رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المياه«3»..العاملون في محطة تحلية طور سيناء: توفر احتياجات 180 ألف مواطن

جريدة الدستور

منذ اللحظة الأولى لتوليه حكم البلاد، قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى نقل ملف تنمية سيناء من إطار الخطط والدراسات و«الأحلام» إلى التنفيذ الفعلى على أرض الواقع، وذلك من خلال مجموعة من المشروعات القومية. يأتى على رأس هذه المشروعات محطة تحلية المياه فى مدينة الطور بجنوب سيناء، التى تنتج ٣٠ ألف لتر مكعب مياه يوميًا، باستخدام أحدث التقنيات العالمية فى هذا المجال، وتقضى على مشكلة نقص المياه فى المدينة لمدة ٤٠ سنة قادمة، حيث كانت المدينة تعتمد بشكل رئيسى على المياه الجوفية. فى السطور التالية تحاور «الدستور» عددًا من المهندسين والعمال الذين شاركوا فى إنشاء هذا الصرح العملاق، حول حجم وطبيعة الإنجاز الذى حققوه، بجانب تجاربهم المهنية والإنسانية فى العمل بسيناء.


هيثم حمدى: إجراء صيانة دورية من أجل استدامة الخدمة

رحلة طويلة خاضها هيثم حمدى من القاهرة إلى «أرض الفيروز»، ليحمل على عاتقه مهمة كبيرة، تتمثل فى الإشراف على تشغيل المحطة، ومتابعة أعمال الصيانة الدورية لها التى تجرى بشكل دورى منتظم يومى وشهرى وربع سنوى وسنوى. قال «حمدى»: «نتابع أعمال الصيانة بشكل منتظم، لأن تكاليفها أقل بكثير من تكلفة إصلاح الأعطال التى تحتاج إلى أموال ضخمة نتكبدها حال حدوثها، فضلًا عن أهميتها فى استدامة الخدمة وعمل المحطة، لذا يضع جميع العاملين أمر الصيانة ضمن أولوياتهم».
وشرح طبيعة مهمته، قائلًا: «مهمتى فى المحطة هى الإشراف على التشغيل، بداية من سحب المياه من البحر، ثم البدء فى عزل الأملاح والشوائب والرواسب من خلال فلاتر خاصة وتحت درجة ضغط معينة، وصولًا إلى المرحلة النهائية لصرف المياه المالحة إلى البحر، وتوزيع المياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمى على الخزانات، ومنها إلى المنازل والبيوت فى مدينة الطور». وأشار إلى أن المحطة تضم ٦ وحدات لتحلية المياه، لا تعمل فى وقت واحد إلا عند الحاجة والضغط فى الاستهلاك، فما دامت الخزانات ممتلئة بالمياه فلن يتم تشغيل وحدات التحلية إلا عند بداية نقص الخزانات، لافتًا إلى أن هذه الخزانات تخضع لعمليات صيانة دورية، لضمان نظافة وسلامة المياه.
وشدد على أن المياه المنتجة من المحطة نقية وصالحة للشرب بنسبة ١٠٠٪، وتم تحليلها أكثر من مرة، وأثبتت التحاليل سلامتها، كما أنها أقل ملوحة من مياه الآبار، وتعد من أنقى وأنظف إنتاج على مستوى الجمهورية.
وعن عمله فى سيناء، قال: «انتقلت من القاهرة للعيش والعمل فى أرض الفيروز، وأعتبر عملى واجبًا أقوم به لصالح هذا البلد وأهله، ولا أفكر فى العودة فى الوقت الحالى، بسبب استقرارى فى المحافظة، وفى عملى الذى أعطيه كل وقتى واهتمامى، وعشقى لكل شىء فى تلك البقعة الغالية من الوطن».

عاطف جواد: أنجزناها فى 10 أشهر واستخدمنا أجود أنواع المعدات
بفخر كبير، وصف عاطف جواد، المدير العام للمشروعات فى شركة مقاولات أسهمت فى الإنشاءات، المشروع بأنه من أكبر محطات التحلية التى أنشئت فى القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، وذلك ضمن خطة الدولة لتنمية محافظة جنوب سيناء.
وقال «جواد»: «المشروع تميز بالسرعة الهائلة فى إنشائه وتشغيله، فلم يستغرق بناؤه وتشغيله أكثر من ١٠ أشهر فقط، بينما كان المحدد له عامًا كاملًا، الأمر الذى يعكس مدى الجهد المبذول داخل المحطة من قبل المهندسين والعمال».
وأضاف: «المحطة أنشئت باستخدام أعلى معدلات التقنية الحديثة، وبأجود أنواع المعدات العالمية وأصلبها»، مشيرًا إلى أن شركته استخدمت، بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، معدات تحلية المياه العالمية ذات الكفاءة العالية، التى يتم استيرادها من الخارج.
وأسهمت الشركات المصرية فى توريد العديد من معدات التركيب التى استخدمت فى البناء، مثل مواسير البلاستيك، والحدايد، والفلاتر، واللوحات الكهربائية والكابلات، وفق «جواد»، الذى أشاد بتلك الصناعات المصرية التى يتم الاعتماد عليها فى عدد من المشروعات القومية. كما أشاد بمنجزات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والتعاون معها، موضحًا أن أعمالها تتميز بـ«الالتزام الكامل بمواعيد استلام وتسليم العمل دون تهاون أو تراخٍ، وكذلك الإشراف الجاد على المشروع بكل تفاصيله، وتوفير التمويل المادى المناسب والملائم بشكل يضمن للعاملين بالمشروع الحصول على كل حقوقهم بشكل منتظم، ما يشعرهم بالرضا فى أثناء العمل وإنجاز المطلوب فى وقت قياسى، وهو الأمر الذى من الصعب توافره فى الهيئات الأخرى».

أيمن أبوالعلا: مرشحة لنيل شهادة الإدارة الفنية الأفضل عالميًا

المهندس أيمن أبوالعلا هو أحد المهندسين الذين تولوا مهمة متابعة جميع إجراءات تنفيذ المحطة، واستلام الإنشاءات الخاصة بها بعد الانتهاء منها، استعدادًا لتشغيلها بشكل دائم.
وكان كذلك واحدًا ممن شاركوا فى إعداد الدراسات الهندسية للموقع، ودراسة حجم السعة المطلوبة من المياه لتغطية احتياجات مدينة الطور، فى ظل أعمال التنمية الشاملة التى تُقام فى المدينة. وشرح «أبوالعلا» مراحل التشغيل وآليات تحلية مياه البحر فى المحطة، قائلًا: «فى كل مرحلة يتم أخذ عينات وتحليلها كيميائيًا فى معمل المحطة، الذى سبق وزود بأحدث أجهزة التحاليل الكيميائية، تمهيدًا لدخول المياه لوحدة الكالسيت لضبط الرقم الهيدروجينى، وأخيرًا تخزين المياه فى ٣ خزانات، سعة كل خزان ١٠ آلاف متر مكعب».
وشدد على أنه يتم الحرص على الالتزام بشروط الأمن الصناعى والسلامة المهنية فى كل مراحل التشغيل، بسبب التعامل مع مواد كيميائية شديدة السُّميَّة مثل غاز الكلور، ولذلك دربت شركة المياه والصرف الصحى فى سيناء مهندسى الشركة على خطوات ومهام التشغيل، تمهيدًا لإسناد مهمة تشغيل المحطة إليهم.
وكشف عن أن المحطة تعمل بنصف طاقتها تقريبًا فى الوقت الحالى، وسيتم العمل بكامل الطاقة قريبًا، حتى تكون عملية ضخ المياه للوحدات السكنية على مدار اليوم وليس لساعات محددة.
ووصف «أبوالعلا» المشروع بأنه «أكبر محطة لتحلية المياه فى جنوب سيناء»، خاصة أنها تعمل بطاقة ٣٠ ألف لتر مكعب يوميًا، وهو رقم ضخم جدًا، مشيرًا إلى أن المحطة مرشحة لنيل شهادة الـ«DSM»، وهى شهادة «الإدارة الفنية المستدامة» التى تصنف واحدة من أفضل الشهادات العالمية فى مجال التشغيل والصيانة، وذلك بفضل اتباع المواصفات القياسية العالمية منذ بداية تشييدها.


محمد بهاء:تقنياتها الحديثة وفرت العنصر البشرى

لم تقل مهمة محمد بهاء، ابن مدينة الغردقة، أهمية عن مهام باقى زملائه، وتولى الإشراف الكامل على المحطة فى مرحلة ما قبل التشغيل، وهو ما شرحه قائلًا: «أشرف على المعدات وفلاتر المياه، وقياس نسبة الأملاح داخل المياه، والتأكد من كيفية عمل المضخات وسلامتها، اتباعًا لكل سبل الأمان قبل التشغيل».
وشدد على أن المحطة استخدمت أحدث وأنقى مواد التحلية، مثل ثانى أكسيد الكربون الذى يعمل على تنقية المياه بصورة هائلة، مضيفًا: «بتقنياتها الحديثة وفرت المحطة على العاملين جهودًا كانت ستبذل، لو لم يتحقق بها هذا المعيار العالى من التكنولوجيا والجودة، الذى يكون تدخل العنصر البشرى معه محدودًا».
وأرجع الفضل إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى إشرافها الكامل على المشروع، ومتابعة خطواته كافة، ما أسهم فى إتمامه بصورة مشرفة وفى وقت قياسى، معبرًا عن فخره واعتزازه بكونه ضمن الفريق المشارك فى بناء هذا العمل القومى الضخم.


حاتم محمد:معمل لفحص العينات كل ساعتين على مدار الـ24 ساعة

رحلة حاتم محمد من المنصورة إلى «أرض الفيروز» كانت الخطوة الأكثر نجاحًا فى حياته، بعدما عمل «فنى» متخصصًا فى تقطيع الأجزاء الحديدية وتركيباتها، وشارك بخبرته فى أعمال بناء المحطة، خاصة أنه اعتاد السفر والعمل لتحسين دخله وأسرته المكونة من زوجته و٣ أبناء.
وعن طبيعة يومه داخل المحطة، قال: «يبدأ من الثامنة صباحًا، ولا أدرى متى ينتهى تحديدًا»، مشيرًا إلى أنه كان أحيانًا تصل به الحال إلى العمل لمدة ١٤ ساعة متواصلة، فى محاولة لإنجاز العمل فى الموعد المحدد، بل وقبله كذلك.
وأضاف: «أنجزنا بالفعل مهمتنا قبل الموعد، ما أسعدنى وزملائى كثيرًا، وأشعرنا بقيمة العمل داخل هذا المشروع الضخم»، لافتًا إلى أن هناك معملًا يفحص عينات من المياه كل ساعتين على مدار اليوم.


زياد محمد: الطاقم قليل.. و«الشغل على المسطرة»

«العمل فى المحطة مشى على المسطرة».. بهذه العبارة بدأ زياد محمد، أحد مهندسى المشروع، حديثه عن تجربة إنشاء المحطة، التى تُوّجت بالنجاح فى الانتهاء من أعمالها وإنشاءاتها كافة فى مدة أقل من المحددة للبناء. وقال «محمد»: «المهندسون والعمال المشاركون فى إنشاء المحطة كان لهم دور كبير فى هذا النجاح»، مشيرًا إلى أن طاقم العمل جميعًا لم يتجاوز الـ٧٠ فردًا، ما اعتبره إنجازًا هائلًا يبرز مدى الجهد المبذول من قِبل العاملين داخل المحطة فى تلك الفترة القصيرة.
وشرح أن «طبيعة مياه البحر تتميز بشدة ملوحتها، لذا يعتبر الهدف الرئيسى لإنشاء محطات التحلية هو التخلص من تلك الأملاح، ومن كل العناصر الضارة الموجودة فى المياه، لضمان إنتاج ماء نقى صالح للشرب بنسبة ١٠٠٪». وعن مراحل تحلية المياه، بيّن أن الأمر يتم من خلال معدات الضغط العالى التى من شأنها فصل المكونات الضارة من المياه، وذلك عن طريق إضافة مواد خاصة بذلك، ثم تمرير المياه من خلال ما تسمى «الأغشية» حتى يزداد نقاؤها. وأشار إلى أن الشركة التى يعمل بها شاركت فى أعمال البناء والإنشاءات، بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى وفرت كل سبل الأمان فى المحطة، وعملت على اختبار المعدات كافة قبل تركيبها وفى أثناء تشغيلها بصورة منتظمة. وواصل: «الهيئة الهندسية بالتعاون مع الشركة أسمهت فى تذليل كل المعوقات أمام العاملين، ووفرت البيئة المناسبة لها للإسراع فى تنفيذ العمل بإتقان وعلى أكمل وجه». كما أشاد بدور وزارة الصحة الرقابى لفحص المياه الناتجة عن المحطة، موضحًا: «الوزارة كانت ترسل مندوبًا أسبوعيًا لفحص عينات من المياه المنتجة لتحليلها بيولوجيًا وكيميائيًا».


تامر فهمى: تنتج 30 ألف لتر.. وتكفى الزيادة السكانية لمدة 10 سنوات مقبلة

شرح المهندس تامر فهمى، مدير المشروع، أهمية المحطة قائلًا: إن سكان جنوب سيناء كانوا يعتمدون على مياه الآبار فقط من أجل سد احتياجاتهم، ما خلق حاجة ملحة لتوفير مصدر آخر متجدد من المياه، يسد حاجة نحو ٢٠٠ ألف نسمة يتركز أكثر من ١٢٠ ألف نسمة منهم فى طور سيناء وحدها.
وأضاف «فهمى»: «المحطة تنتج نحو ٣٠ ألف لتر مكعب من المياه، وتوفر حاجة المياه الصالحة للشرب لنحو ١٨٠ ألف مواطن، وصُممت لتتم توسعتها وزيادة طاقة إنتاجها لتكفى الزيادة السكانية السنوية المتوقعة لمدة ١٠ سنوات مقبلة، أى أنها لا تكتفى بتغطية حاجة السكان فى الفترة الحالية فقط، وهو أمر تتم مراعاته فى أغلب المشروعات القومية التى يتم إنشاؤها حاليًا».
وكشف عن أن المحطة أنتجت مياهًا قبل الموعد المحدد لها، موضحًا: «بدأ العمل فى مارس ٢٠١٧، وفى يناير ٢٠١٨ أنتجت المحطة مياهًا على درجة عالية من النقاء صالحة تمامًا للشرب، ومعالجة بأحدث وسائل وتقنيات التحلية فى العالم».
وذكر أن المحطة تستخدم ما يعرف باسم «معدات مبادل الضغط»، التى من شأنها توفير نحو ثُلث الطاقة الكهربائية المستخدمة، كما أن نظام التشغيل والتحكم يعمل بشكل أوتوماتيكى دون تدخل للعنصر البشرى إلا فى الدور الإشرافى فقط، ما يجعل العامل والمهندس يستطيع كل منهما التحكم بمكونات المحطة جميعها من خلال شاشة مراقبة، الأمر الذى يوفر عنصرى الوقت والجهد، وكذلك يضمن الدقة بالعمل والوعى التام بجميع مجرياته.
كما أن المعمار الذى تميزت به المحطة يظهرها وكأنها قرية سياحية، ما يجعلها أجمل محطات التحلية الموجودة فى العالم، وفق «فهمى».
وعن أهم الصعوبات التى واجهت فريق العمل داخل المحطة، قال إنها «تمثلت أولًا فى الصعوبات الطبيعية للموقع، التى استوجبت الحفر داخل مياه البحر إلى مسافة نحو ١ كم امتدادًا، وعمق أسفل البحر من ٤ إلى ٥ أمتار، لمد خطوط نقل المياه، ما احتاج إلى وجود غطاسين على كفاءة عالية ولديهم القدرة على الأداء المهنى المطلوب».
وأضاف: «هذا العمل استلزم حسابات دقيقة للظروف المناخية، وحالات تغير مياه البحر، من مدّ وجزر ونوات وخلافه، فى ظل الضغط الزمنى الشديد لإنجاز العمل».
وأشار إلى الدور الكبير الذى لعبته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى تسريع عملية البناء، قائلًا: «طورت الأداء فى العمل بالسرعة والكفاءة المطلوبة، وتميزت بالجدية وعدم التهاون، وكذلك بالسرعة فى اتخاذ القرارات الصائبة دون تردد، الأمر الذى جعل العمل يتم على ٣ ورديات متتابعة طوال ساعات اليوم».