رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المياه«1»..العاملون فى محطة تحلية الجلالة: تنتج 150 ألف متر مياه يوميًا

جريدة الدستور


بالتزامن مع إنشاء مدن جديدة ضمن المشروعات القومية المتعددة، التى تنفذها الدولة، برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ظهرت الحاجة إلى توفير المرافق اللازمة لتلك المدن، وعلى رأسها المياه.
ونظرًا لأن تكلفة مد خطوط المياه من نهر النيل إلى تلك المدن الجديدة كبيرة جدًا، فضلًا عن عدم كفاية حصة مصر من المياه للاحتياجات بالأساس، حتى دون النظر لتأثيرات سد النهضة الإثيوبى- فكرت أجهزة الدولة فى إيجاد مورد مائى آخر يخدم هذه المدن، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء محطات تحلية المياه، وعلى رأسها محطة تحلية المياه فى المشروع القومى الضخم «الجلالة» بالعين السخنة.
وتوفر محطة تحلية الجلالة، التى بدأ إنشاؤها بناء على تعليمات الرئيس، ١٥٠ ألف متر مكعب من المياه العذبة يوميًا، وهى تبعد نحو ١٥٠ كم عن القاهرة، و٦٠ كم عن العاصمة الإدارية الجديدة.
فى السطور التالية، تحاور «الدستور» مهندسى وعمال محطة الجلالة، عن تفاصيل التحاقهم بالعمل فى المشروع، وطبيعة أعمالهم، وأهم الصعوبات التى واجهتهم خلال العمل.


عرابى: أدّينا مهمة إنشاء روافع على الجبل باقتدار.. وفخور بالمشاركة فى المشروع

أعرب المهندس أحمد عرابى، صاحب إحدى الشركات المشاركة فى تنفيذ المشروع، عن فخره بالمشاركة فى تنفيذ محطة تحلية مياه بمثل هذا الحجم الضخم، مشيرًا إلى أن اختياره جاء بسبب التزام شركته بتنفيذ الأعمال بالمواصفات المطلوبة، ومواعيد التسليم بدقة شديدة.
وقال «عرابى» إن منطقة جبل الجلالة «بِكر»، أى لم تكن بها أى خدمات أو مرافق، ما استوجب وضع خطة لتوصيل المياه إليها لتدب فيها الحياة، خاصة بعدما تم الانتهاء من تعمير الجبل وبناء مدينة عملاقة بالمنطقة لتنشيط السياحة بها، فجاء من هنا إنشاء محطة تحلية المياه.
وكشف «عرابى» عن أنه خلال المرحلة الأولى من المشروع كانت شركته مسئولة عن تركيب أجزاء من جسم المحطة، وتوصيل المواسير والروافع إلى منتجع الجلالة وأعلى الهضبة، مشيرًا إلى الانتهاء من هذه المرحلة فى ٧ أشهر فقط، وهو رقم قياسى مقارنة بأى مشروعات أخرى نفذوها، مستدلًا على ذلك بأن «الشركة أنشأت محطة تحلية مياه فى دبى، استغرق العمل بها عامين ونصف العام، ما يعكس حجم إنجاز مشروع محطة الجلالة».
وعن أصعب ما واجه الشركة خلال تنفيذ المشروع، قال: «الصعوبة كانت تكمن فى وجود المنشآت أعلى جبل الجلالة، فى حين أن محطات التحلية تُقام على البحر مباشرة لسحب المياه وتحليتها وصرف الرواسب مرة أخرى، لذا كان لا بد من إنشاء روافع للمياه لتصل للفنادق والمبانى، وكانت تلك أصعب خطوات المشروع».
وتابع: «نفذنا روافع بطول ٧٥٠ مترًا فوق سطح البحر لتوصيل المياه إلى المنتجع وأعلى هضبة الجلالة، وتكاد تكون هذه هى أول مرة يتم فيها إقامة روافع بهذا الارتفاع فى مصر وربما فى الشرق الأوسط، لكننا أنجزنا المهمة على أكمل وجه».

نادى: «قعدة البحر» هوّنت 5 أشهر عمل متواصل دون إجازة

بدأ محمد نادى، صنايعى لحام، العمل فى المشروع منذ ٢٠١٧، وذلك بتكليفه مع آخرين بمجموعة من الأعمال نجحوا فى إنجازها خلال عام، ثم تم تكليفهم بإنشاء ٣ خزانات بسعة تصل لـ٥٠ ألف متر مكعب للخزان الواحد لتخدم الجامعة التى سيتم افتتاحها، والمدينة الجامعية، والمنطقة الصناعية، ومناطق أخرى.
وأوضح «نادى»: «كنت مسئولًا عن لحام أجزاء الخزانات التى تستقبل المياه العذبة، وتلك الخزانات تصنع بمواصفات معينة لعزل أى رواسب أو أملاح أو طحالب يمكن أن تتسرب له، وتكون حديدية ومطلية بالزجاج لمنع الصدأ، بهدف ضمان الحفاظ على نقاء المياه».
وقال إن أصعب الأمور التى واجهها خلال العمل هو انفصاله التام عن الحياة وأسرته، لأن موقع العمل خارج تغطية شبكات المحمول، ويعمل مع زملائه لمدة ٥ أشهر متواصلة دون أى إجازات لإنجاز المشروع فى الوقت المحدد.
وأضاف: «كان أكثر ما يخفف عنا الغربة هو قضاء ساعات يوم الجمعة برفقة الزملاء على البحر، حيث كنا نجهز غداء جماعيًا فى هذا اليوم، وكان المديرون والمهندسون يشاركوننا فى تجهيز الطعام، فى محاولة منهم لدعمنا معنويًا».

محمد: أنهينا أخطر المراحل خلال وقت قياسى

عبر محمد عرابى، مدير أعمال الميكانيكا فى المحطة، عن اعتزازه الكبير بالمشاركة فى هذا الإنجاز، خاصة أنه لم يشارك فى مشروع بهذا الحجم من قبل، كاشفًا عن رغبته فى تكرار التجربة من جديد.
ووصف «عرابى» العمل فى المحطة بــ«الدقيق جدًا»، مشيرًا إلى أنه كان مسئولًا عن فريق من المهندسين والعمال المختصين بميكانيكا محطات تحلية المياه، وبدأ العمل فى الموقع بعدما انتهى المهندسون المدنيون من إنشاء الأساسات وصب خراسانات المحطة.
وقال: «هؤلاء المهندسون انتظرونا حتى ننتهى من عملنا لينشئوا الروافع، وهى مثل الأنابيب وتستخدم فى رفع المياه وتوصيلها لمدينة الجلالة، إضافة إلى إنشاء خزانات المياه التى تسمح بتخزين آلاف الأمتار المكعبة من المياه العذبة». وشدد على أن العاملين والمهندسين تغلبوا على جميع الصعوبات التى واجهتهم، وكانوا يجدون حلولًا ممتازة لكل الأزمات، مثل تعديل مقاس قطع الغيار، وحينما لا يستطيع تعديل المقاس يراسلون الشركة الأجنبية الموردة، وفى الحال ترسل لهم قطع الغيار البديلة فى طائرات خاصة، مختتمًا: «الشركة عملت على تشجيعنا باستمرار بصرف المكافآت، لسرعة الانتهاء من إنشاء المحطة».

على: العمل دقيق جدًا ووجدنا حلولًا لجميع الأزمات

قال محمد على، مهندس مدنى شارك فى المشروع، إن بناء محطة مياه بهذا الحجم كان أمرًا صعبًا لكنه ليس مستحيلًا، مشيرًا إلى أنه شارك من قبل فى إنشاء محطات تحلية مياه فى محافظات أخرى، لكن محطة الجلالة هى الأكبر.
وأوضح «على» أن عملهم تضمن رمى الأساسات، تمهيدًا للمرحلة التالية، وهى إنشاء الأنفاق التى تمر بها المياه من وإلى البحر، لافتًا إلى أنها من أكثر المراحل التى تتطلب جهدًا ووقتًا طويلًا.
وأضاف: «نقل المعدات والآلات إلى موقع العمل لحفر الأنفاق احتاج إلى عزل مياه البحر عن الموقع لمنع وصول المياه للمعدات التى تعمل بالكهرباء، على أن تتم إزالة العوازل التى يتم تركيبها مرة أخرى بعد الانتهاء من العمل، بواسطة غواصين بأدوات خاصة لإزالة حائط صد المياه وبدء تشغيل المحطة».
ووصف هذه المرحلة بأنها الأخطر فى المشروع، نظرًا لصعوبة المهمة التى كُلفوا بها، قائلًا: «أى خطأ فى عمل العازل الذى يمنع تسرب المياه للمعدات التى تعمل بالكهرباء من شأنه أن يكلفنا أرواح الناس التى تعمل مع الموقع، لذا وجب علينا الحذر فى إتمام هذه العملية، التى انتهينا منها بنجاح فى وقت قياسى قبل الميعاد المحدد».



شعيب: جغرافيا المنطقة وسوء الحالة الجوية أكبر تحدٍ

ذكر المهندس محمود شعيب، الذى شارك فى إنشاء أساسات المحطة وصب الخرسانات الخاصة بها، أن المحطة تعمل عبر سحب المياه من البحر وتحليتها، ثم تصريف الرواسب من خلال قنوات وطرق صرف صحية.
وأشار إلى أنه كان ضمن فريق كبير مسئول عن إنشاء ٣ أنفاق ضخمة، اثنان لسحب المياه من البحر وتحليتها بواسطة المحطة، ومن ثم رفعها للخزانات عن طريق مضخات بقوة دفع كبيرة، وثالث لتصريف الرواسب.
وقال «شعيب» إن إنشاء محطات التحلية أمر مكلف ومعقد، ولم يكن المشروع سهلًا على الإطلاق بسبب العوامل الجوية القاسية فى هضبة الجلالة، لكن لا شىء يُعجز المهندسين المصريين، كما أنها ليست المرة الأولى التى تبنى مصر فيها محطات تحلية، فهناك الكثير من المحطات أُنشئت منذ مدة طويلة فى مرسى مطروح وشرم الشيخ والغردقة.
وأشار إلى أن «التعامل مع جغرافيا المنطقة كان تحديًا كبيرًا، فضلًا عن الظروف الجوية القاسية، فأحيانًا كانت تشتد الأمطار والسيول، فنضطر لوقف أعمال البناء والحفر بناءً على تعليمات القيادات، لحين استقرار الطقس».
واختتم: «فى جميع الأحوال كانت التجربة عظيمة، وأنا وزملاء الموقع نسينا أيام العمل الصعبة بعدما شاهدنا نتيجة جهدنا المتواصل وتحول الحلم إلى حقيقة».

سعد: الهيئة الهندسية وفرت الاحتياجات المطلوبة

قال عبدالرحمن سعد، أحد مهندسى المشروع، إنه يعمل فى مجال إنشاء محطات تحلية المياه منذ أكثر من ٥ أعوام، وتعتبر محطة تحلية المياه فى الجلالة من كبرى المحطات التى شارك فى إنشائها، لأن لها قدرة استيعابية ضخمة.
وأضاف «سعد»: «المشروع يضم مهندسين من جميع التخصصات، ومعدات حديثة جدًا، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة وفرت جميع الاحتياجات المطلوبة، لذا لم نواجه أى مشكلات فى التنفيذ».
وأشار إلى مشاركة أكثر من شركة فى تنفيذ المشروع، وكل شركة منها كانت مسئولة عن إنجاز مهام محددة فى وقت معين، مضيفًا: «لسوء الحظ بعدما انتقلنا للموقع وبدأنا العمل تعطلت إحدى المعدات، التى لا يمكن الاستغناء عنها، لكن تجاوزنا هذه الأزمة بتأجير المعدة المطلوبة، وتابعنا العمل فى الموقع دون توقف دقيقة واحدة».

جمال: التخلص من الرواسب وفق تعليمات وزارة البيئة

وصف معتز جمال، استشارى الشركة المنفذة للمشروع، إنشاءات محطة تحلية المياه فى مدينة الجلالة بأنها الأكثر تعقيدًا من بين جميع المشروعات التى نفذتها الشركة.
وأوضح «جمال»: «الجلالة هى المحطة الوحيدة التى تم حفر أنفاق لها أسفل طريق الزعفرانة فى العين السخنة، لازمة لتشغيل حركة تحلية المياه دون قطع الطريق»، واصفًا العمل بـ«التحدى الأكبر»، مشبهًا إياه بـ«أنفاق قناة السويس».
وأشار إلى أن المشروع يضم ٣ مراحل، الأولى هى الإنشاءات الأولية ورمى الأساسات وبناء جسم المحطة، والثانية التشغيل التجريبى للمشروع، والثالثة مرحلة التشغيل بالضمان.
وأضاف: «القسم الذى كنت أديره كان مسئولًا عن المرحلتين الثانية والثالثة، اللتين تتضمنان سحب المياه من البحر عن طريق الأنفاق وتحليتها، على أن تتخلص المحطة من الرواسب بتصريفها إلى البحر، لكن فى مناطق بعيدة عن الشاطئ وعلى أعماق كبيرة، التزامًا بتعليمات وزارة البيئة، لعدم الإضرار بالشعاب المرجانية والأحياء المائية».
وكشف عن تنفيذهم المشروع فى نصف المُهلة المحددة له، فبعدما كان من المقرر تنفيذ المحطة فى ٣٠ شهرًا، تلقوا تعليمات بتقليص المدة المحددة للانتهاء منها، على أن يتم تسليمه فى ١٨ شهرًا فقط، وهى مدة قصيرة بالنسبة لإنشاء محطة بهذا الحجم، لكنهم نجحوا.
واختتم: «شركتى استفادت بشكل كبير من العمل فى الجلالة، فرغم أنها صاحبة الريادة فى مجال تحلية المياه، ليس فى مصر فقط، وإنما فى الدول الأجنبية، خاصًة دول إفريقيا، فإنها هذا المشروع هو الأضخم، لأنه ينتج ١٥٠ ألف متر مكعب من المياه بشكل يومى».