رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"بابا المصريين" وليس "بابا العرب"




من الصعب أن نعتبر أن الدراما التاريخية تقتصر على إعادة التأويل والتوثيق لوقائع تاريخية فقط، بل يمكن للمبدع أن يتناول جوانب أخرى لها، فمنها أعمال درامية تستدعي تاريخها لصياغة واقعها، ومنها ما يهرب من الواقع ليستدعي تاريخه.

شيء مبهج ويدعو للفخر إعلان دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون إنتاج أول مسلسل كنسي في "مصر"، ليتناول السيرة الذاتية لقداسة البابا شنودة الثالث، باسم "بابا العرب"، والذي أعد المادة التاريخية له المؤرخ الكنسي "المصري" نشأت زقلمة، وكتب الحوار الدكتور عطاالله توفيق "المصري"، ولكني أنتظر بكل تشوق المعالجة الدرامية لسيرة قداسة البابا شنودة الثالث "بابا المصريين" ومراحل التحول إلى "بابا العرب".

بأي حال قد تهدف الأعمال الدرامية كغيرها إلى الحفاظ على التاريخ و التراث، فهي قد تستغرق في الماضي وحواسها على الحاضر، أي أنها تراه بأعين الواقع، وليس كما كان بالفعل، ومن هنا ربما يمكن أن نفهم مقولة الفيلسوف الفرنسي بول ريكو حين وصف هذه العلاقة بـ (الهوية السردية) حيث الوعي بالذات يتم دومًا من خلال وسيط الذاكرة، بعيدًا عن الضوابط العلمية، فهوية الجماعات هي ما تروي عن تاريخها وما تسرد عن ماضيها.

وقد حصلت الكنيسة "المصرية" على موافقة رقابة المصنفات الفنية "المصرية" على المسلسل، إضافة إلى موافقة وزارة الثقافة "المصرية"، بشرط عرضه على القنوات الفضائية "المصرية"، وعدم قصره على الأقباط فقط، وهنا يأتي التحول الأكبر في تاريخ الإنتاج الكنسي للدراما المسيحية، وهذا على لسان القمص بموا الأنبا بيشوي، فهذه الخطوة تأتي بعد إنتاج الكنيسة عددًا كبيرًا من الأفلام القبطية، التى تناولت قصص الشهداء والقديسين "المصريين" على مدار الأعوام السابقة، إذًا أين السياق العربي في الأمر، ولماذا "بابا العرب"؟

وهنا يجب علينا رصد موقف مهم آخر هو أن القمص بموا الأنبا بيشوي، أكد على أن الكنيسة فتحت حسابات فى البنوك من أجل استقبال التبرعات من داخل مصر و من أقباط المهجر "المصريين"، وهذا من أجل إنتاج المسلسل الذي يتوقع تجاوز تكلفته ٨٠ مليون جنيه "مصري"، وهنا لنا وقفة وسؤال، هو لماذا تم التعامل فيما سبق بمهنية وتجاوز أمر الإنتاج والتعامل معه على نحو خاص جدًّا؟ كأن الأقباط هم من عليهم أن يدعموا إنتاج تاريخ رموزهم؟! إذًا لماذا كل ما سبق من موافقات لوزارة الثقافة والمصنفات والفضائيات المصرية؟! وأين السياق العربي في الأمر، ولماذا "بابا العرب"؟

أتذكر أن مسلسل إمام الدعاة من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي عام 2003، لمطيع زايد، وهو يتناول حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهو من تأليف بهاء الدين إبراهيم وإخراج مصطفى الشال، وبطولة الفنان القدير حسن يوسف، الذي تم تصويره في مدينة الإنتاج الإعلامي.