رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسين فوزى.. «سندباد مصرى» والعصر العثمانى


يعتبر كتاب حسين فوزى «سندباد مصرى» من أهم الكتب التى أثرت فى وجدان العديد من أجيال الشعب المصرى، بل ولا ندّعى إذا قلنا إنه كان أكثر انتشارًا وتأثيرًا فى العقل الجمعى المصرى مقارنةً بالعديد من كتب التاريخ الأكاديمية، وربما يرجع ذلك للعديد من الأسباب، يأتى على رأسها الأسلوب الأدبى والقصصى الذى روى من خلاله حسين فوزى «تصوراته» حول تاريخ مصر، وهنا نأتى إلى مشكلة كيف يتم تقديم التاريخ؟، هل عبر الكتابة الأكاديمية التى لا تلقى رواجًا فى أوساط عامة المثقفين أم أن هناك لغة «وسيطة» يمكن من خلالها تقديم كتابة تاريخية راقية بأسلوب يتناسب مع «لغة» وثقافة الطبقة الوسطى؟
يحرص حسين فوزى على ذكر أنه يكتب «رواية» وليست دراسة تاريخية فيقول:
«رواية كبيرة ذات فصول بطلها الشعب المصرى، لا كمجموعة قصص منفصلة لكاتب واحد، أو لكُتّاب عديدين».
وفى الحقيقة فإن حسين فوزى هنا كان يريد كتابة التاريخ من منظور «قومى مصرى»، أما تذرعه بأنه يكتب رواية فللهروب من إطار الأكاديمية التاريخية من ناحية، وأيضًا لإعطاء نفسه الحرية التامة فى الانتقاء والعرض وطرح الآراء، وللاستفادة من سهولة الأسلوب الأدبى «الصحفى» فى سرعة انتشار كتاباته وأفكاره بين العديد من فئات المصريين، ولهذا لا نعجب من تعدد طبعات الكتاب عبر السنين، فضلًا عن إعادة نشره من جديد فى مكتبة الأسرة، التى وسعت أكثر وأكثر من شعبية هذا الكتاب.
على أية حال ما يعنينا هنا هو موقف حسين فوزى من الفترة العثمانية، والصورة التى رسمها للدولة العثمانية، هذه الصورة التى تنبع من الموقف الفكرى لحسين فوزى كقومى مصرى ليبرالى، فحسين فوزى هو الابن البار للفترة الليبرالية وجيل أبناء ثورة ١٩١٩، وذروة القومية المصرية وزوال التبعية العثمانية، والتأكيد على ارتباط مصر بالحضارة الأوروبية.
من هنا لم يكن غريبًا أن يبدأ حسين فوزى كتابه بـ«الجمعة الحزينة»، ويقصد بها الجمعة التى تم فيها إعلان الخطبة فى مساجد مصر فى عام ١٥١٧ للسلطان سليم الأول بعد غزوه القاهرة.
وهكذا يبدأ حسين فوزى كتابه بالباب المعنوَن «الظلام»، ويبدأ هذا الظلام بـ«الجمعة الحزينة» فى دلالة على موقفه كقومى مصرى من الفترة العثمانية، ومثله مثل الرافعى يعزف فوزى على نغمة «مصر المستقلة»، وكيف أدى الغزو العثمانى إلى «نهاية مصر المستقلة»، بل ويصف السلطان الغورى بأنه «السلطان الشهيد قانصوه الغورى»، لمقتله فى موقعة مرج دابق أمام الغزو العثمانى.
ولا يكتفى حسين فوزى بنقد الفترة العثمانية بل يستلهم جحيم «دانتى»، للتعبير عن صورة مصر فى العصر العثمانى، فيقول:
«الصورة التى بقيت لنا من تلك العصور المظلمة حقًا صورة مهزوزة سوداء فى إحمرارٍ داكن، تبدو فيها من هنا وهناك أضواء جهنمية، تؤكد حقيقة الحياة المصرية فى ذلك الزمان، كانت شيئًا أشبه بجحيم دانتى فى أقسى طوابقه».
إن هذه الصورة الدرامية ستسهم إلى حدٍ كبير فى ترسيخ صورة مسبقة فى العقل الجمعى المصرى عن الفترة العثمانية، وربما يعتبر ذلك من أهم أسباب عدم تغيير هذه الصورة لفترة طويلة رغم العديد من الدراسات التاريخية الجديدة عن هذه الفترة، إن التيار القومى المصرى كان يريد مسح أو مسخ هذه الصفحة من تاريخ مصر.