إخصائى نفسى يكشف كواليس التعامل مع متهمى قضايا الرأى العام
قال الدكتور محمود العيسوي، إخصائي نفسي بمستشفى العباسية، إن قرار إيداع المرضى النفسيين المتورطين في قضايا جنائية 45 يومًا على ذمة التحقيقات، بناءً على قرار النائب العام، يتم تحت وصاية من لجنة فنية من المجلس القومي للأمانة الصحية.
وأكد أن المسئول عن تشخيص حالة المتهم بأنه مريض أو مُدعي هي اللجنة الفنية، وتكون تابعة للمجلس القومي للأمانة الصحية، ومكونة من ثلاثة أشخاص، أحدهم أستاذ جامعي واستشاريان من الأطباء النفسيين، موضحًا أنه تعقد عدة اجتماعات ولقاءات مع المريض وتكون مواعيدها متفاوتة كل فترة حسب رؤيتها لحالة المريض تتفاوت من يوميًا إلى أسبوعيًا حتى انقضاء فترة الإيداع وكتابة تقريرها.
وأضاف "العيسوي" في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن طبيعة عمل اللجنة الفنية مختلفة، حيث يجتمع كل عضو باللجنة وحده مع المتهم، ثم يجتمعون جميعًا في مناقشته، وهي المسئولة عن التشخيص أنه مريض نفسي أو مدعي مرض أفقده قدرته على التمييز أثناء الانفعال من عدمه، ويكون التشخيص أيضًا من ناحية المسئولية فهو شخص مسئول عن أفعاله من عدمه، موضحًا أنه يمكن أن يكون مريضًا نفسيًا، لكنه مسئول عن أفعاله فهو ارتكب جريمة بعيدة جدًا عن مرضه، فالمسئولية عادة تكون في منطقة المريض المتدهور لكن غير المسئول مسئولية كاملة وتختلف من نسب لأخرى، حيث تحدد اللجنة نسبة مسئوليته أو مرضه في التشخيص ويترك الرؤية للقاضي.
وتابع، أن المتهم يكون مريضًا نفسيًا عندما تكون جريمته المرتكبة جزءًا أساسيًا من مرضه، مشيرًا إلى أن كل الأمراض النفسية قد تؤدي إلى أذية النفس أو أذية الغير، والتشخيص للمرض عبارة عن مجال يتراوح من صفر إلى عشرة، فنسبة المرض تكون مختلفة بنسب مدى تملك المرض من المريض نفسه، حيث إنه عندما يصل لدرجة العشرة مثلًا في الاكتئاب يكون دخل في مرحلة الانفصام وغيرها، فمريض الوسواس القهري مثلًا يسمع هلاوس وأصوات، لكن إذا لم تتم معالجته أو متابعة حالته يتطور الأمر إلى انفصام كامل وأفكار وأصوات متكاملة.
وأضاف "العيسوي" أن المرض النفسي يختلف من شخص لآخر من عمل سلوك عدواني من عدمه، فمريض الانفصام ممكن أن يكون سلبيًا جدًا ومنعزلًا ولا يتحرك من المكان الذي يجلس فيه وهادئًا تمامًا، فيعتبر هذا مريضًا سلبيًا، وشخص آخر مريض بالانفصام يكون عدوانيًا ويكون بحيازته سلاحًا أو سكينًا، معتقدًا أن الجميع يحاولون أذيته وهو محصن نفسه للدفاع عن تلك الأذية.
وأكد الدكتور محمد العيسوي، أنه في النهاية لا توجد أسباب معينة تدفع إلى ارتكاب الجريمة، وكل هذا يرجع إلى لجنة الطب الشرعي فهي المسئولة عن التشخيص بأنه مريض من عدمه، وهناك أشخاص تكون نسبة المرض فيهم ضعيفة، أي بنسبة 20% فيعتبر مسئولًا عن أفعاله ومرضه ليس جزءًا من جريمته.
وأشار إلى أن المذابح الأسرية ليس السبب الرئيسي فيها المرض النفسي، حيث إن هناك شخصًا مريضًا بالاكتئاب مثلًا لكن لديه أسبابه "زوجته خائنة" وهو متأكد ومنكر نسب أطفاله فارتكب الجريمة بأسبابه حتى لو كانت به نسبة مرض نفسي، فالطب النفسي تعامله مختلف ولا يخضع لقواعد ثابتة، فهو يعامل المريض بالمدى فكل حالة مختلفة عن الأخرى.
وأضاف، أن تقرير اللجنة الثلاثية يعتمد من الصحة النفسية، ويعتبر حتى هذه اللحظة رأي اللجنة هو رأي استشاري من الناحية القانونية، يعني من حق القاضي أن يأخذ بها أو يتركه جانبًا، لأنه يحكم بالملابسات الخاصة بالقضية وأقوال الشهود والمتهم، ففي البداية يستعين بطبيب يحضر التحقيقات ويجلس مع المتهم في القسم، لكن حاليًا اختلف الأمر وأصبح يخاطب المجلس القومي فينتدب لجنة ثلاثية، ومن الناحية العرفية فإن القاضي يأخذ بآراء الأطباء، لأن التقرير يمر على عدة أطباء وإخصائيين كل واحد منهم عمل في مجاله لمدة تزيد على 15 عامًا، ولديه خبرة في التعامل مع المرضى، وتتم كتابة التقرير عقب مروره على عدة جهات واعتماده من اللجنة، ثم المجلس القومي للصحة النفسية، والأمانة العامة.
وتابع "العيسوي": أن القاضي قد لا يلتزم بالتقرير الخاص باللجنة الثلاثية وينتدب لجنة خماسية، وهذا دائمًا يكون في قضايا الرأي العام لزيادة التأكيد، ثم نأتي إلى شقين إذا كان المتهم مًدعيا أو مريضا نفسيا، لكنه مسئول عن جريمته، فإنه يعود إلى السجن تتم محاكمته محاكمة عادلة إذا كان مدعيًا وتكون عقوبته مشددة، وأما إذا كان مريضًا نفسيًا، لكن الجريمة لا تعتبر جزءًا من مرضه فيراعي القاضي ذلك.
والشق الثاني هو أن يكون المتهم مريضًا نفسيًا وغير مسئول عن أفعاله، وهنا يودع في المستشفى إذا كان رجلًا في مستشفى الخانكة، وإذا كانت سيدة في مستشفى الأمراض العقلية فى قسم الطب الشرعي، ويجلس حتى تخفيف مرضه، فكل ستة أشهر يتم عرضه على لجنة فنية تقيم مرحلة مرضه وتطوره، حتى يتعافى ويخرج ويضعوا في الاعتبار متابعته كل فترة، وإذا لم يأتِ للمتابعة كل شهر يتم إخطار القسم التابع له عن طريق مكتب شئون المرضى.
واستطرد "العيسوي" أن المرض النفسي مزمن عندما يعاني منه أحد الأشخاص، فلا بد لأسرته أن تهتم به وبالكشف عليه وتشخيص حالته، فمثله كمثل أي مرض لا بد لمصابه أن يواظب على تناول الأدوية والعلاج النفسي، ويشعر المريض بتحسن حالته عقب أسبوعين من تلقى العلاج، ثم يستمر العلاج لمدة ثمانية أشهر حتى يتم تحسن حالته، وعقب ذلك قد يسمح له بالخروج من المستشفى، ويطلب منه المتابعة مرتين في الأسبوع، لكن هذا لم يحدث في معظم الأحوال ويعود مرة أخرى لمرضه ويتواجد في الشارع بمرضه وهلاوسه دون رقابة من الأهل، لكن إذا استمر وواظب في المتابعة تكون مدتها 4 أشهر، ثم إذا تحسن وتعافى يبدأ في تخفيف تلقي العلاج حتى يبطل تناول العلاج نهائيًا بالتدريج.
وتابع، أنه إذا كان مريضا نفسيا وارتكب جريمة فهذا لا يحميه، فدور الأسرة فقط هو معالجته ومتابعته، فلا بد من التمييز بين المريض المستبصر وغير المستبصر، لأن القاضي يراعي في حكمه نسبة المرض النفسي للمتهم الذي يكون واعيا وتكون مخففة، لكن تنقضي العقوبة نهائيًا إذا كان المتهم مريضا نفسيا كليا.
وأكد "العيسوي" أن أي مريض نفسي عادي يأتي لهم في المستشفى لو في بداية مرضه تم معالجته سريعًا، لكن معظمهم يأتون للعلاج والكشف الطبي عقب مروره على الدجالين والشيوخ وتناول أشياء تعصبهم، فيصل المريض للمستشفى كمريض متدهور ومقاوم للعلاج، فأي مرض بيولوجي نتعامل على أرض الواقع بالعلاج، والمرض النفسي يختلف من شخص لآخر، فمثلًا "شقيقان بنفس الظروف أحدهما أصيب بالاكتئاب والآخر لم يصب به رغم نفس النشأة والضغوطات"، فيكون السبب الرئيسي هو استعداد نفسي لاستقبال المرض، والظروف المحيطة ساعدت على إصابته من ضغط وتوتر، وهو استقبلها وتمكنت منه، فاستقبال الشخص للحدث أهم من الحدث نفسه، فأي مرض يبدأ بسيطًا ومتوسطًا وشديدًا فكل مرض له أعراضه وتتم معالجة كل مرض حسب درجته ومداه فينعزل ويرفض الطعام.