقع أن هذه الجائزة والورشة الإبداعية المصاحبة لها كانت من أهم مداخل تعرفي على أصول الكتابة السردية وفنياتها، كانت الورشة الإبداعية بإشراف الدكتور عبد الله إبراهيم وهو من أهم من قدم وشرح نظرية السرد، وكان من نتائجها تفتح معارفي على الكثير من المفاهيم السردية، استطعت على الأقل أن أفهم ما أقوم به في النصوص، في النهاية امتلكت الوعي بما أكتب وكيف أكتبه، ولماذا.

في كل قصصي أحاول أن أتوجه إلى مختلف أنواع القراء باختلاف ثقافاتهم، يدور بمخيلتي دائما أثناء الكتابة ألا تفقد النصوص دهشتها وإمتاعها لدى كل القراء وفي أية لغة.


ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب ؟ ومن قارئك ؟
أود أن أقدم للقارئ ملكة متوجة على عرش مذهل. الملكة هي الحكاية، والحكاية هو الفن الآسر منذ حكايات ألف ليلة وقصص الأساطير الإغريقية إلى الآن، أود أن أقدم الدهشة والإمتاع، دهشة الحياة ووقائعها الحلوة والمرة، التعاسة والسعادة، الشعور الغامض بالوجود، وعلاقات الأشياء، الإنسان نفسه منبع دهشة أخرى، في الأخير دهشة أن ترى كل شيء على نحو مغاير لما اعتدت أن تراه به.

ــ ما مدى الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدي القصص القصيرة؟ وهل تواجه أحيانا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا؟

في الأحوال العادية تستغرق كتابة قصة واحدة يومين أو ثلاثة على الأكثر، وبالنسبة للقصص الطويلة قد تستغرق أسبوعًا، والصعوبة الوحيدة التي أواجهها هي أن أعثر على ما يستحق الكتابة، أعلم أنني أستطيع كتابة أفكار عادية، وستصبح قصصًا جميلة أيضا، ولكن الفكرة التي تستحق والتي تدفعك للكتابة تكون هي الأجمل والأكثر إدهاشًا يحدث في أوقات عجيبة لا أعثر فيها على أفكار محددة، وأبدأ بجملة لا معنى لها، وأظل أكتب سطرًا وآخر وأخيرًا تظهر الملكة فجأة، تنبثق الحكاية من اللا شيء. الغريب أن كل القصص التي لا تبدأ من حكاية جاهزة في دماغي تبدو الأكثر تجريبية وجنونًا.

ــ هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة ؟ مثل ماذا؟

في العموم توصلت إلى أن لكل حدث لغة سردية تخصه، وطريقة مثلى لبنائه ويتوقف نجاح القاص على مدى توفيقه في اختيار لغة سردية ملائمة. بت مؤمنًا أن لكل حكاية طريقة مثالية لسردها، تبدأ من اختيار زاويا الرؤيا الملائمة وأنواع الرواة وتنوعهم داخل النص الواحد. فالقاص الناجح الذي يمارس – قبل أن يكتب- عمليات ذهنية معقدة يقلب فيها الحدث ويمرره على كل أنواع الرواة ليتمكن في النهاية من اختيار الرواي الملائم تمامًا للقصة. لكن يظل الأكثر أهمية بالنسبة إلي أن أعثر على ما يستحق الكتابة.

وفي كل مرة أبدأ فيها كتابة جديدة أشعر بالخوف، الخوف من أن أكرر نفسي أو أقع أسير النمطية، فأنا أؤمن أن نجاح الكاتب هو دائمًا حركته إلى الأمام.. إلى الجديد والفريد.


ــ هل تهتم في كل قصة قصيرة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة إلي الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
أكتب قصصي لمجرد أن أحكي حكاية مدهشة، هذا هو الأساس، أبدو، وأنا أكتب، منقطع الصلة عن أية أوضاع محددة، قد تأتي هذه الأوضاع الاجتماعية في السياق، لأنها تتعلق ببشر، فالفقر والعوز، وضع اجتماعي موجود، ولكنه في حكاية تتعلق بإنسان، لا يعدو كونه وجهًا من وجوه كثيرة تتعلق بهذا الإنسان. فأحيانًا يكون الحب هو أكثر ما يؤلم شخص فقير في وقت ما.

ــ كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلى الحدث أم إلي الشخصية؟
القصة القصيرة بالنسبة إلي لعبة ممتعة، ومتجددة على الدوام، تبدو كحبة فراولة على كف جنيّة، وعلىّ في كل مرة أن أحاول اقتناصها، أحيانا أبتعد فترات عن الكتابة وحين أعود أرغب في ابتكار ألعاب جديدة، كنت ابتعد أحيانا لأوقات تمتد لسنوات عن الكتابة، لأنني أكره النمط والتكرار، وفي كل مرة أعود لأكتب مجموعة جديدة أنتهي منها في مدة لا تزيد عن شهرين فقط، هو وقت المغامرة الجديدة التي أحبها وأخلص لها وتستولي على كياني وتدفع عقلي إلى العمل سريعًا.

لا يهمني بعد ذلك أن يستغرق تنقيح العمل شهورّا، المهم أن البناء الأساسي قد اكتمل. وإذا كنت أتحدث عن اللعب كمدخل دائم لقصصي، فإن البطل الرئيس فيها هو الحدث، الحدث هو الذي يشيد كل شيء، يختار الشخصيات بملامحها وأفعالها، الشخصية في النهاية أحد ملامح تبدّي الحدث.

ــ هل تعيّن الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركها بلا تعيين ؟
الحدث أيضًا، هو الذي يطوع الزمان والمكان، هناك أحداث تتجاوز مفاهيم المكان والزمان التقليديين، وتخلق فضاءات تلائمها، وأزمنة متسقة معها، أحيانا يسير الحدث في بعض قصصي في فضاءات غير محددة الزمان والمكان، وحتى إذا تم تحديدها، فسيكون ذلك وفق ما يقتضيه السرد فقط.


ــ هل ترى فيما أنجزت من قصص قصيرة أنه يمثل مراحل تطور متعاقبة؟ فإن كان فكيف ترى نتيجة هذا؟
أنجزت، حتى الآن، أربع مجموعات قصصية، والمجموعات الأربع تمثل مراحل مهمة في تحولي من الاهتمام باللغة والحدث إلى الاهتمام بالحدث وحده٬ ثم معاودة الاهتمام باللغة مع الحدث.

ففي مجموعة حيرة الكائن يتجاور الحدث المبتكر إلى جوار اللغة الجميلة. في مجموعة بجوارك بينما تمطر، اعتمدت البطولة المطلقة للحدث وحركته الرشيقة دون رتوش لغوية، وفي مجموعتي الأخيرتين عدت أجاور بين الاثنين، وفي الواقع لا أعرف كيف ستكون المغامرة القادمة، أبقى دائمًا مستعدًا لكتابة جديدة أتوخاها وأبحث عنها، في يقيني أن الأجمل لم يُكتب بعد، ومن ثم أضع نفسي دائمًا في مجال يسمح لي باحتمالية كتابته.

ــ إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلى غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث هذا؟ ولماذا؟
أكتب إلى جوار القصة القصيرة المسرحية وقصص الأطفال، اقتضت بعض الظروف اتجاهي للكتابة للمسرح، كوني كنت منتميًا لإحدى الفرق المسرحية المحلية ببلدتنا سمالوط بالمنيا، وأدى احتياجهم إلى كتابة نص مختلف إلى اضطراري للكتابة المسرحية، بدأ الأمر هكذا، غير أنه يجب الاعتراف، بأن الكتابة للمسرح لها جمال وسحر خاص، وأنها أسرتني، وتقريبًا أبعدتني عن كتابة الرواية لأن المسرح كان معادلًا للرواية في من وجهة نظري.

أطمح إلى استكمال مشروعي في القصة القصيرة، قد أستجيب لمغامرة الرواية، وسأفعل بالتأكيد ولكنني أعلم أنني سأعود سريعًا؟.

ــ كيف ترى مستقبل هذا النوع الأدبي؟
دون مبالغات منحازة للقصة، أرى أن القصة القصيرة قد اهتزت مكانتها في سوق النشر، فالناشرون يفضلون الرواية بالتأكيد، لكن هذا لا يعدو كونه موجة جرى التسويق لها، عبر مجموعة من الجوائز الكبيرة المهمة المخصصة للرواية وخدمتها ظروف وسياقات اجتماعية واقتصادية، لكن الواقع والمستقبل يؤكد أن القصة تحتل مكانة مهمة في كل وقت، ومن غير المستبعد أبدًا أن تكون الفن الأول في المستقبل القريب، باعتبار المتغيرات التى نشعر بها الآن وخاصة من الناحية الاقتصادية وهي المحرك الرئيس لسوق النشر، إلى جانب ظهور جوائز كبرى مخصصة للقصة القصيرة وحدها.