رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشار «المريدية»: ندعو بالهداية لمن يتهمنا بالشرك

جريدة الدستور


قال القاضى محمد مرتضى بوسو، مستشار الخلافة العامة للطريقة «المريدية» فى السنغال، إن الطرق الصوفية فى بلاده، وعلى رأسها «المريدية»، تربى أتباعها على قبول الآخر المختلف عنهم، وتحذر من تكفيره أو الاعتداء عليه، كما تشجعهم على نشر دعوة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكشف «بوسو» عن وجود تعاون إيجابى بين المرجعيات الدينية والسلطات الحاكمة فى السنغال، لضمان أن يبقى البلد محصنًا ضد الأفكار والجماعات المتطرفة، معتبرًا أن انتشار الصوفية يسهم بشكل كبير فى تحصين المواطنين من خطرى الإرهاب والتطرف.
■ بداية.. ما تعريف التصوف من وجهة نظرك؟
- منهج ورسالة عالمية، ومقام الإحسان الذى لا يكمل الدين إلا به، والتخلية قبل التحلية، والخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والتزود ليوم الرحيل، مع الإخلاص ومراعاة حقوق الخالق والمخلوق.
وللتصوف دور كبير فى علاج النفس البشرية من الأمراض التى تصيبها بين الحين والآخر، والدواء المناسب لكل إنسان «تكبر وتجبر ورأى نفسه أكبر وأعلى من الجميع».
■ ما أبرز الطرق الصوفية الموجودة فى السنغال؟
- الطرق الصوفية المشهورة فى السنغال: «القادرية»، وهى أقدم طريقة، ثم «التيجانية»، ثم «المريدية»، وقد تكون لكل طريقة فروع، لكن هذه أشهرها وأكبرها، كما أن الطريقتين «الشاذلية» و«الرفاعية» موجودتان هناك منذ زمن بعيد، لكن عدد أتباعهما قليل مقارنة بالطرق الأخرى.
■ هل لك أن تعرفنا بالطريقة «المريدية»؟
- الطريقة المريدية من أشهر الطرق الصوفية الموجودة فى العالم، خاصة فى قارة إفريقيا، وهى طريقة مستقلة أسسها خادم الرسول الشيخ أحمد بمبا فى عام ١٨٨٧ ميلادية، وتعد من أكبر الطرق الصوفية فى السنغال، ولها أتباع بالملايين فى العالم، وتحظى بنفوذ واسع، وتنظم أنشطة كثيرة فى مجالات متعددة مثل الثقافة والعلوم والاجتماع.
■ تُعرف مدينة «طوبى» مقر الطريقة «المريدية» فى السنغال بـ«المدينة المقدسة».. لماذا؟
- يوجد فى المدينة ضريح مؤسس الطريقة شيخنا أحمد بمبا، الذى أسسها فى عام ١٨٨٧، وتبقى شاهدة على الأدوار التى لعبتها الطريقة على جميع الأصعدة، خاصة الصعيد الدينى، وتعتبر ثانى أهم مدينة سنغالية بعد العاصمة دكار.
وتتميز المدينة بطابع دينى خاص، حيث يلتزم قاطنوها بمنع دخول التبغ أو الخمر والمسكرات بأنواعها، وكذلك يمنع التبرج والرقص والاختلاط بين الرجال والنساء، كنوع من التقدير لذكرى المشايخ الذين تحتضن المدينة أضرحتهم التى يقصدها ملايين الزوار سنويًا، وهذا كله وفقًا للقانون، ومرتكبه معرض للمساءلة القانونية.
ويزيد عدد سكان المدينة على مليونى نسمة، وبها أكبر مسجد فى السنغال، ومكتبة إسلامية تضم عددًا كبيرًا من أمهات الكتب، ومعهد إسلامى يحمل اسم الأزهر الشريف، يزيد عدد طلابه على ١٠٠ ألف، وجامعة إسلامية وسوق كبيرة وطريق سريع يربطها بالعاصمة.
■ ما الدور الذى تلعبه الطريقة فى السنغال؟
- «المريدية» تلعب دورًا كبيرًا فى نشر الفكر الإسلامى الوسطى، والتصدى بكل قوة للتيارات المتشددة التى تسعى لنشر أفكار مغلوطة عن الدين بين الناس، كما أن للطريقة دورًا رئيسيًا هو الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وتربية أتباعها على الكسب من عرق الجبين ومصدر حلال، ونشر العلوم والمعرفة وتربية الأجيال تربية إسلامية صوفية وسطية من غير إفراط ولا تفريط.
■ ماذا قدمت «المريدية» لتجديد الخطاب الدينى؟
- لعبت الطريقة المريدية أدوارًا مهمة لخدمة الإسلام، من خلال تجديد الفكر الإسلامى، بالاعتماد على مجموعة كبيرة من العلماء والأساتذة والمفكرين الكبار الذين لديهم الرؤية الأوضح لتصحيح المفاهيم.
وتعتمد الطريقة منهجًا ربانيًا تجديديًا وضعه مؤسسها «خادم الرسول» شيخنا أحمد بمبا، الذى كتب فى هذا المعنى: «بالمصطفى نويت ما يجدد سنته الغراء»، لذا تتميز الطريقة «المريدية» بحرصها على تجديد الخطاب الدينى، وتصويب الأخطاء والآراء وبعض المفاهيم غير المستحسنة، بحكمة واستراتيجية بناءة صالحة ومطابقة للزمان والمكان والأشخاص، وخير شاهد على ذلك عزمنا وتجهيزنا لافتتاح أكبر جامعة تكنولوجية فى إفريقيا تضم عدة تخصصات وكليات.
■ كيف تنظر صوفية السنغال للجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«بوكو حرام»؟
- الحمد لله السنغال دولة صوفية قيادة وشعبًا، وتلفظ المتطرفين. والصوفية فى البلاد، ونحن منهم بالطبع، نربى أتباعنا على قبول الآخر، ونحذرهم من تكفير المختلف معهم، ومن خلال الزعامات الروحية نؤثر فى المريدين ونضبط سلوكهم، ونحصنهم من أفكار المتطرفين، خاصة أن الجميع تضرر من ظهور التنظيمات المتطرفة التى تنشط فى دول مجاورة أو شقيقة.
لذلك هناك تعاون إيجابى بين المرجعيات الدينية والسلطات الحاكمة لضمان أن يبقى السنغال محصنًا ضد الأفكار والجماعات المتطرفة، لأن الوقاية أفضل من العلاج، والطريق الأمثل فى توعية الشباب وتفنيد الأفكار المغلوطة، وتدريبهم على حسن معاملة وقبول الآخر، وتحذيرهم من التسرع فى إطلاق تهم «التبديع» و«التكفير» و«التفسيق»، مثلما تفعل الجماعات الإرهابية المحسوبة على الدين، والدين منها براء.
■ ماذا عن علاقتكم بالتيارات السلفية؟
- علاقة طيبة. لا توجد أى مشكلات بين «المريدية» والتيارات الأخرى. فالطريقة منفتحة على الجميع، وتتعامل مع أى مسلم حيث كان وتحترم آراءه وأفكاره. لذلك يشارك فى الموسم السنوى الخاص بطريقتنا جميع التيارات الإسلامية. وفى الموسم الأخير شاركت معنا جماعة «عباد الرحمن» فى تنظيم قافلة طبية، وهى جماعة كبيرة وأم للتيارات الأخرى غير الصوفية.
■ كيف ترد على من يتهم أهل التصوف بـ«الشرك» و«الابتداع»؟
- نسأل الله له التوبة والهداية، كما علمنا شيخنا أحمد بمبا. نحن لا نهاجم من يهاجمنا، ولا نرد عليه بسوء، بل نتجاهله ونزيد من اجتهادنا وعملنا وسعينا على الطريق إلى الله، وتصحيح كل ما نراه غير صواب. ليس لدينا الوقت لكى نشتم ونسب ونلعن، فنحن أهل تصوف وأهل الصوفية أهل محبة ومودة وليسوا أهل كره وبغضاء.
■ ما رأيك فى القول إن التوريث أحد أسباب انتكاسة الطرق الصوفية؟
- لا يجوز أن نعمم، فهناك طرق صوفية لا تستقيم إلا بالتوريث، وهو فى إطار احترام وتبجيل الزعامات الروحية باعتبار أبنائهم امتدادًا لهم. فأبناء أى طريقة يحبون شيخهم، وعندما يتوفى الشيخ ينصبون نجله شيخًا عليهم محبة فيه وتأدبًا معه حتى بعد وفاته.
وفى أحيان كثيرة يكون الخليفة ابن الشيخ متعلمًا وحافظًا لكتاب الله ونموذجًا صالحًا لتولى قيادة الطريقة، ولا يمكن أن نجزم بأن توريث الشيخ لابنه سيتسبب فى حدوث نكسة أو انهيار للطريقة، ويجب علينا حسن الظن فى أبناء شيوخنا، لأن المولى سبحانه هو من يختارهم لهذا الأمر.
كما أن هناك الكثير من الطرق لا تورث المشيخة لأبناء الشيوخ. ففى بعض الحالات يكون ابن شيخ الطريقة بعيدًا عن التصوف، وفى حالات أخرى لا يكون للشيخ أبناء من الأساس.
■ شاركتم فى الملتقى العالمى الـ١٤ للتصوف بالمغرب، ما تقييمكم له؟
- ناقشنا وتباحثنا حول الكثير من القضايا المهمة والمؤثرة التى تهم الأمة الإسلامية كلها وليس أهل التصوف فقط، ويلعب الحدث دورًا مهمًا فى نشر التصوف الإسلامى الحديث، من خلال تنظيم تجمع يستضيف خيرة أهل التصوف. وأود أن أوجه الشكر للطريقة القادرية البودشيشية التى تنظم الملتقى سنويًا فى المغرب والملك محمد السادس، لما يبذله من جهود تخدم أهل التصوف فى مشارق الأرض ومغاربها، لأن الهدف من الملتقيات هو جمع كلمة أهل التصوف وتبادل التجارب والخبرات مع العلماء وكبار الشيوخ من أجل خدمة الدين.