رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المياه 10.. منفذو محطة «اليسر» فى الغردقة: توفر احتياجات مليون نسمة

جريدة الدستور

كان إنجاز محطة «اليسر» لتحلية مياه البحر بمثابة حلم تحقق لسكان مدينة الغردقة بالبحر الأحمر، فى ظل اعتمادهم طوال سنوات طويلة، على خطوط مياه تصل إليهم عبر خط «الكريمات»، الذى كان يتعرض لأعطال دائمة.
وقال العمال والمهندسون المشاركون فى بناء المحطة، خلال أحاديثهم لـ«الدستور»، إن المحطة وفرت احتياجات سكان مدينة الغردقة من المياه، كما أنها حققت فائضًا تمت الاستعانة به لتغذية المدن الأخرى القريبة.
وكشف منفذو المحطة عن أجواء العمل فى هذا المشروع الضخم، وكيف غّير مسيرتهم المهنية وأمدهم بخبرة كبيرة فى بناء المحطات، مستعرضين مجموعة من التجارب الإنسانية الفريدة، التى مروا بها خلال مشاركتهم فى تشييد مشروع قومى انتظره كثيرون.

حسن الرافعى: ضاعفنا إنتاجها لـ80 ألف متر يوميًا.. وسلمناها فى الميعاد

البداية بالمهندس حسن الرافعى، الذى مَثل تكليفه بإدارة المحطة، أثناء فترة إنشائها، نقطة تحول كبيرة فى مسيرته المهنية، بعد أن اكتسب خبرات موسعة جراء مشاركته فى مشروع قومى بهذا الحجم والأهمية.
قال «الرافعى»: «مدينة الغردقة كانت فى حاجة ماسة إلى هذه المحطة، فعلى الرغم من كون المدينة سياحية فإنها كانت تعانى من نقص شديد فى مياه الشرب، ما أثر بشكل بالغ على نمط حياة قاطنيها».
وأضاف: «لم نكن نتوقع شدة نقص المياه فى المدينة بأكملها، فهى تحصل على احتياجاتها من الماء عبر أنابيب تصل إليها من مدينة الكريمات، وأثر ذلك بشكل كبير على طريق الكريمات- الغردقة، الذى كان يتعرض للتوقف بشكل مستمر، حين يحدث أى عطل فى الأنابيب».
لذا كان من الضرورى البدء فى إنشاء محطة «اليسر»، التى قال «الرافعى» إن بناءها لم يكن بالأمر الهين على الإطلاق، موضحا: «كان من المقرر أن تنتج ٤٠ ألف متر مكعب من المياه يوميًا، لكن فوجئنا بصدور تكليفات أثناء العمل برفع إنتاجية المياه إلى الضعف لتصل إلى ٨٠ ألف متر مكعب، على نفس مساحة الأرض ونفس المعدات، الأمر الذى مثّل تحديًا كبيرًا لجميع العاملين فى هذا المشروع».
وواصل: «العمال سابقوا الزمن لإتمام المشروع، حتى إننا بدأنا المرحلة الثانية من إنشاء المحطة، بينما كان العمل فى المرحلة الأولى لم ينتهِ بعد، واستطعنا بالفعل تسليم المرحلتين معًا فى وقت واحد، بفضل المجهود الكبير الذى بذله العاملون لتنفيذ المشروع بأعلى جودة وبأعلى إنتاجية، فى التوقيت المتفق عليه مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة».
وكشف عن أن المشروع وفر فرص عمل لـنحو ٤٠٠ عامل ومهندس، مشيرًا إلى أن مسئولى المحطة عينوا العديد منهم بشكل دائم بعد إثبات كفاءتهم فى العمل.

حازم ترك: أنظمة عالمية للتحكم فى كل الأجزاء

قال حازم ترك، المدير الحالى لمحطة «اليسر» بعد الإنشاء، إنه مسئول عن جميع أمور التشغيل والصيانة، بعد أن كلفته شركة مياه الشرب والصرف الصحى فى البحر الأحمر بالإشراف التنفيذى على المحطة. وأرجع الأهمية الكبيرة لإنشاء المحطة إلى أن محافظة البحر الأحمر كانت تعتمد بشكل أساسى على خط «الكريمات»، الذى تصل إليه المياه عبر مياه النيل، ويمد مدينة الغردقة بـ٥٠ ألف متر مكعب يوميًا فقط، ما جعل إنشاء محطة التحلية أمرًا ضروريًا للغاية للأهالى.
وأضاف «ترك»: «حققنا الإنجاز فى الميعاد المطلوب، نظرًا لخطة العمل التى وضعتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واستطاعت المحطة توفير مياه الشرب لمدينة الغردقة والمدن المجاورة لها أيضا، علمًا بأن هذه المياه مطابقة للمعايير العالمية، بأيادٍ مصرية وبأقل تكلفة وأفضل جودة».
وأشار إلى أن المحطة تضم «مأخذًا بحريًا» على مساحة ٣ آلاف متر، وخزان مياه يعمل على استيعاب ٢٠٠٠ لتر مياه بعمق ١١ مترًا تحت سطح البحر، وغرفة تحكم عالمية بأنظمة تكنولوجية تتحكم فى كل أجزاء المحطة منذ دخول المياه حتى خروجها، وذلك عن طريق شاشات وأنظمة إلكترونية عالمية، مختتمًا: «أنشأنا المحطة بواسطة أحدث وسائل موجودة فى العالم، والعمل داخلها يتواصل طوال الـ٢٤ ساعة دون توقف».


محسن عثمان: طبقت خبراتى الأجنبية فى بناء نظام التحلية

أهلت الخبرة، التى اكتسبها المهندس محسن عثمان أثناء عمله فى شركة اسكتلندية، للمشاركة فى بناء محطة «اليسر» بالغردقة. وقال «عثمان» عن ذلك: «حاولت تطبيق الخبرات التى اكتسبتها فى بناء نظام تحلية المياه بالمحطة»، موضحًا: «تخصصت فى إقامة أنظمة العزل الداخلى التى تعتمد فى الأساس على دهانات مستوردة من إنجلترا، بغرض التحكم فى تحلية المياه المالحة وتنقيتها من الشوائب، خاصة أن نسبة الملوحة فى البحر الأحمر عالية للغاية مقارنة بالبحر الأبيض المتوسط، ما استدعى التعامل مع هذه الملوحة بأحدث الأنظمة والتقنيات الحديثة، وبالفعل استطعنا تنفيذ المشروع وتسليمه فى الوقت المحدد وبأفضل جودة». وشدد على أن المحطة كانت «طوق النجاة» لقاطنى الغردقة، بعد سنوات طويلة من المعاناة نتيجة افتقار المدينة إلى المياه النقية الصالحة للشرب، مختتمًا: «المحطة تعد إنجازًا كبيرًا ونجدة ليس فقط لمدينة الغردقة، بل لمناطق رأس غارب، ورأس شكير، وخط الكريمات».

محمود بندق:تغلبت على الإصابة وتحولت من متدرب لأساسى

غيرت مشاركة محمود بندق فى المحطة مسار حياته المهنية، فبعدما كان أحد المتدربين فيها، أصبح أحد أفراد العمل الأساسيين داخلها، وهو ما يوضحه بقوله: «اكتسبت العديد من الخبرات خلال فترة تدريبى فى المحطة حتى أصبحت أحد الفنيين المسئولين عن التشغيل».
وأضاف: «كما أننى مسئول كذلك عن وحدة التحكم فى المحطة، التى تشمل إدارة الطلمبات والمواتير والمحابس، بجانب متابعة عملية إضافة المواد الكيميائية للمياه وفصل الأملاح، وإجراء أعمال صيانة الأجهزة التى تتعرض لأى عطل».
وعن آلية عمل المحطة، قال: «مراحل عمل المحطة تبدأ بسحب المياه من البحر عبر طلمبات الضغط العالى، ثم المعالجة الابتدائية، وإضافة مواد تعمل على إزالة الكلور من المياه»، مشيرًا إلى أن المحطة تستخدم «فلاتر» لإزالة الشوائب من مياه البحر، ثم تتم مرحلة فصل الأملاح، لتكون المياه المستخرجة بعد هاتين العمليتين شبيهة بمياه النيل، وتخضع لعمليات تنقية هى الأخرى.
وكشف عن تغلبه على إصابة تعرض لها أثناء فترة عمله فى المحطة، جعلته يمكث فى البيت مدة شهرين، ثم عاد إلى المحطة من جديد، ليستكمل دوره الذى بدأه.
وأشار إلى أن أهمية المشروع تكمن فى توفيره مياهًا صالحة للشرب من البحر، والحد من الاعتماد على مياه النيل، وتوفيره العديد من فرص العمل للشباب من قاطنى مدينة الغردقة وغيرها.

محمد على: ارتفاع منسوب المياه الجوفية أبرز الصعوبات

وصف محمد على، مهندس كهربائى، مشروع بناء المحطة بالإنجاز الهائل الذى هزم المستحيل، معتبرًا أن مشاركته فى المشروع القومى الضخم بمثابة الخطوة الأهم فى مسيرته المهنية. وكشف «على» عن أن المشروع مر بمراحل عمل متعددة، بداية من المرحلة الأولى التى شملت وضع الأساسات، ثم المرحلة التالية المتمثلة فى إنشاء الأنفاق، التى تخدم المحطة بالمياه، واشترك فيها أكثر من تخصص هندسى، مثل الكهرباء، والميكانيكا، والمدنى، واصفًا إياها بأنها من أصعب المراحل، وتكلفت جهدًا ووقتًا طويلًا.
وأشار «على» إلى أن العمل مر بصعوبات وتحديات كبيرة، منها صعوبة توفير آلات ومعدات حفر أسفل البحر، وارتفاع منسوب المياه الجوفية أثناء عملية حفر الأنفاق، فى ظل أن المهندسين كانوا مكلفين بحفر نفقين ليتمكنوا من سحب مياه البحر.
وأوضح: «عندما بدأنا حفر الأنفاق بالماكينة المخصصة لذلك، وجدنا منسوب المياه الجوفية مرتفعًا عن المتوقع له، ما تسبب فى غرق الماكينة بالمياه، وحدوث خلل فى أجزاء منها، واضطررنا بعد ذلك للاستعانة بأخرى لإنجاز مهمتنا فى المشروع، وبالفعل اجتزنا هذه الأزمة، وتم التسليم على أكمل وجه وفى الميعاد المحدد». كما أن المشروع احتاج إلى نقل معدات وآلات بأوزان ضخمة داخل موقع حفر الأنفاق، بجانب الحاجة إلى عزل مياه البحر عن منطقة العمل، لمنع وصول المياه للمعدات التى تدار بالكهرباء، على أن تتم إزالة العوازل التى تم تركيبها لذلك الغرض مرة أخرى بعد الانتهاء من الإنشاءات، وذلك بواسطة غواصين بأدوات خاصة، مع إزالة حائط صد المياه، قبل بدء تشغيل المحطة. وأضاف: «أى خطأ فى تركيب عازل المياه عن النفق يمكن أن يدمر المحطة، ونفس الأمر بالنسبة لعازل المياه عن الماكينات، الذى يمنع تسربها إلى المعدات التى تعمل بالكهرباء، لذا كنا نتوخى الحذر أثناء العمل لإتمام هذه المهمة، وأنجزناها بالفعل دون أى خسائر».


محمد القاضى: أنظمتها الأكثر تطورًا

كان محمد القاضى، ٢٦ عامًا، شاهدًا على مراحل التطوير المختلفة داخل المحطة، بعدما التحق بالعمل بها عقب تلقى تعليمه فى مدارس «مبارك كول» لتحلية المياه، ثم خضع لفترة تدريب فى المحطة، وبعدها تم تعيينه فى الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف والصحى.
ووصف «القاضى» المحطة بأنها من كبرى المحطات على مستوى الجمهورية، وتنتج كمية هائلة من المياه، كما أن أنظمتها التكنولوجية والتحكم الآلى بجميع أجزائها يجعلانها الأكثر تطورًا بين جميع المحطات الأخرى. وقال: «المحطة تنتج مياهًا صالحة لخدمة مليون نسمة من سكان مدينة الغردقة، كما أنها تمد مدينتى سفاجا ونويبع باحتياجاتهما من المياه»، مضيفا: «شعرت بسعادة غامرة عند الانتهاء من إنجاز ما ظنه قاطنو المدينة حلمًا».

محمد بهاء: سكن مناسب.. وإجازات منتظمة للعاملين
جانب تقنى آخر من جوانب عمل المحطة شرحه محمد بهاء، فنى تشغيل، بقوله: «المحطة تحتوى على نظام يضمن توافر أكبر عدد من أغشية تنقية المياه من الملوحة بشكل نهائى، وتتضمن أكثر من مرحلة معالجة بهدف الوصول إلى نسبة الأملاح المثالية فى المياه المنتجة».
وأضاف «بهاء»: «المحطة مؤهلة تمامًا لإنتاج مياه بجودة عالية، وتحقيق الراحة لجميع العاملين، من حيث توفير سكن مناسب ونظام إجازات بشكل منتظم لا يضر بمصلحة العمل، إضافة إلى توفير أجور مناسبة منتظمة هى الأخرى». وأشاد بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، التى كان لها دور كبير فى تذليل كل الصعوبات، التى واجهت فريق العمل داخل المحطة، مضيفا: «نظام العمل الذى اُتبع داخل المحطة، من شأنه تسهيل أداء مهام العمال والمهندسين بجودة وكفاءة عاليتين دون الشعور بالنفور أو الملل». وطالب «بهاء»، وهو أحد أبناء مدينة الغردقة، أجهزة الدولة المعنية بالاهتمام بالعامل الفنى، قائلًا: «إحنا بقينا عملة نادرة.. ويجب الاهتمام بنا».

احمد محمود: صيانة أسبوعية وشهرية وسنوية

أحمد محمود، ٤٧ عاما، من أوائل المشاركين فى العمل بالمحطة، وذلك بعد انتهاء مرحلة التركيب الأساسية، فى العام ٢٠١٧.
وشغل «محمود» منصب مدير التشغيل المسئول عن متابعة ضخ المحطة، حسب احتياجات المدينة اليومية، وتولى مسئولية التنسيق مع شركة مياه الشرب، وكتابة تقارير يومية عن حجم المياه الخارجة من المحطة، إضافة إلى إجراء تحليل كيميائى يوميًا للمنتج.
وتولى أيضا مهام عديدة فى أعمال الصيانة والتشغيل للآلات المستخدمة فى المحطة، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وقال إن أعمال الصيانة ضمن أهم الأولويات لاستمرار العمل، موضحًا أن هناك نظم صيانة سنوية وشهرية وأسبوعية للآلات، وعندما يتم اكتشاف آلات معطلة تستبدل بأخرى احتياطية، حتى تنتهى صيانتها، وتعود مرة أخرى، بجانب التعامل مع أى عطل مفاجئ فى وقته حتى لا يتوقف العمل.