رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجلاء علام: القصة القصيرة هي الصديقة الحميمة التي تقبل المقامرة

نجلاء علام
نجلاء علام

رغم أنها قد تصنف ككاتبة أطفال إلا أن مجموعاتها القصصية نالت قبولًا نقديًا واسعًا٬ ومن هذه المجموعات: أفيال صغيرة لم تمت بعد٬ روْحٌ تُحَوّمُ آتية٬ سيرة القلب. في هذا اللقاء تكشف الكاتبة نجلاء علام٬ رئيس تحرير مجلة قطر الندى للأطفال٬ عن شغفها بفن القصة القصيرة وكيف دخلت هذا العالم٬ وما تمثله لها القصة القصيرة٬ وهل بالفعل هو فن أدبي بلا قراء٬ وغيرها من قضايا هذا الجنس الأدبي.

إلى نص الحوار

ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأتِ لهم قبل أن تكتبي هذا الفن الأدبي؟
بالنسبة لي مرحلة الكتابة تسبق القراءة، لأنني بدأت الكتابة في سن صغيرة وأذيعت لي قصة قصيرة تحت عنوان "السلحفاة " بالبرنامج الثاني في الإذاعة المصرية وأنا في المرحلة الثانوية، طبعا كنت أكتب دون معرفة حقيقية لخصائص هذا الفن أو الجنس الأدبي ثم بدأت مرحلة القراءة المتخصصة بنهم شديد، فقرأت لكثيرين كتبوا القصة القصيرة من جميع المدارس والاتجاهات ومن العالم العربي والمترجمات، ولكن من مس شغاف عقلي هو أنطون تشيكوف، الذي التحم بالذات الإنسانية وقدم شخصيات غنية مرهفة.

ــ ما الذي لفتكِ إلى الاهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأتِ تجاربك الأولى في كتابتها؟
في البداية أنت لا تستطيع تحديد بوصلتك، من لديه اهتمامات بالسرد يتجه مباشرة إلى كتابة القصة، ومن يفضل الشعر يكتبه دون أي جنس غيره، بالتأكيد القصة تعطيني فرصة لاختيار الشخصية والحدث والزمن، لتوليد حالة إنسانية ولتقديم رؤية مغلفة بطيات سرد مرهفة وعميقة، التجارب الأولى كانت عفوية جامحة ولكنها بلا جماليات تقريبا فهي مفعمة بالمشاعر وبها ميلودراما غير مبررة، ولكنها أعطتني فرصة رائعة للتمرين مع الكتابة حتى أصل إلى جماليات الكتابة الخاصة بي.

ــ هل قرأتِ شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرائق كتابته؟
في الكتابة عموما وليس في كتابة القصة القصيرة فقط 1+1 لا يساوي 2، بمعنى أنني لو قرأت أعظم الكتب النقدية التي تناولت فن القصة القصيرة فهذا ليس معناه بالضرورة أنني سأكتب أعظم قصة قصيرة، ولكن الاطلاع على كل المدارس النقدية مفيد للكاتب بالضبط مثل الاطلاع على الاكتشافات العلمية وعلوم البيئة والفضاء وعلم النفس والفلسفة، كل هذا يرسب داخل نفس الكاتب المبدعة وتبدأ هذه الذات في إعادة هضم وإنتاج كل هذا الزخم من خلال الكتابة بشكل غير مباشر.

ــ ما الذي يجعلكِ تختارين إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟ هل يتعلق الأمر بحالتك النفسية أم بطبيعة الموضوع الذي تعالجينه؟ أم أن إمكانية النشر هي التي توجهكِ إلى هذا الاختيار؟
لا أنطلق على الإطلاق من هذه المرتكزات فالتعويل على الحالة النفسية يحيل الكتابة إلى فضفضة، وطبيعة الموضوع تبدو ملتبسة فأي موضوع يمكن معالجته في إطار القصة القصيرة وأيضا في إطار الرواية أو في أي جنس أدبي آخر مثل المسرحية، أما الاعتماد على النشر قبل الكتابة يدمر فكرة الكتابة ذاتها، ولكن أختار القصة لأنها تلك الصديقة الحميمة التي تقبل المقامرة فالتجريب داخل إطارها الفني دائما يغري بالمزيد، وقدرتها على استيعاب الحالة الإنسانية الراهنة لا تنضب.

ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة عندكِ إلى توصيله للقارئ؟ وهل تتمثلين قارئكِ وأنتِ تكتبين ؟ ومن قارئكِ؟
أبحث عما يدهش القارئ ويدهشني، أحاول أن أضع يدي دائمًا فأخرج بالصورة البصرية، التي تمزج بين السرد والوصف، وبإحساس خاص بالزمان والمكان، ومحاولة الاستفادة من الخبرات المعاشة، ورصد التحولات النفسية، أرصدها بالحركة ولغة بسيطة في متن الكتابة نفسها، أعتمد على دقة التراكيب وأعمل على تحديد اللفظة السردية، صحيح أنني لا أتمثل القارئ عندما أكتب لكنه حاضر دائما في مخيلتي، فقارئي محب للذات الإنسانية ومتسامح معها وقادر على قراءة ما بين السطور فيمكنه دائما خلق نص موازٍ عند التلقي.

ــ ما مدى الزمن الذي تستغرقه كتابتكِ لإحدى القصص القصيرة؟ وهل تواجهين أحيانا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا؟
المشكلة دائما فيما بعد الكتابة وليست في الوقت المستغرق لكتابة القصة، فإعادة الكتابة مرة تلو أخرى وتلبس الحالة الإنسانية ومفردات فضاء هذه القصة على مدار زمني يتفاوت في مساحته بين الطول والقصر هي المعاناة الحقيقية لأنني لا أؤمن بالكتابة اللحظية بمعنى أن أي شيء يتبادر إلى الذهن يكون مصدقا به ومُعولا عليه، ولذا أعيد الكَرّة تلو الأخرى حتى أطمئن.

ــ هل استطعتِ من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلصي لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة؟ مثل ماذا؟
السعي الحقيقي لأي كاتب هو التنقيب عن خصائص ومزايا خاصة به، فعبر رحلتي مع الكتابة اكتشفت أن تيمة الحلم تحوم حولي وتتداخل في نسيج الكتابة عندي، والحلم هنا من منظور كتابتي هو إعادة هضم الأحداث ومحاولة تأويلها بشكل مختلف، فالأحداث التي مرت على البشرية ونظن أن أحدًا لا يتذكرها هي نفسها الخبرات التي احتفظ بها العقل الإنساني عبر العصور وكونت بديهيته وثقافته، ويراها جليّة أثناء نومه، ولهذا كانت الشخصيات من خلال أحلامها تعيد التحاور مع أحداث التاريخ الإنساني، والحقيقة أنها شخصيات منتخبة لأنها لا تمثل فقط نفسها، بل تحاول تمثيل النفس الإنسانية الجامعة عبر التاريخ.

ــ هل تهتمين في كل قصة قصيرة تكتبينها بأن يكون لها مغزى بالنسبة إلى الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
في رأيي أن الكتابة المباشرة عن أي قضية سياسية أو اجتماعية تخصم كثيرا من رصيد جماليات الكتابة، ولذا تعلمت أن أرقب في صمت ما يدور حولي الفعل الحركة إشارة اليد نبرة الصوت تلك الروح التي تسري حين يجتمع الناس أو يتفرقون، حتى صرت كالإسفنجة أتشبع بالتفاصيل من حولي ثم أخرجها ممزوجة بالذات الساردة فتكون كتابة، لقد اهتممت دائما بالإنسان العادي داخل قصصي فلن تجدي بطلًا مغوارًا يحقق الأحلام، ولا إنسانًا مهزومًا على طول الخط، بل ستجدين أُناسا يحاولون ويتكيفون مع واقعهم.

ــ كيف يكون مدخلكِ إلى القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك ِإلى الحدث أم إلى الشخصية؟
الشخصية الحدث اللغة البناء الذات الساردة، الكل في بوتقة واحدة، لا يمكنني تفضيل عنصر على آخر، إلا إذا استطعنا المفاضلة بين الدم والعظم، أو العين والقلب.

ــ هل تعينين الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركيها بلا تعيين؟
في وجهة نظري لا يجب أن يوجد مانشيت داخل القصة القصيرة فنقول مثلا القاهرة في شهر كذا سنة كذا، بل يجب أن نثق في القارئ وفي السرد معا، فالقارئ لمّاح وفطن والسرد غني ومتعدد الدلالة وقادر على الإشارة البليغة دون تصريح.

ــ هل ترين فيما أنجزتِ حتى الآن من قصص قصيرة أنه يمثل مراحل تطور متعاقبة؟ فإن كان فكيف ترين نتيجة هذا التطور؟
صدر لي حتى الآن ثلاث مجموعات قصصية هي "أفيال صغيرة لم تمت بعد" و"روح تحوم آتية" و"سيرة القلب" حاولت فيها جميعا التمسك بملامح واضحة مثل الدقة في الوصف والكثافة وحميمة العالم، اقتناص السؤال وفتح باب كبير للذات المبدعة كي تكون حاضرة، لا شيء مجاني في الكتابة عندي والحوار الحقيقي داخل كل القصص هو حوار ممتد مع الزمن، وأعتقد أن التطور يعود لعمق النظرة إلى الحياة والإنسان.

ــ إذا كنتِ قد انصرفتِ عن كتابة القصة القصيرة إلى غيرها من الأجناس الأدبية فمتى حدث هذا ؟ ولماذا؟
في الحقيقة لم أنصرف عن القصة القصيرة وإنما ظلت حاضرة دائما، صحيح أنني نشرت روايتين، هما "نصف عين" و"الخروج إلى النهار"، ولكن ظلت القصة هي الجنس الأدبي القادر على احتواء الذات.

ـ كيف ترين مستقبل هذا النوع الأدبي؟  
أرى أن العصر القادم سيكون عصر القصة القصيرة المتسائلة المشتتة اللعوب، القادرة على احتواء الذات في عصر الاغتراب الذي نعيشه حاليا، فالإنسان يشعر بالاغتراب حين ينظر لكل ما يحيط به ولا يستطيع أن يحتويه داخل ذاته ويعيد إنتاجه والتماس معه من زاوية هذه الذات، فيستغلق عليه الواقع، فمعرفة الذات هي المفتاح للتواصل مع العالم، أما التشتت فهو نتاج طبيعي للمعرفة، الجاهل لا يتشتت لأنه ليس لديه اختيارات وبدائل، ولا يملك أسئلة جديدة يلقيها إلى بحر المعرفة، والقصة القصيرة تستطيع أن تقوم بهذا الدور فهي تقرب الإنسان من ذاته، وتطرح البدائل والتساؤلات.
وهناك سبب آخر في تألق القصة مستقبلا، ذلك أن القصة القصيرة بنت عصرها، والمُدَوّن من هذه القصص على مر الزمان وفي البلدان المختلفة يوضح أن القصة ظلت تعكس وترصد روح كل عصر مرت به، وطريقة تفكير الإنسان في هذا العصر، والخريطة النفسية لشخصياته المختلفة، والخصائص المميزة للسلوكيات الجماعية، الإنسان ظل طوال الوقت وقودًا للقصة ومنتجًا لها، وإذا استغنت القصة عن عبء الاستطراد والامتداد الزمني وكثرة الشخصيات صفت إلى الإنسان، وصارت أكثر قدرة على التحاور مع الذات.